ـ يا حراك الجنوب !! كم كتبت لك ناصحا , وكم نبهتك موجها . أردتك أن تكون كيانا مؤهلا بقياداتك وشبابك بما يليق بعظمة القضية التي تدعي الدفاع عنها . أردتك أن تمتلك رؤية واقعية وخطة واضحة للغد , بعيدا عن الشعارات العاطفية . أردتك أن تكون نقي الانتماء وصافي النوعية , لا يخالط حبك الصافي السوس والحصى , ولا تدنس ثمارك الزكية الديدان والغربان .
أردتك أن تمتلك مرجعية قيادية حكيمة وهيكلة تنظيمية منضبطة ولائحة نظام محكمة تمنع عنك الازدواجية والعشوائية , والفوضى والاختراق والهوى , وتنازع الرأي والقرار وشتات الصف بين جناح ورأس وذيل .
ولكنك ـ كعادتك ـ ناصبتني الجفاء . وقابلت نصحي الشديد بالشتم والتهديد وبتهمة العمالة والخيانة .
وها أنت اليوم وقد توليت سلطة القرار في أرض الجنوب , أجدك تقف في مفترق الطرق حائرا خائرا .
ماذا تفعل وكيف الحل ؟ وبما أنه لم يكن في عقلك حل ولا في يدك فعل , فقد سلمت الأمر لغيرك من جديد .
وعدت تعادي من خالفك , وتقذف بالخيانة كل من صفعك بالحقيقة المرة عن وضع الجنوب اليوم .
عدت تسخر من غيرك كي تقي نفسك جلد الذات , وتغطي عيبك وتسد نقصك بتضخيم هفوات غيرك والتقليل من منجزاتهم .
ها أنت تكرر أخطاءك وتعالج الصعاب بشعار طنان يوعد الناس بدولة الرقي والأمان .
بينما الناس تعيش الواقع المرير الأليم . زاد العنف والاغتيال , وانتشر البسط والنهب , وتدنت الخدمات . وكما كذب الوالي بالأمس , لم يصدقنا الراعي اليوم . ـ معذرة منكم ـ شعب الجنوب ـ لستم المقصودين بما سبق من الكلام , فعن أي حراك أتكلم وأي حراك أخاطب ؟ .
عن حراك محدد تشرذمت رموزه , منهم من عادوا إلى مكونهم الأساس فقد انتهت مهمتهم ـ ومنهم من حقق طموحه ومركزه فاكتفى به ـ ومنهم قيادات هرمة جمعت ثروتها وفرت بها ـ ومنهم من كشف وجهه وأزاح قناعه , فظهرت وجوه مدسوسة تخيب ظن كل من وثق فيها ـ ومنهم قيادات أصبحت رهينة سلطة أخرى فلا تملك نفعا ولا ضرا .
كانت قضية الجنوب مجرد مطية يصلون بها لغايتهم الخاصة ويحققون بها مخططات غيرهم . وأما أهل الميادين من الشرفاء المخلصين فقد هالهم وأفزعهم منظر الوطن القادم فأصابتهم صدمة جعلتهم يتوقفون ويصمتون .
اليوم مسمى ( الحراك ) ـ كما هو مخطط له ـ ذاب , وظهرت مسميات أخرى , مقاومة جنوبية , وأحزمة أمنية , وقوات نخبة و ... . ومن فوقهم تدير العملية قيادات خارجية تسكن القصور العدنية والحضرمية . تأمر وتنهى , تسجن وتطلق , تعفو وتقتل , خياراتها محدودة , كن طوع البنان أو مسدسنا الكاتم عنوان .
قراءات تؤكد وجود مخطط يعود بنا إلى التصفيات الدموية حسب كشوف رُفِعت بناءً على أراء شخصية وفرضيات خاصة , تفتح باب الانتقامات وتصفية الحسابات .
وما يؤلم حقا أنه مازال في الجنوب من أصابه عمى القلب والعقل , مازال يتساءل أين ذهبت قطمة سلمان ومكرونة حمدان , يتهكم وهو يرى بعين الواقع اليوم كيف خُطِفت سفينة الحمولة ورجالها , وقافلة الثروة وجِمالها .
ولا يهتم لذلك , فهو مازال لا يفقه أولوياته , ولا يجيد ترتيب ذاته , ولا يدرك أبعاد خياراته , ولا يملك قرار حياته .
مازال تابعا عاجزا يمد يده مستغيثا لعل أحدهم يخرجه من ظلماته . أبو الحسنين محسن معيض