مهما كانت درجة الوضوح التي تعلو الأحداث في كثير من جوانبها, إلا أن هناك من يصر على بقاء الغشاوة على عينيه, ليرى الحياة من خلالها غير واضحة ولا جليّة, ومهما حاولنا جاهدين تجلة الصورة, إلا أنه يستمرأ حاله تلك ويرفض لحظة المغادرة. هذه الحال تراها في طريقك وأنت تجتاز مطبات الفيسبوك أو منعطفات تويتر, أو حوارات مَقاهٍ وما شابهها. إن الاستبسال لإبقاء حضرموت ضمن النسيج الجنوبي بات يعكس حالة الهوس المتلبَّسة البعيدة عن المنطقية والعقلانية, وكل غايتهم أن تبقى في حضانته فحسب, دون أي مشروع يضمن للحضارم حقوقهم, ولا ضمانات تؤكد هذه الحقوق, اللهم إلا الجنوب والطوفان من بعدي. لماذا هذا الاصرار والاستماتة؟ هل لأن الجنوب سيهلك دون حضرموت؟ أم أن حضرموت ستهلك دون الجنوب. أما أضحوكة أننا بحاجة لبعضنا لقطع مؤامرات الشمال, فهذا مضحك لدرجة بلاهة بهلول " أعقل المجانين" وليتهم مثله, لأن كثيرا المؤامرات مؤخرا تطل علينا من جهة الجنوب, بل جر حضرموت للجنوب أعظم مؤامرة في العصر الراهن. ومثلما خذل كثير من الشمال التحالف في حربه الوجودية, تجد خذلانا كبيرا من الجنوب مؤخرا لموقف التحالف, والحصيف يعرف هذا جيدا سواء في الشعارات أو المواقف أو التحركات في الداخل الجنوبي. علاقتنا بالجنوب بدأت بسطو مسلح في عام 67, وعلاقتنا بالشمال بدأت بهرولة جنوبية في عام 90, وكلا الفترتين لم يكن لحضرموت أي خيار أو قرار فيها, وكان أمرها مغلوبا عليه. في 67 لم تُقدم أي ضمانات لحضرموت, و الحال نفسه في 90, لكننا اليوم أمام خطاب جنوبي يقول أنهم تعلموا الدرس جيدا من انتكاسة 90, ومحال تكرار الخطأ مرة أخرى. بينما حضارم الجنوب لم يتعلموا الدرس لا من نكسة 67 و لا من نكسة 90, ولديهم الاستعداد التام لتكرار الخطأ مرات ومرات, وهذا كحال العبد الذي يدفع به سيده للحرية بينما هو يأنفها ويرضخ للعبودية ويرضي بأن يكون جزءا من متاع سيده. هذه الحال ليست خيارا سياسيا بقدر ما هي اعتلالا نفسيا, إذ طبيعة العربي أنه ينشد الحرية ويعشقها ويغلي مهرها, وخاصة إذا لاح في الأفق بريقها وسطع نورها, فنفس العربي تتلقفها مباشرة دون تردد, وهذه أولى مراحل التشافي, وما عليك إلا أن تنظر أمامك لترى حضرموت أقرب إليك من الجنوب والشمال. نحن في طريقنا مواصلين, وعلى المنهزمين والمصابين بهوس الجنوب أن يدركوا أن الجسد الجنوبي يعاني من اعتلالات مزمنة ومستعصية, هذا ما يبدوا لنا إلى الان, وإصلاحها يحتاج لأقوى برامج "مكافح الفيروسات" لوجود فيروسات قديمة وتليدة, تعبث في النظام الداخلي, وبالتالي سندخل في دوامة جديدة نحن في غنى عنها وسندم كثيرا لأننا تركنا العصفور الذي في أيدينا وانطلاقنا نلاحق العشرة التي على الشجرة. و"محد يلقي سقاية وأهل بيته ظمانيين" يالحضارم.