------------------------------
ألحّ عليَّ بالسؤال ليعرفَ وجهةَ نظري ورأيي في #مؤتمر_الشيشان الأخير .. وهل أنا مع هؤلاء أم مع اولئك ومع هذه الفرقة أم مع تلك الجماعة .. لقد كان يسأل بكل صدقِ نيّة سؤال الحيران التائه .. لم يترك وسيلة للاتصال إلّا واستخدمها .. أشفقتُ عليه وعلى حاله .. ورأيتُ فيه وجوهَ وعقولَ وقلوبَ كلِّ شبابِنا اليوم وشاباتنا .. فأشفقتُ عليهم وعلى كل القلوب البريئة التي يُرادُ لها بقصدٍ أو بغير قصد بحسنِ او بسوء نيّة أن تتوه في متاهات الصراعات الفكريّة والعقديّة والمذهبيّة والجزبية والمناطقية والسلاليّة على مرّ قرون وعقود الزمان .. وأن تستجرّ خلافات وصراعات الماضي القريب والبعيد .. وأن تُصبحَ وبدلاً من ان تواجه تحديّات القرن الواحد والعشرين بالعلم والمعرفة والتكنولوجيا والاقتصاد والانفتاح والحب والسلام .. يُراد لها أن تعودَ إلى أرففِ الكتب المعتّقة الصفراء لتنبش في تاريخ الصراعات وتصطف من جديد ضمن جيوشٍ كلّها قد بادت وما عاد منها من أحد لا قائداً ولا جنديّاً ولا مُنظّراً .. فالكلّ قد بادوا وذهبوا .. ونحن الذين هنا .. لكنّهم يريدوننا أن نعيشَ في غير زماننا وأن نخوضَ معاركَ لسنا منها و ليست لنا ..
كلّ ما استطعتُ ان اقوله له أنّني لستُ بعالمٍ ولا فقيهٍ ولستُ حتى بطالبِ علمٍ شرعيٍّ ولا استطيع أن أدّعي حتى أنّني داعية بمفهوم الدعاة المتمكنين .. فلا أعدو ان أكون مسلماً بسيطاً مُبلّغاً لما علمت وما عرفت من دين الله وهديِ نبيّه .. أستأنسُ بقوله تعالى: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرةٍ انا ومن اتبعن) وأسترشدُ بقوله صلى الله عليه وسلّم: (بلّغوا عنّي ولو آية) .. لهذا لا تنتظر مني فتوى فلست من أهلها ولا حُكماً فلست مؤهّلاً لذلك .. وما بالك وأنت تريدني أن أحكمَ على أناسٍ جميعهم يشهدون ويرددون (لا إله إلاّ الله محمد رسول الله) .. الكلمة التي لو ضعت على الميزان لطاشت من وزنها السمواتُ والأرض .. الكلمة الثقيلة الجامعة الشافعة .. التي للأسف اصبح الكثيرُ من المسلمين لا يُلقي بالاً لوزنها في عصمةِ صاحبها وحاملها .. فأصبحوا يستسهلون منحَ الصكوكِ لهؤلاء ويسحبونها من هؤلاء .. وأصبح مفهوم الفرقة الناجية وكأنّه نادٍ رياضي تملكه مجموعة فتمنح عضويته لمن تشاء وبشروطها وتحرم منها آخرين .. والله المُستعان .. فمن أنا حتى أحكم ؟!!
لكن دعني أخبركَ شيئاً لا يحتاجُ إلى كثيرٍ علمٍ أو فقه .. وهو أنّنا سنفضي جميعاً إلى عندِ ملكٍ تجتمعُ عنده الخصومُ .. فهل تعلم كيف سينادى عليك يوم القيامة في حضرة الملك العدل؟ .. لو انه سيُنادى يوم القيامة على الناس بجماعاتهم لكان لِزاماً علينا الخوض في هذه الأمور حتى نعلم ايّ جماعةٍ نتبع .. ولو كان سُينادى على الناسِ بأحزابهم لبحثنا عن الحزب الأصلح .. ولو كان سُينادى على الناس بمناطقهم لشددنا الرّحال إلى تلك المنطقة الفُضلى .. ولو كان سيُنادى على الناس بأحسابهم وأنسابهم وسلالاتهم لادعينا الانتساب إلى أفضل نسبٍ لأننا سنحتار كيف نفعل إن لم نكن من ذلك النسب أو تلك السلالة فما منّا من أحدٍ يختار نسبَه !!! .. لكن يقيني واعتقادي المطلق وإيماني الذي لا شكّ فيه ينطلقُ من قوله تعالى (وكلّهم آتيهِ يومَ القيامةِ فردا) .. فهو قد وُلدَ فرداً ويموتُ فرداً ويُبعثُ فرداً ويُحشرُ فرداً ويُحاسبُ فرداً .. وحتى حينما يدخل المسلمون الجنّةَ زُمراً وجماعات (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا) فهم يدخلون بتصنيف درجات أعمالهم ومقامات التقوى عندهم .. كيف وحبيبنا صلى الله عليه وسلم قَامَ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) قَالَ : ( يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ - أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا - اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ) رواه البخاري ومسلم ..
فما دام الأمرُ كذلك فسأل نفسكَ السؤال الصحيح في الوقت الصحيح لينفعكَ في الوقت الصحيح .. ماذا فعلتَ أنت؟ واين تقف من شرعِ الله؟ وأين أنت من لا إله إلاّ الله محمد رسول الله وعظمتها وجلالها وحقوقها وواجباتها وحرمتها .. (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) ..
لذا أحبتي الشباب .. لا تهدروا وقتكم في القيل والقال .. وفي المشاحنات والمساجلات والجدالات .. التي لا تزيد القلبَ إلاّ اسوداداً وقتامةً وقسوةً وبعداً عن ربّه .. وتزيدنا فرقةً وتمزّقاً في وقتٍ لم تعد أمّة لا إله إلاّ الله ينقصها شيء من ذلك .. ويجعل لنا الشيطان تلك الجدالات والمخاصمات والمشاحنات ويزيّنها لنا وكأنها نصرٌ يعدل فتوحات الصحابة والتابعين، ويُشعرنا بالرضا والراحة حينما نردّ على أحدهم أو ننتقده أو نسبّه أو نسخر منه أو نشهّر به .. وما ذلك من خُلق المسلم الذي تحكمه حدود إخوّة الاسلام لكل من حمل الكلمة العظيمة (لا إله إلاّ الله محمد رسول الله) ورسمها لنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلّم (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقِره، التقوى ها هنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات. بحَسْب امرئ من الشرِّ أن يحقِر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمُه ومالُه وعِرضُه) رواه مسلم ..
ما نحتاجه اليوم في وقت الشدائدِ والفتن التي يصدق عليها قول المصطفى صلى الله عليه وسلّم (تجعل الحليمَ حيران) أن نشيع روح التوحّد والالتئام وكل ما يجمع الأمة ويطفئ الفتنة ويخفف من الشحناء والبغضاء ..
ما نحتاجه اليوم أن نتعامل بأخلاق المسلم الراقية السامية التي تجعلنا نترفّع عن الصغائر والخوض فيها .. تجعلنا نؤثر التسامح والتغاضي على الثأرِ لذواتنا والانتقام .. بل والإعراض عن الجاهلين والمسيئين لنا .. لأننا أسمى وأعلى من كل ذلك وقدوتنا هو من أخذ الوسام الأعلى في كل ذلك (وإنّك لعلى خُلقٍ عظيم) ..
ما نحتاجه اليوم أن نترك معارك التاريخ وصراعاته قريبها وبعيدها بين دفّات الكتب الصفراء نأخذ منها دروساً وعبرة ليس في كيف نجترّ الصراع وننتصر لطرفٍ على طرف ولكن فقط في كيف لا نجعل اسبابه ودوافعه تتكرر بيننا .. نحتاج أن نأخذ منها ما يُعيينا على وحدة الصف وإحلال السلام والوئام بين كل من يحملون لا إله إلاّ الله .. نحتاج أن نُبصرَ أمامنا لا أن نظل مُرجعين رؤوسنا إلى الوراء فسرعان ما سنقع في أول حفرة في طريقنا ..
نحتاج أن ندرك أولويّات امتنا ونعرف مياديننا الحقيقية التي ينبغي أن نخوض معاركنا الحقيقية عليها .. نحتاج أن نعرف عدوّنا المشترك فنوجّه إليه سهامنا لا أن نوجهها فيما بيننا وإلى صدور بعضنا ..
نحتاج أن نبقي الخلافات في الآراء ووجهات النظر في حدودها وأماكنها التي ينبغي أن تبقى فيها .. فما بين العلماء الأوائل من التباين في كثيرٍ من الأمور ليس بالقليل ولكنهم حفظوه بينهم .. فلم يفتنوا العوام وخاصة الشباب وصغار السن بتلك الاختلافات والتباينات بل حفظوها في مجالس العلم وبين المختصّين ..
شبابنا .. إنشغلوا بانفسكم .. وثّقوا الصلة بخالقكم .. وانشغلوا بفعل الخير في مجتمعكم .. تعلمّوا وتعلموا ثم تعلموا .. طوّروا انفسكم يوماً بعد يوم بالقراءة والاطلاع والتدرّب والاستزادة من المهارات وصقل القدرات والاستفادة من تجارب الآخرين شرقاً وغرباً .. أحسنوا وأحسنوا ثم احسنوا .. إفعلوا الخير واغرسوا الفسيلة بالبسمة والمحبة والصدق في قلوب كل البشر بل وحتى الحيوان .. حلّقوا بأخلاقكم واسموا بذوقكم الرفيع .. إنتصروا لقيم الحق والعدل والإنسانية أينما كانت وممن كانت .. دوروا مع الحقّ حيث دار .. واعرفوا الرجال بالحق وليس الحقّ بالرجال .. إرفعوا رؤوسكم عالياً فالكون أوسع من مناطقكم وجماعاتكم وأحزابكم ..
أخي يا من سألتني .. قد لا تعجبكَ أو لا تشفيك إجابتي .. لكن هذا ما أعتقده وما أراه وأسأل الله أن أكون على صواب .. وأعتذر منك على الإطالة وعلى نشري الرد فقد شعرت أن من الشباب من قد يكون لديه نفس التساؤل فلعله يستفيد .. خالص مودتي وتحياتي ..
أخوك المحب / عادل باحميد