لم أتوقع قط أن أجد كل هذا الكره والحقد والضغينة يملأ صفحات التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت بل والصحف السيارة وما تحويها من مقالات تضجّ بالخوف من الإسلام السياسي ـ كما يطيب لهم أن يسموه ـ الذي يحمله الإخوان المسلمون عامة، وحزب الإصلاح في اليمن خاصة، والناظر لكل ذلك الهراء يصل إلى قناعة أن القوم في رعب كبير، وخوف مستحكم من التجارب الإسلامية التي أثبتت نجاعتها وفاعليتها ـ كلما أتيح لها أن تظهر ولو لوقت وجيز ـ بعد أن جربت وتجرعت الشعوب غصص الكثير من الأنظمة وأساليب الحكم الفاشلة ولم يبقَ غير الإسلام لأنه الحل.
ذكرتني هذه الفوبيا التي يعانيها الكارهون للأحزاب والجماعات الإسلامية بقصة الفأر الذي نال منه الاكتئاب وبعثر حياته لخوفه من الهررة، فأشفق عليه ساحر كبير وحوّله إلى هرّ، فأخذ الفأر المحول إلى قط يخاف من الكلاب، ولذا حوله الساحر إلى كلب، لكنه أخذ يخاف من النمور، ومع صبر الساحر وإشفاقه عليه تعاون معه وحوله إلى نمر، فأخذ يخاف من الصيادين. أخيراً عِيل صبر الساحر واستسلم، وحوله إلى فأر من جديد، ثم قال له : " لن ينفعك أيّ شيء أفعله لك، لأنك لم تفهم نفسك يوماً، الأفضل لك أن تبقى فأراً على الدوام ".
إذاً فالمسألة ليست بالأمر الجديد، وهذه الحملات المنظمة من التشويه التي نقابلها كل وقت ليست مستجدة، بل هي قديمة قدم الصراع بين الحق والباطل، والنور والظلام، لكن الغلبة في الأخير للحق والنور ولو كره الحاقدون.
أشعر برغبة عارمة في تقبيل رأس كل إصلاحي مبجل، لأنهم رغم ما يلاقونه من ألم ومشقة إلا أنهم على مبادئهم ثابتون، أراهم لا يتزحزحون أمام الافتراءات والأقاويل التي يثيرها الكثير من الحمقى، وصدقوني إن قلت أنهم يحظون بالكثير من الاحترام من مخالفيهم على ثباتهم.
وإني أيها الأفاضل لأعرف شخصاً كان منضوياً تحت راية الحزب الاشتراكي، ثم طمعاً في التوظيف تحول إلى عضو في المؤتمر، وبعد أن نال الوظيفة هو اليوم يتبع الموجة الطاغية، موجة الحراك، إنني لا أتناقش مع أمثال هؤلاء، ولن أفعلها يوماً لأنني باختصار عندما أفعل هذا أكون قد ازدريت عقليتي، فكيف تناقش شخصاً لا يملك مبدءاً ثابتاً بل مبادئ هلامية رجراجة تميل حيث مالت المصلحة، ولعل ما نعانيه اليوم من حرب ضروس تأتي من قبل أمثال هؤلاء الأوغاد للأسف الشديد، وكثيراً ما يصعب على المرء أن يصل لنتيجة معهم، وإن أردت أن تجرب فادخل معهم في نقاش ليتبين لك في النهاية أنه عقيم ولا فائدة منه.
والحل أيها الإخوة أن نبقى في ثبات وصمت مهما لاقينا في طريقنا أحجاراً مصطنعة لن تحول بيننا وبين إكمال دربنا، وأن نمضي قُدُماً لا نحمل في قلوبنا ضغينة ضد أحد، أما من يسيئون إلينا فلنتخيل أنهم عبارة عن مراكب محملة بالأوهام لا بدّ لها من يوم و تذهب راحلة بعيداً بعيداً لتتكسر ثم تغرق في قعر المحيط، أما مراكبنا العائدة فتحمل الكثير من الأمل والخير للإنسانية جمعاء، وحينها سيكون بوسعنا أن نتنفس الصعداء، وأن هذا اليوم لآتٍ قريباً بإذن الله تعالى.