بقلم / ياسين التميمي:
رأى الحوثيون والمخلوع صالح أن أسرع طريقة للرد على #قناة الجزيرة، بعد أن بثت مساء الأحد فيلماً وثائقياً عن السلاح المنهوب، هو نهب ما تبقى من محتويات مكتبها في صنعاء، لكن عملاً إجرامياً كهذا لا يستطيع أن يحجب ضوء الشمس وأن يغطي على الحقائق التي كشفت عنها الجزيرة في وفيلمها الوثائقي الهام" السلاح المنهوب"، وكل ما فعله هو أنه قدم دليلاً آخر على همجية هذه العصابة وانحطاطها.
تميز وثائقي الجزيرة بالمهنية وبالنهج الاستقصائي الذي تتبع المعلومات من مصادر شتى، على نحو عكس حجم الجهد الذي بُذل للوصول إلى تلك المعلومات، وبعضها ربما اقتضى تعاوناً من نوع ما مع مصادر معلومات وأجهزة استخبارات.
حرص القائمون على هذا الفيلم الوثائقي، أيضاً، على إفراد مساحة كافية حتى لـ"العصابة الغبراء" ومموليها وداعميها وفي مقدمتهم إيران، لكي يدلوا بدلوهم ويضيفوا قدراً لا يحتمل من الكلام "الصلف" الذي يزيد المشاهد استفزازاً فوق ما هو مستفز مما حدث ولا يزال يحدث حتى اليوم.
قد يقول البعض في الإجمال نحن نعلم أن هناك تعاوناً بين المخلوع والحوثيين، ولهؤلاء نقول نعم هناك تعاون، لكن القرائن التي وردت في وثائقي الجزيرة توثق هذا التعاون وتظهر حجمه، وتكشف عن الإطار الأخلاقي لهذا التعاون، حيث تظهر المخلوع صالح، بهذا الكم من الحقدس ووضاعة الألفاظ، اللذين صبهما على قائد عسكري هو العميد الشهيد، حميد القشيبي، الذي قرر الوقوف في وجه التقدم الحوثي بعمران، ما يعني أن تصفيته بتلك الطريقة البشعة كانت تحقق جزءً من رغبة المخلوع صالح في الانتقام.
نفذ صالح تواطؤه ومهمته "العلقمية"- نسبة إلى ابن العلقمي الوزير الشيعي في البلاط العباسي الذي سمح بسقوط بغداد واستباحتها، من قبل جيش هولاكو- في سياق من التضامن الجهوي الذي جعل معظم سكان محيط العاصمة ينخرطون في مهمة تمكين الحوثيين القذرة، بوعي كامل وبتعصب تم تغذيته طيلة العقود الثلاثة من حكم المخلوع صالح، وكانوا على يقين أنها مجرد مرحلة وأن الحوثيين مجرد أدوات. ليس صالح وحده الذي تورط في مهمة قتل الدولة اليمنية، بل كان معه هذا التحالف العصبوي الجهوي الغاشم، الذي لا يزال يمد صالح بالأمل في البقاء واستعادة السلطة، وقد عمل هذا الفيلم الوثائقي للجزيرة لتعريته هذا الحلف على الملأ.
اليوم وفيما يعاني أنصار صالح الأمرين، جراء سقوط الدولة والأحلام الفاسدة، عمل هذا الفيلم على تذكيرهم بسيئاتهم وبخياناتهم وبتعصبهم الأعمى الذي يدفعون ثمنه اليوم والحقيقة أنهم يستحقون أن يدفعوا هذا الثمن، بعد أن عملوا على تقويض أسس الدولة الوطنية بدم بارد وبصلف لا حدود له. أظهرت اتصالات صالح كيف تحول منزله في الكميم إلى غرفة عمليات رئيسية لإدارة الانقلاب، وكيف مارس ضغوطه وابتزازه ليدفع بوجهاء عرف بعضم ببيع وشراء المواقف، إلى تأليب القبائل وتشجيعها على التسليم للحوثيين.
لكن الإشارات الدقيقة إلى أماكن الأسلحة، التي وردت في وثائقي الجزيرة، كانت خطيرة بما يكفي للتدليل على أن الجيش الذي استعرض المخلوع صالح بإظهار أهميته على المستوى العربي، ها هو يتخلى عن السلاح ويسلمه إلى ميلشيا طائفية، لدوافع طائفية وجهوية، مما يعزز الاعتقاد بأن بلداناً مثل اليمن وسورية ما كان لهما أن يسخرا إمكانياتهما المالية ومواردهما الطبيعية، لشراء الأسلحة التي تحولت إلى وبال على الناس، وإلى قوة غاشمة في يد العصبيات الطائفية المهيمنة على السلطة. أضاءت مداخلات الضباط والخبراء والمعنيين وممثلي الأطراف المعنية بهذا الوثائقي الضوء وأعطت الفيلم قيمة مضافة ووسمته بالشمولية والإحاطة الكاملة، وحررته من تهمة التوجيه والتوظيف السياسي، فكل الآراء كانت موجودة وكل طرف منح المساحة الكاملة ليقول رأيه، وهذا هو منهج القنوات التلفزيونية الكبيرة التي تعمل من أجل الحقيقة، دون أن تتناقض مع مبادئها أبداً.
التحية والتقدير لطاقم الفيلم الوثائقي على الجهود المتميزة، ونأمل أن يتحول هذا الفيلم إلى جرس يوقظ الضمائر التي لا تزال ميتة أو موهومة بحلم عودة المخلوع إلى السلطة، وهو الوهم الذي مكن إيران من وضع اليد على صنعاء وعلى إمكانيات الدولة العسكرية لتوجهها في خدمة أغراضها الجيوسياسية والطائفية. #السلاح_ المنهوب