رشفات روحية 2

الأولى : أروع حب في الوجود

 انه محبة الله تعالى لعبده و محبة العبد لربه ، انه أسمى حب عرفه إنسان ، والمحبة  ميل وعاطفة  نسمع بها و نعرفها ولكن حين نتذوقها ونعيش في رحابها نقف على حقيقتها ، يستشعر الإنسان بهذا الميل وهو يحب أبنائه و أبويه وإخوته و زوجته ، ولكن هناك فرق بين محبوب مقدور عليه معروف محبته لك و دوامها ومن الطرفين مع سهولة إعطاءها غذائها اللازم لاستمرارها ، إنها محبة هادئة رتيبة  في معظم الأحيان ، ولكن طعم المحبة يذوقه على حقيقته من هام قلبه بمحبوب من البشر ، فهو يعيشه بجوارحه كافة ، ويصبح ماليا عليه همه وفكره،  شاغلاً عقله و باله ، يعيش معه في اليقظة والمنام ، حب يسيطر عليه ويوجه سلوكه و كثير من تصرفاته ، همّه أن يظفر بمحبة محبوبه وبرضاه به محبوبا ، همّه أن يزيد من إثبات صدق محبته لمحبوبه وثباتها و زيادتها في قلبه ، همّه أن يكون على بال حبيبه ، وان يتحقق له الظفر به مع غيره شديدة عليه ان يقع في حب آخر[ التوحيد في الحب أو وحدة المحبة ] ، أو ان ترنوا إليه عين آثمة حتى قال الشاعر

أغارُ عليها أن يمرَّ بشعبها      نسيمُ الصَبا أو يكتسي طيبَ تُربها

وأدري بحبي كيف بات بقلبها         "ولم تدرِ ليلى أنني كَلِفٌ بها

وقال آخر : وَإيَّاكَ ذِكْرَ العَامِرِيَّةِ إِنَّنِي     أَغَارُ عَلَيْهَا مِنْ فَمِ المُتَكَلِّمِ

          وقد عرفت تجربتين من هذا الحب العاصف ، وكانت الغاية التي لم تتحقق بالزواج ، ولكن وجدت فيها فعلاً وعشتُ العديد من المعاني التي كنت اسمعها في شعر العرب الذي يستهويني سماع العالي منه نحو:

أرقٌ على أرقٍ ومثلي يأرقُ ** وَجَوًى يَزيدُ وَعَبْرَةٌ تَتَرَقْرَقُ

جهد الصبابة أن تكون كما أرى ** عَينٌ مُسَهَّدَةٌ وقَلْبٌ يَخْفِقُ

         ولكن هناك فرق كبير وهوة شاسعة بين هذا الحب بين المخلوقين وبين محبة العبد لله تعالى ، قال الإمام ابن قيم الجوزيه : (( وأصل التأله التعبد والتعبد آخر مراتب الحب يقال عبده الحب وتيمه إذا ملكه وذلله لمحبوبه )) ، وقد أورد ابن القيم  ثمان مراتب  للمحبة هي اقل من التعبد منها العشق والغرام والشغف و التتيم  و الصبابة ثم قال (( وحقيقة العبودية الحب التام مع الذل التام والخضوع للمحبوب تقول العرب طريق معبد أي قد ذللته الأقدام وسهلته ))

      إنّ محبة العبد لخالقه تختلف عن محبته لمخلوق مثله ، بل إنها لا تقارن ، فهي محبة من طرفين و حين يذكر العبد مولاه فانه يذكره ، ومحبة الله لا يخشى معها الفوت فهي دائمة أبدية مالم يغير العبد من سلوكه الذي يرضاه محبوبه خالقه ومولاه ، أما المحب لمحبوب انسي قد يموت أو يموت محبوبه ، لكن الله حي لا يموت ، والعبد حين يموت فإنما يذهب إلى حياة برزخية تدنيه من رؤية محبوبه خالقه ومولاه في الجنة وتقطعه عن النكوص عن هذا النوع السامق من المحبة ، فمتى ما عاش في الدنيا خشي على نفسه الفتنة ولكن بالانتقال إلى الرفيق الأعلى يكون بإذن الله تعالى قد ضمن لحبه لمحبوبه ومحبة محبوبه له الدوام والخلود ، أما محبة الإنسان للإنسان فيقطعها الموت مع بقاء الوفاء والذكرى العاطرة ، ولذا فان الله هو الحي الذي لا يموت ، وما موت العبد إلا دنو من نوع خاص وحياة لها معاني اكبر ، وفي حال محبة المولى المتفضل تغيب الغيرة التي عرفها الناس في تجربتهم فيما بينهم ، ويحل محلها التنافس في القربات والطاعات لا بل إنّ الله تعالى يرضيه ان يقبل عليه الناس بالطاعات والقربات ، ولأن المُحب يُحبُ لمحبوبه كل ما يرضيه فان العبد يسعد حين يتوجه الناس لله بالطاعة والمحبة  ويصبح ( يُحب في الله ) ويقول لذلك الآخر المحب لله بلسان الحال أو المقال ( إني احبك في الله ) ، و في دستور الحب الإلهي كلما زادت وارتقت محبتهما لله ارتقى وازداد حبهما لبعضهما ، بل إن  المُحب لله يحرص على ان يكون سبباً في محبة الآخرين لحبيبه من خلال الدعوة إلى المحبوب والنصيحة والتذكير بما يزيد الناس له طاعة و إجلالاً ، وتبقى غيره من نوع خاص : ان تنتهك محارم الله .

       ولكن هذه المحبة  من العبد لخالقه وحبيبه الأعلى لا يكفيها الشعور فقط بل لا يستقيم هذا على الإطلاق انه من اللازم لها الحرص على الطاعات والفرار من المعاصي كبيرها وصغيرها ...

تعصي الإله وأنت تزعم حبه ... هذا لعمري في الفعال بديع

لو كان حبك صادقا لاطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع

    ان هذه المحبة تلزمها المسارعة إلى طاعة المحبوب ومرضاته و الدلالة عليها مع قمة إخلاص للمحبوب ، وفي الحديث القدسي : ((إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَي عَبْدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَي مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَي بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ) . ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32) )) سورة آل عمران .

       وقد سال المصطفى ربه هذه المحبة فقال (( أسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني إلى حبك )) كما ورد في الحديث الذي رواه الإمام احمد والترمذي وصححه الإمام الألباني في ( صحيح الترمذي )  ، وهو حري بنا و مدعاة إلى ان نبتهل إلى الله تعالى نسأله أن يرزقنا هذا الحب . 

واعلم  إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ : الْمُحْسِنِينَ ،  التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ، الْمُتَّقِينَ ، الصَّابِرِينَ ، الْمُتَوَكِّلِينَ ، الْمُقْسِطِينَ ، الْمُطَّهِّرِينَ ، الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ، فاحرص على تحقيقها صفات ، واعلم ان الله لَا يُحِبُّ : الْمُعْتَدِينَ ، الْفَسَادَ ، كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ، الظَّالِمِينَ ، مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ، منْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ، الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ، الْمُفْسِدِينَ ، الْمُسْرِفِينَ ، الْمُسْتَكْبِرِينَ ، فاحذرها صفات .

                يقول ابن القيم في منزلة المحبة ((ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة المحبة وهي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون وإليها شخص العاملون وإلى علمها شمر السابقون وعليها تفانى المحبون وبروح نسيمها تروح العابدون فهي قوت القلوب وغذاء الأرواح وقرة العيون وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام  وهي روح الإيمان والأعمال والمقامات والأحوال التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلا بشق الأنفس بالغيها وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا بدونها أبدا واصليها وتبوؤهم من مقاعد الصدق مقامات لم يكونوا لولاها داخليها وهي مطايا القوم التي مسراهم على ظهورها دائما إلى الحبيب وطريقهم الأقوم الذي يبلغهم إلى منازلهم الأولى من قريب تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب ، ....، أجابوا منادي الشوق إذ نادى بهم حي على الفلاح وبذلوا نفوسهم في طلب الوصول إلى محبوبهم وكان بذلهم بالرضى والسماح وواصلوا إليه المسير بالإدلاج والغدو والرواح تالله لقد حمدوا عند الوصول سراهم وشكروا مولاهم على ما أعطاهم وإنما يحمد القوم السرى عند الصباح

فحيهلا إن كنت ذا همة فقد ... حدا بك حادي الشوق فاطو المراحلا

وقل لمنادي حبهم ورضاهم ... إذا ما دعا لبيك ألفا كواملا

ولا تنتظر بالسير رفقة قاعد ... ودعه فإن الشوق يكفيك حاملا

ومن أراد الوقوف على المزيد فليراجع  منزلة المحبة في الكتاب ، السفر النفيس ، مدارج السالكين  للإمام ابن القيم أو تهذيب المدارج  و كذلك  كتاب حجة الإسلام أبو حامد الغزالي ( إحياء علوم الدين )  الجزء الرابع ((كتاب المحبة والشوق والأنس والرضا ))

         ويبقى محبوب البشر واحد من أهل الدنيا ، إنسان مثلك ، ولكن من كان محبوبه مولاه فهو مالك الملك ذي الجلال ذي الأسماء الحسنى والصفات العليا انه خالقه و رازقه و مالك أمره ، الرزاق الفتاح الهادي العليم السميع الناصر ، محييه و مميته و المتصرف فيه في كل أوقاته وخاصة من لحظة مفارقة الروح للبدن و مابعدها من تغميض و تسجيه وتغسيل وتكفين وحمل على أكتاف الرجال و إنزال للقبر وتلحيد و موارة للتراب و ما بعد ذلك ، أي سمو لحب من يملك كل هذا ويزيد !!

          ولأهل الحب والمحبة للعلي الأعلى شرع الإسلام العظيم أنواع من ذكر محبوبهم جل جلاله : ذكراً مقيداً بحالات خاصة كالدخول والخروج والأكل والشراب وبُعيد الصلاة و مع تنفس الصبح و حلول المساء ، و ذكراً مطلقاً كقول : سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ، و (( لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شي قدير )) وغيرها ، و لك بذكر حبيبك من حبيبك ، مع ذكره لك  وكفى وانعم وأعظم به جائزة ، معيته و أجره العظيم ، ألا ربح المحبون الذاكرون للجليل المتفضل أعظم الربح ، اجله ، أبركه عاقبة . أيننا منه و أيننا منهم ؟؟

            ومن محبة الله الحنان المنان الودود الرحيم ، محبة أخرى تتدفق معه وتنساب ، إنها محبة الحبيب المحبوب الرسول الكريم خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله الصادق الأمين والسراج المنير الرحمة المهداة و النعمة المسداة لنا نحن البشر من ربنا الرحمن الرحيم لينقذنا من ضلالة المعصية إلى نور الهداية ، ومن شقاء العصيان إلى لذة عبادة الواحد الديان ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، ومن جور الإنسان إلى عدل الإسلام ، محمد بن عبدالله الذي تحمل المشاق والعنت والإيذاء و الشدة ، وهو أكرم مخلوق عند الله تعالى، تحمّل ذلك ليصل إليّ واليك نور الوحي وشمس الرسالة فنعيش في نورها الزاهر ولا تلفتنا عنه لذات الدنيا الدنية ولا رغبات النفس الآثمة العجولة لما يشقيها ويفوّت عليها أعظم نعيم في الدنيا والآخرة ، نعيم محبة الله والعيش في رحابه ، تستشعر قربه ومحبته وذكره وتنال منه الهداية إلى الفاضل من الأعمال و تتفياء ألطافه بك وبنعمه عليك بالليل والنهار ، يحميك من شر نفسك ، ويعيذك من شر عدوك المتربص الشيطان الرجيم ، ويرزقك النصر تلو النصر على نفسك التي بين جنبيك وعلى عدوك المتربص بك من بني البشر بكيدهم و قضهم وقضيضهم ، بغثائهم الهابط وإنتاجهم الداعر و لذة ما لديهم ليفوتوا عليك أعلى وأغلى نعيم ولذة : نعيم المحبة والقرب من العلي الأعلى ولذة مناجاة الله القريب الذي لا ينساك بأي حاليك طائع أم عاصي لكن شتان بين الحالين والذكرين ، شتان بين الرضا والغضب ، بين الرضا والسخط  ، بين حب الله و مقته . ومن علامات ولوازم محبة الصادق الأمين اقتفاء أثره والاهتداء بهديه  والدلالة إليه و عليه ، والصلاة على المصطفى من قلب حاضر .

         ومن ثمار محبة الله ان يرزق مُحبه حور عين يُحببنه ويشتقن إليه و يذكرنه و هو لا يزال يسير على قدميه في الدنيا كما ورد في الحديث      وقد دعاك ابن القيم إلى التعلق بذلك الحب و دفع مهره 

فيا خاطب الحسناء إن كنت ... راغبا فهذا زمان المهر فهو المقدم

وكن مبغضا للخائنات لحبها ... فتحظى بها من دونهن وتنعم

وكن أيما ممن سواها فإنها ... لمثلك في جنات عدن تأيم

وصم يومك الأدنى لعلك في غد ... تفوز بعيد الفطر والناس صوم

الثانية : عش حقيقة القرب

          أخي الحبيب .. هل عشت حقيقة القرب؟ .. قرب الله منك (( ونحن اقرب إليه من حبل الوريد )) ، عشها بقلبك و بروحك تجد لذكر الله أسمى لذة ، و لمناجاة الله أعظم سلوى ، عشها تستشعر فيض غامر من المشاعر الإيمانية و الفيوضات الإلهية ، تذكّر يا أخي قول الله تعالى ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ )) ((وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُو أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ )) ((قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ )) ((وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ )) ، أخي استعن بالله و لا تعجز ، الجأ إليه واشكره واسأله المزيد من فضله .

الثالثة : في مركز صرافة

     دخلت إلى مركز صرافة في احد مدن حضرموت فوجدته فخماً ومن طابقين و دهشت حين قال صاحبي أنّ تجارة صاحب هذا المركز (المركز الرئيسي ) هي من عمله لدى  أمير من أمراء الدنيا ، فرجعت إلى نفسي وقلت هذا حال العامل عند أمير من أمراء الدنيا فكيف حال العامل لله القائم بواجب العبودية الشاغل حاله وباله بالعبودية لله و العمل للظفر بمرضاة مولاه  ملك الملوك . انظر إلى نعومة و راحة بال ووسع مال وهناءة مركب العامل عند ذلك الأمير ( نعيم مادي ) ـ ما شاء الله تبارك الله ـ ، فكيف تكون نعومة وطمأنينة روح من يعمل عند رب العالمين المغني الواهب المُعطي  ( نعيم معنوي ) قال عنه إبراهيم ابن ادهم  (( نحن في لذة لو علم بها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف )) ، مع أنّ العاملين الاثنين قد تُكدر حالهما الأمراض أو الأسقام أو الحوادث و فقد الأحبة ، مع أنّ هذا العامل عند الأمير قد يكون كذلك عامل لله بمرضاته فيحوز الخيرين ، مع فرق واحد أنّ التجارة مع الله لا تتهددها أزمات مالية تؤثر سلباً على سندات أواسهم أو أرصدة أو مدخرات ذهب و جوهر إنما تتهددها الغيبة والنميمة و السب والشتم واكل مال الناس ففي الحديث الذي صححه الإمام الألباني  ورواه الإمام مسلم والترمذي وغيرهما : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتدرون من المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار ))

     وختاماً كن  أخي لله عاملاً تنل المفاخر ، كن لما عند الله مسارعا لا ترضى الصف الآخر .

الرابعة : التفكر من صفات المتقين :

   وذلك مصداقاً للآية الكريمة((إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23) لقد صرحت الآية بصفات الإحسان و طول القيام من الليل والاستغفار بالأسحار والصدقة وكنت عن التفكر بـ (( وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ  )) وكنت عن التوكل بـ (( وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ )) .

الخامسة : روحك لا تُنسها الغذاء

      الجسم يحتاج إلى غذائه... والروح إلى غذائها أحوج ، يلبي الإنسان ـ ان استطاع ـ حاجة بدنه من الغذاء وبدون تأخير ... وغذاء الروح ـ وهو أيسر ومُيّسر ـ يقبع  لديه في زاوية النسيان والإهمال والتسويف ، يبذل الناس من اجل توفير الغذاء  الجسدي لا نفسهم ـ وللآخرين في أحيان ـ ولكن لا يبذلون شيء غالباً لتوفير الغذاء الروحي لأرواحهم .  يُقدّر الناس حاجة الجسد إلى الغذاء ... ولكن الذين يُقدّرون حاجة الروح إليه قليلون  . 

السادسة : حطم الصنم

          حطم صنم هواك وأطع مولاك ، إنّ هواك صنم معنوي يتضافر مع الشيطان ليوقعك في المعاصي و الشرور والآثام ، فلم تطيعه وتنساق له وتعصي مولاك الذي خلقك وانعم عليك بما لا يُعد ولا يُحصى من نعمه الظاهرة والباطنة ؟؟؟ ، يقول الله جل في علاه : ((  وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ  ))  وقال :  ((أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً  ))  و قال : ((فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) )) ، إنّ الحري بي وبك  لا أن نتبع الهوى بل أن نطوع هوانا ليكون موافقاً لما يُحب الله  ، وفي الحديث الصحيح : (( لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ )) .

قال الناظم : يا نفسُ توبي فإِن الموتَ قد حانا ... واعصِ الهوى فالهوى مازال فَتَّانا

وقال الآخر : وإذا الهَوى كَرِهَ الهُدى ... وأبى التُّقى، فاعصِ الهَوى

السابعة  : وينصرمُ عام

        هانحن نودع عام ونستقبل آخر ، و ما أسرع كر الأعوام  وسير الزمان !! وانه لحري بكل حريص على حاضره ومستقبله ، على دنياه وأخراه ان يحاسب نفسه عن عامه المنصرم :  كيف كانت علاقته مع الله فيه ، وعن حاله مع الواجبات التي افترضها الله عليه وعن السنن التي يحبها له باريه  ، هل زاده عامه المنصرم قربى من الله أم بعدى ، إلى أي حد استغل فيه وقته في ما ينفعه ويفيده ، عن انجازه الشخصي فالناجحون حياتهم انجاز تلو انجاز . ليحاسب كل حريص نفسه ، فان أحسن فلا يتنازل عامه الجديد عن هذا المستوى ، وإن أساء فعليه أن يسارع إلى التوبة النصوح وأن يشمر عامه الجديد ليعوض ما فات ، وقد قال  الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم : ((الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ , وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الأَمَانِيَّ )) ، وقال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ((حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا , وَزِنُوهَا قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا وَتَهَيَّئُوا لِلْعَرْضِ على اللَّه تعالى يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية وإنما خف الحساب في الآخرة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا)) ، إنما الدنيا موسم للبذر وفي الآخرة يحين القطاف ، إنّ الدنيا دار عمل والآخرة دار جزاء ، ولا يدري احدنا متى يكون رحيله وختام بذره ، والموفق من لم يغتر بطول العمر ولم يسوف في البذر و التقديم لما ينفعه في الأخرى ، ولا ينسينّ احد رعيته : أهله وأولاده ، من الحث والتذكير لاغتنام الحياة في الطاعة والتقرب إلى الله جل جلاله ، ليزيد كل من نصيبه مما اعد الله لعباده الصالحين وفي الحديث القدسي يقول الله سبحانه وتعالى : «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر». ومصداق ذلك في القرآن المجيد: { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [السجدة: 17] .

      وفي ذات الوقت هل لك عزم عقدته لعامك الجديد ، ان كان قد عقدت عزم فأضف إليه روح المبادرة ، وان لم تعقد عزماً فليكن لك ذلك ، ولما لا والعام لم يهل أو هو في مبتداه ، ليكن لك مشروع شخصي تنجزه خلال العام أو تشرع في انجازه ، ليكن لعامك الجديد شعار تتفياء ظلاله و يكن لك حادياً ، و لا تكن من أصحاب اللا فعل واللامشروع ، أخي ...  اعمل لدنياك كأنك لن تموت أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ...

30 ديسمبر 2010م      mraham70@gmail.com

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص