أما بعد عباد الله : فلقد دأب بعض طواغيت عصرنا دأب آل فرعون ، فلا
نستبعد أن يكون مصيرهم كمصيره ، فدعونا نستفتح اليوم خطابنا معكم بحديث الحبيب
المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه : ( إذا هابت أمتي أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع
منها ) وها نحن نتحدث عن غرق الفرعون ، غرق الطاغية ، فالدين النصيحة لله ولكتابه
ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم قال عز من قائل كريم : ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا
فِي الأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ
يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ
الْمُفْسِدِينَ ) القصص4 ، لقد تكبر وطغى في الأرض وما أكثر المفسدين من الفراعنة
الطواغيت اليوم ، فتوجهت المعارضة المتمثلة في موسى والذرية المؤمنة من قومه تسدده
وتنصحه بأمر الله القائل سبحانه : ( فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ
يَخْشَى) طه44 ، وأقامت الحجة عليه وقدمت له
المبادرة والمشروع الإصلاحي تلو المشروع والمبادرة تلو المبادرة ، وأقامت الدليل
الحجة على صدق ما جاء به : َ) قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ
بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ *
فأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ* وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ
بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ ) الأعراف106ـ 108.
يا حماة الإسلام وحراس العقيدة : قال الطاغية عندما
تحركت المعارضة بقيادة موسى عليه السلام واستنهضت الشارع لإسقاطه ، وعبادة الله
وحده : إنها مؤامرة خارجية ، هؤلاء خونة ، دعاة فوضى ، يريدون تدمير الوطن ،
وإقلاق الأمن والسكينة تماما كما قال فرعون وزبانيته من قبل : ( إن هذا لساحر عليم
* يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ) الأعراف109ـ110 ، إنهم يدَّعون أن عندنا بطالة ، وهذا صحيح ولكن
البطالة موجودة حتى في أمريكا وبريطانيا والدول الكبرى ، تدليس على المساكين ، نعم
هناك بطالة في الدول الكبرى ، لكن الفرق بيننا وبينهم أنهم هناك يستطيعون إسقاط
حكوماتهم وتغيير حكامهم وفق انتخابات نزيهة ، لا تزوير ، ولا رشاوي انتخابية ، ولا
توظيف للمال العام والوظيفة العامة ، ولا استغلال لإعلام يروج للطاغية ونخبته
الحاكمة التي تمتلك المال والسلطة ، يقولون أن كان عندنا غلاء فالغلاء ظاهره
عالمية ، ويتناسون أنّ في الدول الكبرى الميزانية العامة للدولة تمنح إعانات بطالة
، وتوفر خدمات طبية وتعليمية حقيقية للغلابا والتعبانين .
وقالوا أن السيد الرئيس الطاغية فرعون حبيب
الملايين ومعبود الجماهير : ( فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى) النازعات24 ، اللهم نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك لما لا
نعلمه ، )
قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ
حَاشِرِينَ ) الأعراف111 ، أحضرهم من كل البوادي
والصحاري : كأنه جمالتٌ صفر وخيول تعدوا لتمزق صفوف المعارضة .
حماة الإسلام وحراس العقيدة : الناس في مواطن الجد
ينقسمون إلى ثلاثة أفرقة ، فريق الذين استخف بهم الطاغوت فراحوا يسبحون بحمد
ويهللون له حتى قال لهم : )مَا أُرِيكُمْ إِلاّ مَا أَرَى وَمَا
أَهْدِيكُمْ إِلاّ سَبِيلَ الرَّشَاد) ِغافر29 ، فصفق له مرتزقة المثقفين ، وهتفوا
: بالروح والدم نفديك يا صنم ، بالروح والدم نفديك يا زعيم ، بالروح والدم نفديك
يا فرعون .
وفريق إيجابي يسعى للتغير ويحقق : فمن
جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ،
لكن دليل صدق جهاد القلب الانضمام إلى جموع التغيير إذا قامت أسبابه ونُشر سوقه .
وفريق سلبي ينادون بطاعة ولي الأمر ولو فرط
في مصالح البلد وارتهن لأعداء الإسلام ، وأباح مواطنيه وبلده للضربات الموجعة من
أعداء الإسلام والمسلمين تحت مبررات واهية ، ودوافع كاذبة ، هذا الفريق ينطبق عليه
قول الحق جل جلاله : ) وقيل للناس هل أنتم مجتمعون * لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن
كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ )) إنهم لا يريدون أن يذعنوا للحق ، فهم يسبحون بحمد الطاغية حتى وقع
الفأس فالرأس : ( فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ
السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ) الأعراف119ـ120 ، وانصرف فرعون ونخبته صاغرين أذلاء
مقهورين : ) فَتَرَى الَّذِينَ فِي
قُلُوبِهِم مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا
دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ
فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ )المائدة52 .
يا حماة الإسلام وحراس العقيدة : ظل فرعون يردد :
بَحِبِكْ يا مصر ، مصر في قلوبنا ، ومصر أولا ، لكن عندما بدء الكرسي يتزحزح تحته
، حرك زبانيته يدوسون شعب مصر تحت إطارات السيارات ، وأطلق البوليس السري ينهب
البيوت والبنوك والمؤسسات ولولا يقظة الناس وفضح تلك التصرفات لحدثت الكارثة فأين
حبه لمصر يا ترى ، وقال مثل ما قال قوم لوط إنه مستعد لتسليم السلطة لولا أن البلد
سيقع تحت أيادي الأناس المتطهرون ، عين ما قال قوم لوط : ) قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ
إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ) الأعراف82 ،
وبعد أن وقع الفأس في الرأس قال فرعون : )
آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو
إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ
وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ
لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا
لَغَافِلُونَ
(يونس92 قلت ..
الخطبة الثانية :
أما بعد عباد الله : فإن لله سننا ونواميس
لا تتغير ، وإذا قضى الله أمرا ، كان مفعولا ، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي
عن بينة ، ومن سنن الله ونواميسه في التبادل أن يتفضل على المستضعفين في الأرض ،
فيجعلهم قادة في الخير ليبتليهم ويختبرهم : )
قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء
وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء
بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) آل عمران26 ، قال عز من قائل كريم : )وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ
عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً
وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) القصص5 ، وَجَعَلْنَاهُمْ
أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ
وَإِقَامَ الصّلا ةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ) الأنبياء73 ، وحتى يتحقق ذاك فعلى الأمة في وجه العقبات التزام
الواجبات العشر التالية :
1)الاعتزاز بالله من خلال معرفته والاعتماد في الأمر كله عليه .
2)عدم الخوف والرهبة إلاّ من الله جل جلاله .
3)أداء الفرائض واجتناب النواهي .
4)التخلق بالفضائل والمكرمات ، والتمسك بالكمالات .
5)الإقبال على مدارسة القرءان والسنة والسيرة واستلهام العبر منها .
6)
الاهتمام بالناحية العملية والابتعاد عن الخلاف والجدل .
7)التحاب والتعاون والإيثار والحرص على روابط الأخوة .
8)الثبات على المبدأ ، بأن لا تُقعده الشدة ، ولا يلين عند الرخاء .
9)السمع والطاعة للقيادة الميدانية المختارة لقيادة التغيير .
10)ترقب النصر وتأييد الله سبحانه وتعالى
القائل جل جلاله : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ
تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ
خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً
فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا
نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ * يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ
لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ
أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت
طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ
)
الصف10 ، ترقبوا النصر وأكثروا من الدعاء والتبتل إلى
الله وحسن الصلة به سبحانه وتعالى وصلوا ..
خطب جمعة بسيئون
11/2/2011م