بقلم / محمد محفوظ بن سميدع
فجعت حضرموت قبل أيام بوفاة أحد أبرز قضاتها الشرعيين، وآخر مسؤول في الدولة الحضرمية القعيطية السابقة، رجل تخصص في أهم ركن من أركان الدولة السابقة، وهو الركن الذي تعتمد عليه الدول في استمرار ديمومتها وبقائها، إنه مجال القضاء والعدل، فمتى ما استقام القضاء وتحقق العدل نمت ونهضت الأمم. رحل القاضي العلامة المرحوم عبدالرحمن عبدالله بكير عن عمر ناهز المائة عام بعد حياة حافلة بالعطاء والجهاد في سبيل إرساء العدالة والقانون والشرع ، ولعب دور كبير في هدا المجال، كيف لا وهو نجل المرحوم القاضي الشهير عبدالله بكير مؤسس القضاء الشرعي في حضرموت؟!، فقد تتلمد على يديه وعاش في كنفه، ودرس أيضًا على يد عدد من أعلام حضرموت، والتحق ببعض أربطته، كما تحصل على شهادة في الشريعة بامتياز من السودان . وتولى على القضاء في حضرموت التي كانت تعيش أزهى أيامها الزاهرة في ظل دولة النظام والقانون والتي عاشتها حضرموت خصوصا بعد أن تولي مقاليد الحكم السلطان صالح بن غالب القعيطي، والذي أولى جل اهتمامه للعلم والمعرفة، وكان يختار خيرة الرجال الحضارم لتولي المناصب العليا في أركان الدولة . تدرج سيخنا الجليل عبدالرحمن بكير في العديد من مناصب القضاء، حتى وصل إلى مفتش قضائي بعد أن كان مساعدًا إداريًا بالمجلس العالي للقضاء الشرعي بحضرموت -أعلى سلطة شرعية في حضرموت آنذاك، وظل فيه حتى السابع عشر من سبتمبر 1967م، وهو اليوم الذي تسلمت فيه الجبهة القومية للتحرير جنوب اليمن السلطة في حضرموت، وهو يوم مشؤم لن ينساه الحضارم . عرف عن العلامة الشيخ عبدالرحمن بكير الحزم والزهد ومحاولات الإصلاح، وكان لايخشى في الحق لومة لآئم، ولا غرابة فهو من أسرة متدينة اتصفت بالورع، وأخذ من والده كل الخصال الخيرة والحميدة من علمه ومعرفته . للعلامة الشيخ عبدالرحمن بكير العديد من المؤلفات والكتب في مجال علوم الشريعة والقضاء الشرعي . بعد سبتمبر 1967م تعاملت سلطة الاحتلال اليمني الجنوبي لحضرموت مع العلامة القاضي عبدالرحمن بكير وعدد من رموز الحكم الحضرمي تعامل غير إنساني ينم عن حقد وغباء وجهل المحتل، حيث تم الزج به في السجن مع رفاق دربه وهم اللواء صالح يسلم بن سميدع، والنائب بدر الكسادي، والمؤرخ محمد عبدالقادر بامطرف، والنائب علي العماري، والنائب حسن محمد باصرة، وغيرهم الكثير من خيرة رجال الحكم في حضرموت قبل احتلاله في سبتمبر 1967م، ومن نظر لهذه الأسماء يرى هيبتها ما حدا بالسلطة لاعتقالهم على فترات مختلفة ومتلاحقة، وآخر اعتقال لهم كان في أواخر عام 1972م، ثم منهم من تم إعدامه مثل: الشهيد اللواء بن سميدع، والشهيد النائب بدر الكسادي، ومنهم من تم الإفراج عنه كالعلامة عبدالرحمن بكير، والأديب محمد عبدالقادر بامطرف، وبقية رفاقهم العماري وباصرة. وهكذا كانت ضريبة دفعها الرجال الأوفياء المخلصين لوطنهم حضرموت، وكان من حظ القاضي بكير أن يعود سالمًا إلى بيته وأولاده، وبعدها سخر حياته لخدمة العلم والدين وأبناء حضرموت حتى توفاه الله يوم الاثنين الماضي في مدينة المكلا مخلفًا وراه سجلًا ناصعًا وتاريخًا حافلًا سيذكره الجميع. وقد شاهدته لأول مرة وأنا طفل أثناء زيارتنا لجدي في سجن المنورة في عام 1973م، فكان شخصية محبوبة وودودة لاتفارقه الابتسامة برغم هم الاعتقال والظلم ولا زالت تلك اللحظات عالقة في ذاكرتي إلى يومنا هذا، فقد كان صديقًا وزميلًا لجدي الشهيد صالح بن يسلم بن سميدع . عزاؤنا لأولاده وأهله ومحبيه لا أرانا الله وإياهم مكروه بعده .
حديث الصورة : أثناء محكمة المدحر ويتوسط الصورة النائب بدر الكسادي وعلى يمينه العلامة القاضي عبدالرحمن بكير والعقيد سالم عمر الجوهي وبن منيف وعلى يساره النائب حسن باصرة