في اليمن كلُ شيء محير وغامض ومريب .. عجز خبراءُ السياسة وعوامُ الناس وخواصهم في تقييم رجاله وفهم مسار أحداثه وتحليل مواقف مكوناته السياسية والقبلية , عجز الكلُ عن شرح كيف سقطت صنعاءُ دون مقاومة ؟ وكيف انهارت حكومتنا سريعا ؟ وأين ذهب جيشنا بطيرانه ومدرعاته ورجاله ؟ .
أين ذهبت الأحزابُ ومسيرات المليون ؟ كيف خَفَتَ كلُ صوت وبهت كلُ ضوء ؟ .
أحتار اليمنُ في رئيسه " منصور " حينما توج رئيسا دون منافس ممتلكا أسباب القبول والقوة , ولكنه حير الناسَ في مواقفه فتارةً يكون قويا صلبا وأخرى ضعيفا رعديدا , وفي مسألة تراه داهية محنكا وفي غيرها غبيا أحمقا , وتظن به إخلاصا وتجردا ويغلب عليك الظن كثيرا أنه خوَّانا مذبذبا .
ولما دخل الحوثي صنعاءَ تيقن أغلبُ الناس أنه متواطئ ومداهن , وأن له يدا طالت أو قصرت في سقوط صنعاء وعمران قبلها .. وفقد بهذا كثيرا من شعبيته ومصداقية مواقفه .
وبعد حصاره وعملية فراره إلى عدن عاد بطلا وطنيا وأملا شعبيا أقوى مما كان عليه , أصبح فجأة رمزا تلتف حوله مكونات السياسة والقبيلة بمختلف أفكارها وتناقضات مشاريعها .
وقس على ذلك فرارَ وزير الدفاع وما سيترتب عليه من تمجيد له وتعليق آمال عليه .. كل هذا دون أن يتكلف أحدهم التساؤل في هذا التحول والتطور الجديد .. وما هي الحقائق والدوافع والآثار والنتائج .
حقا نحن شعب عاطفي نندفع وراء كل صوت وراية ولا نهتم بالحواشي ولكن يهمنا الحرف الكبير المضيء أمامنا وعليه مدار قراءتنا وبصيرتنا .
والأكثر حيرة منا كشعب هم قادة العمل السياسي في بلادنا الذين يضعون لهم بطاقة مرور ورجعة , فهم مع شرعية هادي وفي نفس الوقت يتحاورون مع الحوثي , ويدفعون بأنصارهم في مسيرات رافضة للانقلاب ويمنحونه شرعية بالجلوس إليه .
والمبعوث الأممي " بنعمر " لا يقل غموضا فهو ضبابي مذبذب غير جازم ولا تستطيع فهم غايته .. ولا تدري هل يعمل لخدمة اليمن وشعبه أم لخرابه وخدمة غيره .
ففي آخر تقرير قال : " كما أخبرت المجلس بأنه لا يمكن لأي طرف أن ينجح في فرض سيطرته بالقوة على كامل مناطق اليمن " .. وكأنه يقول ولكن يمكن لأي طرف أن ينجح في فرض سيطرته بالقوة على بعض مناطق اليمن .
هل هذه دعوة تمهيدية للاعتراف والتعايش مع وضع قادم لا محالة ؟.. وضع تشير تحركات وتنقلات داخلية وخارجية إلى فرضية حدوثه , وتؤيده استعراضات وتكتلات قبلية وإمداد محافظات معينة بشحنات من الأسلحة والذخيرة برا وجوا للدعم والسيطرة .
وقال : " إن المجلس يتحدث بصوت واحد حول اليمن داعما لحل سياسي سلمي تفاوضي توافقي ، ترعاه الأمم المتحدة "
ونحن لا نرى حلا سياسيا سلميا توافقيا .. ولا يوجد دعم مؤثر من الأمم المتحدة ولا رعاية صادقة من غيرها .
والحل السياسي لن يكون توافقيا سلميا , وإنما هو حرب التقسيم والتقاسم للسلطة والأرض . والرعاية ليست حبا في عيون أهل اليمن وإنما طمعا في عيون يمانية أخرى .
إن الواقع الذي نراه أن هناك سلطتين تحكم اليمن .. سلطة يقولون أنها متمردة انقلابية , ممثلة في حركة الحوثي التي احتلت العاصمة وأصبحت تحكم بالغلبة .. وسلطة شرعية ممثلة في الرئيس هادي والتي وجدت نفسها مقصية ففرت بجلدها واتخذت عدن عاصمة لها . فالوضع يعد انفصالا سياسيا وجغرافيا بلا جدال .
والواقع الذي أراه شخصيا أن الخطة الأساس ( أ ) لم تحقق الهدف تماما , فقد أعاقت نجاحها مكونات سياسية وقبلية عاقلة منضبطة ثابتة , فكان لابد من الانتقال إلى الخطة البديلة ( ب ) حيث يأملون نجاح المخطط وفقا لعدة عوامل نفسية وعاطفية تتعلق بالإنسان والمكان .
أثق تماما أنهم يسيرون على مربعات تحدد موضع وزمن خطواتهم وقراراتهم .. وحتما هناك تخطيط وإعداد قد تم لكل خطوة , وحتما سيصدر أمر مباشر من جهة أخرى لكل قرار .
لم يعد خافيا على أحد أسس إدارة اللعبة وما يتعلق بحماية المصالح ومناطق النفوذ .. وتعامل الحوثي مع الحدث سيكون أيضا مخططا له حسب المسار المرسوم وبمثابة إعلان حرب .. ولن يتحقق في نهايته احتلال عدن ولا تحرير صنعاء , وإنما مزيد من المآسي والفتن .
إنهم يريدون في اليمن اللعب بالبيضة والحجر , واليمن البلد الوحيد في العالم الذي لا يستطيع أكبر حاضن للدجاج ولا أعظم نحات للأحجار معرفة البيضة فيه من الحجر .
فالكل في اليمن أحجار وصخور .. فمن سيكسر من ؟! .
بقلم : ابو الحسنيين مجسن معيض