أعجب ما أعجب له أن نرى قادتنا يستشهدون كل يوم، منهم من كان في ميادين الشرف والكرامة، ومنهم من كان في المعتقلات مرتهناً بين حمم القنابل والصواريخ، ومنهم من يُقتل غيلة ويُغتال غدراً، ثم نرى من يأتي ليتبجح ولينكر في صلف غريب أنه هو فقط المستفرد بالمقاومة والنضال، والوحيد الذي يصول ويجول في ساحات الوغى، وأنه هو فقط الأحق بالنصر والتمكين، ولولاه لسادت الخيانات وعمّت الفوضى، ولم يُستطَع تحقيق أي مكاسب على الأرض.
كثير من الناس يتغنون بالشجاعة والانتصارات وهم بعيدون عن مواطن القتال، هاربون إلى القصور والفنادق، ومن هناك يظنون أنهم يديرون معاركهم، وهم واهمون في مزاعمهم، فالقادة ينبغي أن يكونوا في مقدمة الصفوف، وإن كتب الله على أحد الشهادة في سبيله كانوا هم أول النائلين، أما ما يفعله هؤلاء الخائبون فليس بقيادة، إنها لا تستحق أن نطلق عليها حتى قيادة الريموت كنترول، بل الأنسب أن نعطيها مسمى قيادة العاجزين الخائرين، المخادعين المخاتلين، المتاجرين بأرواح غيرهم ودمائهم ليحصدوا الأوسمة والأمجاد.
وثمة قادة آخرون غير قادة الفنادق والقصور، اختفوا عن الأنظار، وغابوا إلى حيث لا يعلم بهم أحد غير الواحد القهار ، فلم يأخذوا بزمام المبادرة مثلما كانوا يزعمون ويصرخون ويصيحون في المهرجانات والمليونيات، ويدّعون أن للسلمية حداً يأتي بعده الكفاح المسلح، وأن خطوط النار هي نهاية الصبر الذي ليس دونه شيء غير نيل الاستقلال،
فلما دقت ساعة النفير، وحانت لحظة التميّز بين الفعل والمزاعم، اختفوا بين ظلمات الليل الكئيب، وذابوا مثلما يذوب الثلج في حر الصيف اللافح، أو مثلما تتلاشى تيارات الكهرب بين الأسلاك، ومن ظهر منهم، رأيناه وقد ظهر على استحياء، واعتراه الوجوم، وكان التخبط سيد موقفه.
لم تكن كل تلك المشاهد لتخفى على الناس المتابعين بعين البصيرة والإنصاف، فمن رام خداع هذا الشعب وتزييف الحقائق، فلا يتعب نفسه، فقد شبوا عن الطوق، وعرفوا الحقائق، وفقهوا الصادق من المدّعي، والفاعل من القوّال،
فبيوت المخادعين الخائنين ومقراتهم ومراكزهم قائمة على أساساتها لم تُمس ، بينما بيوت الصادقين ومقراتهم ومراكزهم ومساجدهم قد دُمرت وفُجّرت فهي الآن أطلال دوارس.
قيادات الكذب والنفاق تستحوذ على اهتمام الإعلام، وتُسلط عليها الأضواء، وتَلقى ضياء الشهرة والهيلمان، بينما نرى قيادات الحق والصدق قد تمّ تجاهلها، والضرب عن ذكرها صفحاً ، بل والتآمر عليها، والوشاية بها، وطمس الانتصارات وما أكثرها التي يحققونها،
بل ودّ بعضهم لو يُهزم قادة الحق على يد أعدائهم، ويبادون عن آخرهم، على أن يقال حقق هؤلاء النصر، فبالله عليكم ماذا سيخرج من رحم هذا الغمام الكثيف الذي يلفّ هؤلاء المرتزقة الأفاكون ؟! ، وماذا سنرى منهم من تباشير غير التآمر على قياداتنا في الميادين، والسعي للإيقاع بهم، وإبعاد السلاح والذخيرة عنهم ؟!!
وعلى الرغم من كل ما تعرضت له قياداتنا الصادقة من محاربة مريرة ، إلا أنهم ثابتون في صمودهم، ماضون في جهادهم وكفاحهم، فلم يبدلوا بغبار الخنادق هواء الفنادق،
ومهما تجاهلهم المتآمرون الحاقدون، فسيظلون هم أعمدة النصر وأساس التمكين بصدقهم وثباتهم وإخلاصهم لله ثم لوطنهم ودعوتهم ورسالتهم، وبما يقدمون من دمائهم وأرواحهم في سبيلها ، أما غيرهم من قادة الزيف والخداع .. فصدقوني أنهم سيصبحون يوماً ما كأوراق الخريف التي نفختها الرياح.