أتاحت مواقع التواصل الاجتماعي كـ (الفيس بوك) و (تويتر) وغيرها للجميع مساحة واسعة للحوار والنقاش وابداء الآراء .. كم أُسرّ وأسعد عندما أرى الكثير من الحوارات والنقاشات والكتابات الجادة والمثمرة .. وفي الجانب الآخر يحز في النفس أن ترى الكثير من التعليقات والتعقيبات والكتابات تمارس الإقصاء والإلغاء ، وفي بعض الأحيان الألفاظ النابئة والخادشة للحياء والأخوة .
إن الاختلاف في الآراء والمواقف سواء الاجتماعية أو السياسية وغيرها على ساحتنا ليست المشكلة بحد ذاتها ، ولا هي مكمن الخطر بقدر ما تكمن المشكلة الحقيقية في منهج التعامل والتعاطي مع الرأي الآخر بسبب الإقصاء والتخوين في حالات وفي أخرى احتكار الحقيقة .. وفي ثالثة عدم وجود تواصل وحوار جاد وهادف .
إن آفة الاختلاف أن يتحول من الأفكار إلى الأشخاص ، وأن يصبح من تختلف معه عدوا ، وأن يصل البعض في خلافه مع الآخرين إلى حد تخوينهم والتشكيك في نواياهم والطعن في شخوصهم .
ما أحوجنا اليوم إلى فقه وفن الحوار وإدارة الخلاف ، وليعلم الجميع أنه لا أحد بمفرده سواء شخص أو جماعة أو حزب أو منظمة يستطيع أن يفرض فكرته ورأيه ، أو أن يسيطر ويحتكر الحقيقة لمفرده كائنا من كان .. لا مانع أن نختلف فيما بيننا إلى أقصى الحدود ، لكن ذلك يجب أن لا يفسد الود والحب فيما بيننا .
إن قياس رقي المجتمع وتحضره ونضج أفراده يقاس طبقا لأسلوب إدارتهم للاختلاف في وجهات النظر والآراء .
عموما فحالة الاختلاف حالة صحية لأي مجتمع ودليل على تنوعه وثرائه وحيويته ، لكنها قد تكون مدمرة وقاتلة إذا فشل هذا المجتمع في توجيهها والاستفادة من هذا التنوع والاختلاف .
أعيش في ماليزيا لمدة تزيد على العام قليلا في مجتمع متعدد الثقافات والديانات والأعراق بين مالويين وصينيين وهنود وغيرهم ولكنهم استطاعوا أن يديروا هذا التنوع والاختلاف بما يعود على بلادهم بالرقي والتقدم .
إننا بحاجة ماسة لترسيخ ثقافة الحوار وإدارة الاختلاف في حياتنا عامة .. في بيوتنا الأب مع أبنائه وأسرته .. في مدارسنا الأستاذ مع تلاميذه ... في مساجدنا الشيخ مع طلابه .. في أعمالنا المدير مع موظفيه .. في أحزابنا ، في مؤسساتنا، في تجمعاتنا ومجالسنا .
أخيرا .. لنفتح النوافذ والأبواب ، وقبلها لنفتح العقول والقلوب ؛ لنتحاور ونتناقش ونختلف .. ولكن بالود والحب .