الديمقراطية جهاز فعّال عجيب ، يعمل من
تلقاء نفسه لصالح بناء الشعوب الحرة والدول المؤسساتية ، لكن يحدث ذلك فقط لمن
يختار اقتناءه ويُجيد استخدامه دون تعطيل أي من وظائفه ، وهو في حالات كثيرة غير موجود
في شعوب استمرأت الطغيان و اختار حكامها ان يكون الوطن وبنيه خداما لسياداتهم
وسموهم و معاليهم ، حكام لسان حالهم وفعالهم ( نبقى ويشقى الشعب ) بل يذهبون
بعيداً وبعيداً جداً في سبيل توطيد حكمهم وتأبيد وجودهم في السلطة ونقلها إلى
أبناءهم ، وهذا يعني ببساطة تسخير المزيد من المال العام وأبناء الوطن و مكتسبات
الوطن والمواطنين لبناء هرم البقاء وتمتينه ويصبح الوطن إقطاعية مُستباحة للزعيم و
طغمته ، ومع ذلك قد يذهب بعض أولئك الحكام في الزعم من أنّ لديهم ديمقراطية ، وهم
في الواقع يتبنونها لأنها مهندسة لصالحهم ، أما ان تكون خلاف ذلك فهم لها نعم
العدو الشرس ، وقد يضحون باوطنهم وبني وطنهم للحيلولة دونها ، ليصير لسان الحال
والفعال حينها دموياً بربرياً ( نبقى ويفنى الشعب ) .
دماء جديدة للديمقراطية
الكلية ..
أثبتت ثورات تونس ومصر وليبيا واليمن جدوى
الديمقراطية في الحكم الحديث ، وفضحت الخائفين من الديمقراطية مادامت ستفضي إلى
نتيجة لصالح غيرهم ، أوليس انتخاب غيرهم هو حق للشعب إن أراد ؟ أم أنّ الشعب يصبح بذلك مجنون ، قاصر ، يستحق الحجر عليه بحرمانه هذا الخيار ، أم أنّ
ذلك لا يصح وغير مقبول انتخابهم إلاّ ان كانوا متطرفين صهاينة على شاكلة الأرعن
المعتوه أفيغدور ليبرمان .
مبدأ غير مكتوب مفاده لنرفض الديمقراطية ما دامت أنها ستأتي
بأناس غير ديمقراطيين ، وأصحاب ذلك المبدأ
أثبتت التجارب أنهم مفلسين من الديمقراطية فلماذا يُريدون من الآخرين الاتصاف بما
هم فقراء منه ( فاقد الشيئ لا يتبجح به ).
و يبقى هذا الحديث رمياً بالغيب ، وحيلة
قذرة سخيفة للحفاظ على السلطة ، لان أولئك المتلفعين بالديمقراطية يدركون أنّ الشعوب تكرههم وتضيق بحكمهم و طبيعي
ان تختار غيرهم إن أتيح لها انتخابات حرة ونزيهة ليأتي غيرهم و سيحكمون الحكم
الصالح الرشيد الذي سيجعلهم وباستمرارـ غالباً ـ
يحظون بثقة الغالبية من شعوبهم في المواسم الانتخابية ، وتركيا العدالة
والتنمية خير مثال ، وبالتالي يثق أولئك الأدعياء الذين ينصبون أنفسهم أوصياء على
الشعب أنّ اعتماد نهج الانتخابات الحرة والنزيهة تضمن خروجهم من السلطة وتضمن عدم
عودتهم مرة أخرى ، فأولوياتهم غير أولويات شعوبهم .
لن تنتظر الشعوب ديمقراطية ينعم بها البيت
الأبيض على الشعب مرغماً الحكام عليها ، بل ستهب لتصنع ديمقراطيتها بدون شروط
الغرب وألاعيبه وتفضيلاته للأقرب إليه من الأحزاب والتيارات في أوطاننا .
نحن والغرب ... و
الديمقراطية ..
إنّ سر تقدم الغرب لا يكمن في تنحية الدين
ولكن يكمن في إعلاء مصالح المحكومين على مصالح الحكام واعتبار أنّ الثانية تندرج
في الأولى ، فمصالح الحكام تُقضى بعد ان يشبع الشعب نهمته ، ونحن لدينا مصالح الحكام مقدمة على مصالح
المحكومين ومصالح المحكومين تُقضى بعد مصالح الحكام ان بقي لها متسع ، وعلى هذا فان الديمقراطية مؤسسة تعمل من اجل
الشعب ، والتسلطية مؤسسة تعمل لصالح
الحكام ، كل شيئ يبذلونه من اجل الحفاظ
على التسلط ، وأما المؤسسة الديمقراطية
فإنها تحول الحكام إلى متبتلين مخلصين في محراب الشعب فلا يموت الشعب من اجل
الزعيم !! ولكن يموت الزعيم من اجل
الشعب ، ولايأتي الشعب إلى الساحات وينصرف
من اجل سواد عيون الزعيم ، ولكن يأتي
الزعيم إلى قصر الحكم ويذهب من اجل سواد عيون الشعب ، يأتي ان أحسن للشعب أو أساء
سابقيه في الحكم التصرف فيأتي ليعوّض
الشعب لتقر أعين الشعب ويبقى الزعيم
زعيماً مادامت مصالح الشعب محققة وليست ممحوقة .
الكارثة الدموية للحكم
الفردي ..
لقد أظهرت الثورة في تونس والثورة في مصر كم
هو الحجم الذي يدفعه الشعب حينما يثور من غيبوبته ليستعيد حقه المُصادر المُخصخص
في الثروة والسلطة ، ولكن في ليبيا كان الثمن أفدح مع زعيم مجرم ارعن حقير لا يرى
تماماً في ليبيا إلاّ هو وخيمته المُكللة بالخزي والعار لدرجة استعداده لفناء كامل
للشعب ليبقى هو زعيم للفناء ولن يمانع ان يستجلب سكان جدد يغريهم بالمال الذي
يكتنزه من خيرات الوطن الغني بالنفط والغاز فاندفع شعب ليبيا العظيم شعب عمر
المختار شعب المليون حافظ لكتاب الله اندفع في حرب تحررية هي الأولى على مدار
التاريخ وجاء التدخل الغربي ليوقف غطرسة ذلك المعتوه الأبله بقرار هو الأول من
نوعه من مجلس الأمن لصالح الشعوب لا الحكام .
وفي اليمن وبأمر مجرم عربي آخر قتل قناصة علي
عبدالله صالح بُعيد صلاة الجمعة!! 18 مارس 2011م
وفي غضون دقائق 53 شاب اعزل بدم بارد ليفض الاعتصام السلمي العبقري جوار
جامعة صنعاء الجديدة و المُحتشد منذ ثلاثة أسابيع حينها حول مجسّم للحديث النبوي
(( الإيمان يمان والحكمة يمانية )) ومع ذلك العدد من الشهداء نحو 500 جريح أي مرشح
سابق للقتل والذبح لسواد عيون الطاغية المستبد وأنجاله في تكرار قبيح للتجربة
القذافية ، وكنت قد كتبت على صفحتي على الفيسبوك صباح الخميس 17 مارس 2011م ((على
المطلوب رحيله فوراً ــ مع نظامه البغيض ـ إما أن يصبر على المشاهد العبقرية
المتصاعدة لساحات وميادين التغيير وفعالياتها الديمقراطية السلمية في عموم
المحافظات وأمانة العاصمة ، أو أن يرحل ويريح ويستريح ، هذه هي الديمقراطية التي
يقول انه قبل بها وانه حاميها ، أما أن يقبل بالديمقراطية حينما توصله إلى كرسي
السلطة ـ الذي هو من نار على حد قوله ـ ويكفر بها ويسعى لقمعها ، بأدواته المعروفة
، حينما تهز وجوده على ذلك الكرسي ـ الوثير الأثير عنده في الحقيقة ـ وتُصر على رحيله الفوري عن ذلك الكرسي فهذا قمة
التناقض )) .
آن للملكيات أن ترحل :
لقد كان المشهور في عالمنا العربي ان تتحول الجمهوريات
عملياً إلى ملكيات ، ولكن في اعتقادي ان الذي حدث في مصر وتونس يعكس هذا التفكير
والطرح رأساً على عقب ، لقد آن الأوان لتختفي الملكيات في وطننا العربي لتحل
الجمهوريات الحقيقية في كل الأرجاء ، إني أتساءل : من أعطى أولئك الملوك والأمراء
الثروات المادية تحت السطح ؟ لا احد ، أم
أنهم هم أوجدوها ؟ لا وألف لا ، وهذه الشعوب في دولهم متى امتلكوهم أو استعبدوهم
وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟ كانت مصر
ملكية وسقطت فيها الملكية في 23 يوليو 1952م ، كانت ليبيا ملكية وسقطت فيها
الملكية في الفاتح من سبتمبر 1969م ، كان شمال اليمن مملكة وسقطت في 26 سبتمبر
1962م ، و آن للملكيات المتبقية ان ترحل ، انه لابد من قدر كامل أو كبير من
الديمقراطية وبالقدر الذي يعيد للناس حاجتهم الماسة للشعور بالكرامة والحرية ،
وبما يضمن لهم الأمن الداخلي والعيش الرغيد ، إن الشعب هو صاحب المصلحة الحقيقية
في الثروة والسلطة سواء كان الشعب يعيش في جمهورية أو ملكية ، قد تظهر بعض
المكتسبات الكبيرة والمهمة على يد بعض الحكام الملوك وقد تزدهر في ظل حكمهم شعوبهم
ولكن هذا غير مضمون الاستمرار والديمومة والشعوب هي حليفة الحاضر والمستقبل فقد
يرحل هذا الحاكم الملك ويعقبه في الحكم من يُغيّر ويُبدل ويستبد ويقهر ، ولذا
فلابد من بناء النظام السياسي اليوم بما يضمن المستقبل خصوصاً ونحن نعيش على صدى و
وهج الثورات التحررية العربية في ربيع التحرر من الاستبداد والطغيان ، وبالإمكان
في الدول الملكية تحويلها إلى ملكية دستورية على غرار نظام الحكم السائد في
بريطانيا (المملكة المتحدة ) ، وفي كل الأحول فهذا أوان فيه يجب وضع حد للحكم
الفردي المُطلق مهما كانت محاسنه.
الديمقراطية وليد
الثورات التحررية:
إنّ الثورة التحررية حين تندلع فإنها تهدف
إلى :
1 ـ استعادة الشعب والى الأبد حقه في التحكم
في السلطة والثروة قاضياً بذلك على الظلم والظلام الاستبداد والمستبدين .
2 ـ تسييج وحراسة المكاسب الثورية
الديمقراطية الوطنية من خلال بناء (الجهاز الثوري للمناعة المكتسبة) الذي يمنع
والى الأبد عودة الاستبداد والطغيان ، وذلك عبر ما يأتي :
أ
ـ وضع الدستور الذي يعلي ، وفقط ، الشعب
ومصلحته ، ويضع الآليات ذات أعلى و أرقى الكفاءات الضامنة للممارسة الشعبية السلسة
الطليقة لحقها المُطلق في التحكم في السلطة والثروة و وضع أمانة ذلك في يد من
تختار بحرية تامة وانتخاب حرفي ممارسة ديمقراطية كاملة الدسم وغير منتهية
الصلاحية.
ب ـ وضع القوانين المنبثقة من روح الدستور
ونصوصه المتوازية والمتناغمة معها فلا تصادرها ولا تلغيها ولا تقيدها ولا تحدها
ولا تسدها إنما تضع الآليات الكفؤة اللازمة لتنفيذ روح الدستور وتطبيق نصوصه
بحذافيرها دون انتقاص ولا لف ولا دوران.
جـ ـ الانتخاب الديمقراطي الحر والنزيه
والمباشر للهيئات الدستورية اللازمة والكافية للتطبيق التام لروح ونصوص الدستور
والقوانين .
ويتم المرور إلى ذلك عبر الخطوات العملية
التالية حسب ترتيبها :
1 ـ تشكيل حكومة وحدة وطنية من قبل القوى
الوطنية وتضم كل ألوان الطيف الفكري والسياسي والنقابي وبرئاسة شخصية محايدة لها رصيدها ومواقفها
النضالية .
2 ـ تتولى الحكومة مباشرة رفع العمل
بالدستور المعمول به زمن الحاكم الفردي المخلوع أو تجميد المواد التي تستحق ذلك أو
تعديلها في زمن سريع لا يتجاوز الشهر و تُقر في استفتاء شعبي عام حر ونزيه .
3 ـ تمضي سريعاً إلى تشكيل جمعية تأسيسية من
كل ألوان الطيف السياسي تضع :
أ ـ مشروع دستور جديد يعتمد النظام البرلماني و الحكم اللامركزي ويقلص
صلاحيات الرئيس ويحصرها في المراسيم الرسمية و الشرفية ويحددها بفترتين فقط غير قابلة للتمديد و لا الزيادة
مطلقا.
ب ـ مشروع جديد لقانون الانتخابات
والاستفتاء يعتمد نظام القائمة النسبية ، مع نسبة من مقاعد البرلمان للمستقلين
ولجنة عليا للانتخابات محايدة .
4 ـ تفتح الحكومة المجال لتكوين الأحزاب
والتنظيمات السياسية و حرية الإعلام المكتوب والمرئي .
5 ـ تجميد أصول الحاكم المخلوع واستنقاذ ما يمكن
استنقاذه مما انتهبه ومقربيه ومساعديه وأدواته من المال العام وإعادته إلى أملاك
الدولة .
6ـ حل التشكيلات العسكرية والأمنية التي
كونها الحاكم المخلوع على عينه لتكون حامياً لكرسي حكمه وضامناً لبقائه متسلطاً
على رقاب الشعب وتوريث الحكم لمن يشاء ، ويتم ضمها من بعد حل إلى الجيش والأمن
العامين .
7ـ حل حزب الحاكم المخلوع وضم كافة مقراته
وممتلكاته إلى أملاك الدولة وذلك كونه في الأصل انه إما هو مال عام تم تجييره
لصالحه أو انه تم بناءه وتكوينه من المال العام الذي كان يستبيحه الحاكم .
8 ـ إجراء استفتاء عام على الدستور الجديد و قانون الانتخابات الجديد
تتولى إدارته لجنة للانتخابات والاستفتاء محايدة و وفق قانون مؤقت للانتخابات
والاستفتاء .
9ـ إجراء
انتخابات رئاسية وبرلمانية وبصورة متزامنة وبمشاركة كل من يرغب من ألوان
الطيف وبموجب الدستور الجديد وقانون الانتخابات الجديد ، وفي ظل رقابة دولية ،
فيضمن الشعب النجاح التام والمؤزر والنهائي لثورته .
10 ـ
محاكمة الحاكم المخلوع والوالغين معه في دماء الشعب وأمواله محاكمة عادلة
قصاصاً في الدماء و إحقاقاً للحق و إقامة للعدل ودرساً لمن تسول له نفسه ترسم
خُطاه وخطاهم في قادم الأيام والأزمان .
الإسلام والديمقراطية :
الإسلام دين العزة والكرامة والشرف
للإنسانية ، وهو في جانب رئيسي أصيل منه هو ثورة على الظلم والظلام الاستبداد
والمستبدون ، الطغاة والطغيان ، والله تعالى هو رب العزة القائل سبحانه عز وجل
((سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ )) وهو يهب العزة ((مَنْ
كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا )) ، والعزة يمنحها الله
تعالى القوي المتين للمؤمنين ، وقد قال جل جلاله : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ
يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى
الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ
ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )) وقد
قال الصحابي ربعي بن عامر لرستم قائد جيش
الفرس ، بعد أن سأله الآخر عن السبب من وراء خروجهم لقتال فارس:" لقد ابتعثنا
الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل
الإسلام ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ".
وقال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((نحن قوم أعزنا الله بالإسلام
فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله )) فالإسلام دين العزة والمعزة والكرامة
والشرف الرفيع الذي يأبى الانتقاص .
و الفاروق عمر هو الذي قال لعامله على مصر،
عمرو بن العاص ((متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا )) .
والديمقراطية التي لا تقبل التجزئة والانتقائية
هي سلاح الشعوب في العصر الحديث لاجتثاث الاستبداد والطغيان وتعني كلمة ديمقراطية
حكم الشعب وقد وصف الرئيس الأمريكي أبراهام لِنْكُولن مثل ذلك الحكم بأنه حكم
الشعب بالشعب وللشعب ، وكل شعب يختار الحكم الذي يتناغم وقيمه وأخلاقياته
ومعتقداته ، وبحسب الموسوعة العربية العالمية فان خصائص الديمقراطية تختلف (( من
بلد إلى آخر، غير أن هناك مظاهر أساسية ، متشابهة إلى حد ما ، في كل الدول
الديمقراطية.الانتخابات الحرة ، وهي تعطي الناس فرصة اختيار قادتهم ، والتعبير عن
وجهات نظرهم في المسائل المهمة ، وتجري الانتخابات عادة على فترات للتأكد من أن
الحكومات التي تدير شؤون البلاد ، سواء كانت قومية أو محلية ، تمثل اختيار الناس
فعلاً ، ذلك أن احتمال خروج الحكومة من السلطة بالاقتراع يبعث على الاطمئنان إلى
أن أولئك الذين سبق أن انتخبوا في مناصب يولون الرأي العام اهتمامهم.)) وتقول
الموسوعة : ((في كل الدول الديمقراطية ، يخضع المسئولون الحكوميون للقانون ، وهم
مسئولون لدى الشعب ، وتساعد وسائل الإعلام المسؤولين على تحسس اتجاهات الرأي
العام)) فهل في هذه المعالم والقسمات للديمقراطية ما يختلف عن تعاليم الإسلام ،
كلا ، بل إنها تتناغم مع مقاصد الشريعة الإسلامية ، و قد اخذ الرسول الكريم صلى
الله عليه وسلم بمشورة الصحابي سلمان الفارسي حين أشار عليه بحفر خندق حول المدينة
المنورة لصد العدوان العسكري لقريش وحلفائها وقد اخذ الرسول الكريم بمشورته وكان
لها دورها الكبير في صد العدوان ، والحكمة دائماً وأبداً ضالة يبحث عنها أصحاب
العقول المُستنيرة المُنفتحة على الخبرة الإنسانية أنى وجدوها فهم أحق الناس بها ،
هم لها أهل ونعم الأهل .
ويقول الإمام حسن البنّا : ((الإسلام يدعو
إلى أن نأخذ من كل شيء أحسنه ، وينادي بأن الحكمة ضالة المؤمن أنىّ وجدها فهو أحق
الناس بها ، ولا يمنع من أن تقتبس الأمة الإسلامية الخير من أي مكان ، فليس هناك
ما يمنع من أن ننقل كل ما هو نافع مفيد عن غيرنا مفيد ونطبقه وفق قواعد ديننا
ونظام حياتنا وحاجات شعبنا )) وقال رحمه الله في الأصل الثامن عشر من الأصول
العشرين (( والإسلام يحرر العقل , ويحث على النظر في الكون , ويرفع قدر العلم
والعلماء , ويرحب بالصالح والنافع من كل شيء ، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو
أحق الناس بها )) .
وقد قال لسان الدين الخطيب في احد خطبه (( اعلموا
رحمكم الله أن الحكمة ضالة المؤمن يأخذها من الأقوال والأحوال ومن الجماد والحيوان
وما أملاه الملوان فإن الحق نور لا يضره أن صدر من الخامل ولا يقصر بمحموله احتقار
الحامل )) .
وقال الإمام حسن البنّا : (( المفكرون من
المسلمين ينظرون ويرقبون ويوازنون ويرجعون إلى ما بين أيديهم من كتاب ربهم وهو
مشرق ، ومن سنة نبيهم وهى بينة ، ومن تاريخهم وهو مجيد ، فلا يرون لنظام من هذه
النظم حسنة من الحسنات إلاّ وجدوا أنها مقررة في نظامهم الإسلامي الاجتماعي ,
وأنهم سبقوا إليها فتحدثوا عنها أو عملوا بها ، ولا يرون لنظام من هذه النظم سيئة
من السيئات إلاّ وجدوا أن نظامهم الإسلامي الاجتماعي قد حذر منها واحتاط لها ووصف
طريق الوقاية من نتائجها وآثارها , سادت العالم حينا من الدهر هذه النظم
الديمقراطية وانطلقت الحناجر في كل مكان تسبح وتقدس بما جاء به هذا النظام
الديمقراطي من حرية للأفراد وللشعوب على السواء ، ومن إنصاف للعقل الإنساني بحرية
التفكير ، وللنفس الإنسانية بحرية العمل والإرادة ، وللشعوب بأن تكون مصدر السلطات
، وجاء النصر في الحرب العالمية الأولى معززا لهذه الأفكار متوجا إياها بإكليل الغار
، ثم لم يلبث الناس أن تبينوا أن حريتها الاجتماعية لم تسلم من الفوضى , وأن
حريتها الفردية لم تأخذ الحيطة من الإباحية ، وأن سلطة الشعوب لم تبرئ المجتمع من
كثير من الديكتاتوريات المستورة التي تضيع معها التبعات ولا تحدد فيها الاختصاصات
، إلى غير ذلك من المثالب والعيوب التي أدت إلى تفكك الأمم والشعوب , وتخلخل نظام
الجماعات والبيوت ومهدت لقيام النظم ا لدكتاتورية)) .
والمهم هنا ـ كما يتضح من كلام الإمام
البنّا ـ هو التطبيق الايجابي للديمقراطية وتجنب الأخطاء والمنزلقات .