يتحاور الحضارم عن حضرموت المستقبل؛ هل هي إقليم أو دولة؟ ما يسمى بـ”حلف قبائل حضرموت” أعلن مؤتمراً حضرمياً جامعاً ليحدد الوجهة المستقبلية لها، وشكّل لأجل تنظيمه لجنة تحضيرية تستقصي الآراء والرؤى لتشكل منها رؤية واحدة لمستقبل حضرموت، وبعد فترة قصيرة أعلن حضارم المهجر المنطقة الغربية بالمملكة العربية السعودية لجنة تحضيرية لمؤتمر حضرمي جامع؛ فمن حق المغتربين أن يتشاوروا في شأن مسقط رأسهم ووطنهم الأصلي، وكرمزية أو رسالة لاجتماع وجمع الحضارم توافدت (1000) شخصية حضرمية في ماليزيا للاجتماع والتلاقي وصلة الرحم.
الحضارم، أرهقهم التاريخ، كلما فتحوا صفحاته، وقرؤوا فصوله وأبوابه، وجدوا المجد الحضرمي فيه مكتنزًا بالمآثر والمكتسبات، ثريًا بالإنجازات الإنسانية والدينية؛ فأصبحوا كمن يسبّح بحمد هذا المجد ويلهج بذكره بالليل والنهار، وفي كل مجلس ومحفل، وإذا نظرت للواقع تجدهم قد اهتبلتهم نوائب الدهر ومصائبه، فمزقتهم كل ممزق، فهم مفرّقون في بلاد الدنيا كلها، تجدهم في قارات العالم الست لو قرروا أن يعودوا جميعاً لوطنهم حضرموت، لكانت من دول العالم التي يشار إليها بالبيان، لكنها سنة الله في خلقه.
الحديث عن اجتماع الحضارم وجمعهم، لأجل صياغة رؤية لمستقبل أرضهم وأجيالهم، حديث أصبح منذ حلول ما يسمى بالربيع العربي هو الشغل الشاغل في الداخل والخارج، ففي يونيو 2011م ائتلف ممثلو مكونات المجتمع الحضرمي السياسية والفكرية والاجتماعية والشبابية وقطاع المرأة في حضرموت في حلقة نقاش دعا إليها “مجلس حضرموت الأهلي” بعنوان (حضرموت: الرؤية والمسار)، تحت شعار: (من أجل توحيد الكلمة والاتفاق على رؤية مشتركة).
وبعد طرد تنظيم القاعدة من مديريات ساحل حضرموت، وعودة الأوضاع إلى طبيعتها في هذه المديريات، وظهور هيبة الدولة فيها، بدأ الحديث عن إقليم حضرموت ومستقبله خصوصاً بعد إطالة أمد الحرب وقدرة السلطة في حضرموت على القيام بنقلات نوعية تجاه رسم خارطة مستقبلية لها، تداعى “حلف قبائل حضرموت” والذي تتزعمه قبائل الحموم ومعها لفيف من قبائل أخرى إلى الإعلان عن المؤتمر الحضرمي الجامع، في البدء تم اختيار شخصيات من القبائل وتم تجنب الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وتم إقصاء اتجاه “الإسلام السياسي” ومن ليس له قبيلة تعضده أو ركن يسنده، هذا الإقصاء والتهميش جعل الأصوات ترتفع منددة بهذا المؤتمر، وسوء اختياره وابتعاده عن البداية الصحيحة والمضبوطة لصياغة رؤية لمستقبل حضرموت.
لأجل ذلك تشكلت اللجنة التحضيرية لمؤتمر حضرمي جامع في المنطقة الغربية بالمملكة العربية السعودية، وتنادى إليه من رأى نفسه ليس ممثلاً في مؤتمر الداخل، ومن يرى أن مؤتمر الحلف لا يمثل كل أطياف المجتمع الحضرمي. اللافت للأمر، هو انضمام و مباركة وتأييد شخصيات من رجال الأعمال الحضارم المشهورين، وممن لهم ثقلهم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في الطيف الحضرمي، وجاء التأكيد صريحاً باعتماد وثيقة “الرؤية والمسار” كمرجع للانطلاق إلى صياغة الرؤى المختلفة باعتبار “أن مشروع الوثيقة يأتي في سياق صياغة نظام الدولة المدنية الحديثة البديل، حيث ينبغي لحضرموت أن تكون من عوامل استقراره وتنميته الشاملة، وإنجاز استحقاقاته بما يحقق مبادئ العدالة والشراكة والمواطنة المتساوية، والتنمية البشرية الحقيقية، في ظل دولة مدنية حديثة تبني وطن الحاضر، وتتجه صوب المستقبل، ولا تلتفت إلى الماضي إلا بمقدار ما يمدها بأسباب التقدم والانطلاق؛ متخذةً من مبادئ الشريعة الإسلامية الغرّاء قاعدةَ انطلاقٍ وارتكاز لها، ولذلك فوثيقة (حضرموت: الرؤية والمسار)، تؤكد ثلاثة أبعاد رئيسة هي: وضع حضرموت في إطار النظام البديل، وحقوق حضرموت العامة، وآلية الاصطفاف حولها، وصولاً إلى تقديمِ نموذجٍ نهضويٍ وتنمويٍ يُحتذى به ويُوصِل ما انقطع من تدّخره حضرموت من طاقات ماديةٍ وبشريةٍ كامنة”.
ثمة نظرة تجاه مؤتمر الداخل أنه انطلق من التوجه القبلي، بنفس العقلية التي أُديرت بها اليمن في حقبة المخلوع علي عبدالله صالح، ولكن بشيء من التزيين والتحلية، لكنه أصبح المعمول به في الواقع، بحيث تظل الرؤى المقدمة مجرد رؤى للاستهلاك المحلي، وتبقى حضرموت “محلك سر” ما دامت مرتهنة بعقليات لا تمت إلى النهضة والتنمية والريادة بصلة، بل ربما هي قابعة في دائرة الجهل بأبسط أبجديات التقدم والتحضر!! بالطبع هذه النظرة قاتمة، وأراها كذلك وأتمنى أن تكون كاذبة غير صحيحة.
ولكن ما يدعو فعلياً لتدارك الموقف الحضرمي في الداخل والخارج، هو أهمية الاصطفاف من قبل مكونات الطيف الحضرمي بتنوعه وتعدده، حول ما تم الاجتهاد عليه وبذلت الجهود في صياغته بشكل محكم وقانوني في كل كلماته وعباراته، ليكون غاية في الرصانة والحبكة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وغيرها، واعتماده كقاعدة صلبة لما سيتم البناء عليه، وكان الأولى لمن أراد أن يقيم مشروعاً عظيماً أن ينظر إلى من أقام قبله مشاريع مماثلة، ليبني عليها، ويتدارك التعثر الحادث فيها، ويجدد ويقوي ويكمل أي نقص أو خلل أو قصور، فصوت العقل يقول ابدأ من حيث انتهى الآخرون بدلاً من البدء من نقطة البداية.
اللحمة الحضرمية موجودة، رغم التشتت والتفرق، ورغم كل محاولات النظام السابق في تفتيت البنيان الحضرمي المرصوص والأصيل، إلا أن اسم حضرموت وأصالته وقيمه وتاريخه ومجده كلها تدفع وبقوة إلى ضرورة التواصل والتقارب والتضامن والتكافل والتعاضد والتغافل.. وكل معنى من معاني بناء القوة الحضرمية التي بدأت ترتسم معالمها بوجود انموذج حي على الأرض يحسن بالجميع تطويره وتقويته بالتسديد والمقاربة ليصبح طريقاً للانطلاق نحو غد مشرق ومستقبل مجيد.
بقلم / طه بافضل