في يناير من العام المنصرم 2014 م كتبتُ خاطرة متواضعة بمناسبة حلول العام الميلادي الجديد ، أعتقد أنني لم أنشرها أو لم أتمكن من نشرها يومئذٍ وقد كانت بعنوان ( عام جديد .. وطموحات جديد ) ، فلما وقعت عيني عليها اليوم بعد مضي أكثر من عام تبين لي أن أمنياتي البسيطة التي كنت أحلم بتحقيقها قد صارت سراباً ، بل صار الوضع رغم قسوته حينئذٍ مما أتمنى أن يكون حادثاً اليوم ، وأنني كنت متفائلاً أكثر من اللازم .. ربما يكون حكمي متشائماً بعض الشيء ، لكن يهمني أن أعرف حكمكم بعد قراءة خاطرتي التي كتبتها قبل أكثر من عام وقلت فيها:
بكل يأس وبمفردات التشاؤم و اللاجدوى حدثني قائلاً : " ختمنا عامنا السابق 2013 م بتفجيرات واغتيالات وتخريب ودمار ، وافتتحنا عامنا الجديد بما هو أشبه"، فلُمته على نظرته السوداوية ورؤيته الشوك دون الندى في زهرة حياتنا.
فقلت له : " ألست تذكر أننا قد ختمنا عامنا السابق بهبة شعبية باسلة ستعود بإذن الله بالخير العميم على الحضارمة وغيرهم باسترجاع حقوقهم المنهوبة، وألستَ ترى أننا افتتحنا عامنا الجديد باختتام حوار وطني سينقل البلد بتوفيق الله إلى واقع أفضل، ومستقبل مشرق ما دامت دماء الشباب تجري وقلوبهم تخفق حباً لهذا الوطن ".
غير أن لي أمنيات حلوة أرجو أن تتحقق في عامنا الجديد فاسمعها مني إن شئت عسى أن تبدّل ما اعتراك من يأس وقنوط :
أتمنى في العام الجديد أن يعمّ العدل ويُعطى كل ذي حق حقه ، وأن يستشعر الجميع وأولهم المسئولون وأصحاب الأمانات أنهم مسئولون أمام الله سبحانه وتعالى ، فلا يجعلوا كل همهم الركض وراء الدنيا ، فينسوا حق شعبهم ومن تحت رعايتهم ، وقبل ذلك ينسوا حق ربهم عز وجل .
أتمنى في العام الجديد أن نتسابق جميعاً إلى الخير وخدمة الوطن وإصلاح ما تخرّب ، وأن نجعل ذلك الهدف يسمو فوق مصالحنا الذاتية والحزبية والمناطقية ، وأن نتسامى فوق أخطائنا واختلافاتنا لأنه من الطبيعي أن نختلف لاختلاف طبائعنا وتفكيرنا وقناعاتنا ، والحياة لا تخلو في يوم من الأيام من الاختلافات ، فالمهم أن ندير خلافاتنا وأن نبقى على مسافات متساوية مع الجميع ، ولا ننسى أن نبقى على علاقات معهم يسودها الاحترام وحُسن التقدير .
أتمنى في العام الجديد أن لا نتقاعس عن تبديل واقعنا البائس وأن لا نخجل مما أوصلنا إليه الآخرون بسوء إدارتهم وسياساتهم المتعجّلة ، فيجب أن نفتح صفحة جديدة أساسها العلم والمعرفة ، وهدفها إحداث النهضة الشاملة في كل مرفق وكل مؤسسة وكل ميدان ، فالعلم شرط أساسي من شروط النهضة ، وعامل مهم يجب الأخذ به في سبيل صنعها ، وبدون العلم يعم الجهل والخراب وتُستباح الحُرمات ، ويبقى الناس مهما تصايحوا وتضايقوا كما قيل مكانك سر .
أتمنى في العام الجديد أن نراجع حساباتنا ونلتقط أنفاسنا لنستأنف حياة أخرى تودع التقصير وسوء الحال ، وأن نعزم على تعديل المسار ، وتوجيه عجلة القيادة بشكل مضبوط ، فكفانا ضياعاً وتشتتاً ، وإلى متى سيعيش هذا الشعب في طريق التعاسة في رحلة العمر ، فقد آن له أن يرتاح مثل الشعوب الأخرى.
وأخيراً وليس آخراً أتمنى في عامنا الجديد أن يضحّي الكبار من أجل مستقبل الشباب ، وأن يجعلوا من قصة المهندس الياباني ( يامادا ) وزملائه المتقاعدين نبراساً في التضحية ، أتحبون أن تسمعوها مع زميلي اليائس هذا ـ ومعذرة على وصفي إياه كذلك ـ فهاهي :
قام المهندس المتقاعد ( يامادا ) برفقة مجموعة تتكون من ( 200 ) متقاعد من كبار السن في اليابان بتقديم طلب إلى حكومتهم مطالبين إياها بتعيينهم بدلاً عن الشباب في مهمة تنظيف منطقة المفاعل النووي ( فوكوشيما ) من الإشعاعات القاتلة والخطيرة ، ذلك المفاعل النووي الكبير الذي تأثر جراء الهزات الأرضية التي ضربت اليابان ،
لم يطلبوا العمل طمعاً في المال ، ولا استغلالاً لأوقاتهم ليمضوا وقتاً ممتعاً بل طلبوا ذلك مصرّحين أن آثار الإشعاع على الشباب ستكون خطيرة ولكن هم في أيامهم المعدودة في الحياة .. بالله عليكم هل رأيتم أروع من هذه التضحية في سبيل الوطن !!
تلك كانت أمنياتي يومئذٍ .. فهل ترون أنني كنت مبالغاً ومغرقاً في التفاؤل ؟ ، أم أن قلبي كان مفعماً بالأمل ؟ ، أم أنني كنت كجميع الناس الذين يحبون النهاية السعيدة في كل شيء ؟؟ ..
بقلم : أحمد عمر باحمادي