الظلم : نفق أسود مظلم فيه كل أنواع القتامة والبؤس والجور والتعدي .
تصادر فيه الحقوق , وتسلب فيه الإرادة تمتهن الكرامة , لا معنى فيه للحرية و لا وجود للإنسانية .
الظالم : مخلوق بلا أخلاق , وإنسان بلا إنسانية , يلجأ إلى الظلم حين تنكشف سوءته وتكثر عيوبه ؛ فيصبح وجهاً بدون ماء , وجسماً بغير كساء ,
يستخدم أبشع الوسائل وأرذلها ليحقق مراده , مستعيناً بأقبح الخلق , وألعن الشياطين ؛ لتحمي عرشه , وتفرض رأيه , وتقوي سلطانه .
وسواء كان الظالم فرداً , أو جماعة , أو مؤسسة , فإنه مجرم مطالب للعدالة الإلهية والبشرية .
وستظل تطارده عدالة السماء , وتلاحقه جنود الحق , في الدنيا والآخرة لينال جزاءه حيا وميتاً .
لأن جريمته لاتقف عند محاربة الحق وأهله , بل لتطأ طأ له الرؤوس , وتنحني له الرقاب , وتلهج بذكره الألسن , وتنقاد له الأمة كقطعان الماشية , عشبها فتات الحاكم ( من حقها المسلوب ) ورقابها ودمائها تفتدي الفرعون.
والإسلام جاء يحرم هذا النهج القبيح والفعل الشنيع ويحرمه , لما يخلفه من خراب في البلاد .
وفساد في العباد , وما ينتج عنه من ذل وخور وضعف في جسد الأمة , وفكرها وثقافتها .
وما يتولد عنه من ذل ترضعه الأجيال فتنشأ هزيلة لا تقو ى على البناء ولا تقدر على العطاء .
وقد هدد القرآن الكريم بتنفيذ أقسى أنواع العقوبات للظالم ومن سانده , أو ركن إليه .
وذكر نماذج ممن نالهم هذا العقاب , وأتى بمشاهد مرعبة لأنواع العذاب يوم القيامة ليعرف الظالم عاقبة ظلمه ومآل جرمه .. ويكفي الظالم قوله تعالى: "ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون..."
وامتدح من يقاوم الظلم ويقف في وجه الظالم بالفعل أو القول أو الاستنكار , بأنه صادق الإيمان , وإن قتل فهو مع سيّد الشهداء.
بل إن الله حذر وشدّد على عدم الانصياع للظالم وطاعته بالباطل مهما كان الأمر .
لأن الله حرّم الظلم على نفسه وجعله محرماً بين خلقه , فهو نقص فيمن يمارسه , وذل وانحطاط وحقارة فيمن يقبله , أو يرتضيه لنفسه , أو لغيره .
فكيف بمن يقبله وله القدرة على دفعه أو الابتعاد عنه متعذراً بضعفه وذله ,
فليذهب إلى الجحيم من كان هذا مستواه , لأنّ عذره أقبح من ذنبه .
وقد جعل الله النار مثوى الهُزالى الذين رضوا بالذُل وقبلوه وكان بمقدورهم أن يعيشوا حياة العزة والكرامة .
ووصف المستكينين الذين يستخف الظالم بعقولهم( بالفاسقين) كما حكى عن قوم فرعون عندما كان يقود قومه كالبهائم بأنهم (قوماٌ فاسقين) أي عاصين لله ورسله حين قبلوا بالظلم والاستكانة والذل .
فقبول الظلم استخفاف بالعقل والرضا به فسق .
والمسلم حين يقبله أو يرتضيه ولا يقاومه وهو يقدر على ذلك فإنه عاص لله ولرسوله , وقد تخلى عن كرامته وحريته وإنسانيته , وخالف مقاصد الإسلام العظيمة ورسالته الشريفة , التي جاءت لتكرم الإنسان وتفضله على سائر المخلوقات , حتى لا يكون مطيّة يركب عليها الآخرون .
وأنّى للمسلم الحر أن يرضى لنفسه من الذل ما لا يرضى الله له..!!
ولهذا جاءت رسالة جميع الأنبياء لتحرر الإنسان من العبودية والتبعية للآخرين ,موضحة أنّ الإنسان خلق حراً في( الحياة ,والعبادة, والتفكير, والرؤية , والقناعة) ,ليكون بحق خليفة الله في الأرض ؛ يقيم العدل وينشر الفضيلة ويبذل المعروف لكل الناس.
بقلم : فؤاد الحبيشي