الخطبة الأولى
الحمد لله .. الحمد لله معزِّ الإسلام بنصره، ومُذِلِّ الكفر بقهره، ومصرف الأمور بأمره، ومُديم النعم بشكره، ومستدرج الكفار بمكره، الذي قدَّر الأيام دولاً بعدله فقال (وتلك الأيام نداولها بين الناس )، وجعل العاقبة للمتقين بفضله ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد،يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء وهو على كل شيء قدير واشهد أن محمدًا عبده ورسوله، داحض الشرك، ومزيل الشك صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه والتابعين لهم بإحسان.ثم أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله( ومن يتق الله يجعل له محرجا ويرزقه من حيث لايحتسب ): (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) أيها المؤمنون الأحرار :- يامن ترفضون حياة الضعف والهوان وحياة الصغار والحرمان وحياة الذل والظلم والجوع والاستبداد والقتل والطغيان . ويامن تريدون حياة الحرية والأمن والامان والاستقرار اسمعوا لقول الشاعر وهو يقول :
لاتسقني ماء الحياة بذلة بل فاسقني بالعز كاس الحنظل
فمن اراد العزة والكرامة فعليه بالتقدم وعدم السكوت فان القدر سيستجيب والليل سينجلي والقيد سينكسر وان الضر سينكشف وان الظلم والقهر سيزول لذلك لابد للمؤمن أن يظل عالي القامة عالي الهامة لاتطوية شدة ولاتاخذه نازلة , فيامن يريد العزة والحرية والأمن والأمان والاستقرار اسمع إلى الله وهو يمدح اولئك الاحرار وهو يقول عنهم ( والذين اذا أصابهم البغي هم ينتصرون )والشعوب التي خرجت اليوم والتي تطالب بالتغيير ورحيل الظلم لانه اصابها البغي اليوم وعلى مدى سنوات طويلة اصابها الظلم والقهر والقهر والاستبداد والقتل والفساد , نعم بعد طول ليل العبودية والظلم والطغيان لابد لليل ان ينجلي ولابد ان يستجيب القدر ولابد للقيد ان ينكسر ولابد للحق ان ينتصر
اذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد ان يستجيب القدر ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر لذلك لابد لنا أن ننتصر وننتفض ونثور ونأمر بالمعروف وان ننهى عن المنكر..لذلك عبــــــــاد الله :- يذكر لنا القران مثلا للإرادة والانتفاضة والثورة فبعد طول ليل العبودية والظلم والطغيان الذي عاشه بني إسرائيل على يد فرعون وجنوده أذن الله بتغيير الحال فأرسل موسى عليه السلام وكتب على يديه الخلاص من هذه الحياة البائسة واغرق فرعون وجنوده وأراد موسى عليه السلام أن يغير في بني إسرائيل ثقافة العبودية والذل والهوان التي عاشوها وتربوا عليها إلى حياة الحرية والعزة والكرامة .. ولأن التغيير لا يمكن أن يحدث إلا عندما تكون هناك إرادة حقيقة وصادقة في النفوس فكان الامتحان الأول لهم بأن أمُروا أن يدخلوا الأرض المقدسة فقال تعالى( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ) فماذا كان ردهم ؟ قال تعالى ( قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ) إنهم يعلنون أنهم لن يدخلوا الأرض المقدسة حتى يخرج منها أهلها … وكأن سكان البلاد الأصليين سوف يقولون لهم تفضلوا واسكنوا أرضنا ونحن خارجون إلى غيرها، دون قتال ولا جهد … إنها فلسفة النفوس الجبانة التي ترفض دفع ثمن العزة والحرية، فتدفعها أضعافاً مضاعفة مع الذل والعبودية والهوان … لقد كان المطلوب منهم مجرد الدخول وبعدها سيكون لهم الغلبة والنصر والتمكين ( قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)لكن الإرادة الصادقة لم تكن موجودة وكانت العزيمة مفقودة ولم يتعظوا ولم يعتبروا بما حدث لهم من قبل بل قالوا لموسى عليه السلام ( إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) فكان العقاب الإلهي جزاءاً وفاقا فالذي لا يريد أن يقدم أو يضحي من وقته أو ماله أو جهده أو حتى حياته من أجل سعادته وراحته وكرامته أو من أجل نجاحه وتفوقه أو حتى من أجل أمته ودينه ومجتمعه فإنه لا يستحق التأييد الإلهي والتوفيق الرباني بل إنه يسقط من عين الله ويحل عليه سخطه وغضبه قال تعالى مبيناً قدره وحكمه فيهم ( قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) فبعد الذل والقهر والحرمان ضياع وسخط من الله وخذلان. عبــــــــاد الله :- هذه سنة الله في خلقه وقدره في أرضه وسماءه فمتى ما وجدت الإرادة الحقيقة في النفوس لإحداث التغيير في واقع الحياة على مستوى الفرد والأمة فإن الله سبحانه وتعالى يأذن بذلك فهو القائل ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) .. فالطالب لا ينجح إلا بإرادة قوية في النجاح وعليه أن يتحمل تبعات ذلك من بذل الجهد والسهر والتعب والتاجر لا بد له من إرادة قوية تقوده إلى تحقيق الطموح المنشود فيبذل الأسباب ويفارق الأهل و الأوطان من أجل ذلك وهكذا المزارع والمدير وصاحب المؤسسة والمصنع والباحث والمخترع وغيرهم فإذا لم تكن هنالك الإرادة الحقيقة والصادقة لإحداث التغيير والوصول إلى المطلوب كان هناك الفشل والضعف عندها يصعب تبدل الأحوال و تحقيق الأهداف .. هذا على مستوى الأفراد فكذلك على مستوى الأمم والشعوب والمجتمعات والدول والحضارات .. لذلك كان الامتحان الأول لهذه الأمة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امتحان إرادة ففي يوم بدر خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يريدون استعادة أموالهم من قافلة لقريش قادمة من الشام فعلمت قريش وأرسلت جيشاً لحماية القافلة قوامه ألف رجل بأسلحتهم ولم يكن عند رسول الله ولا أصحابه استعداد لهذه المعركة لكنها فرضت عليهم وعددهم وأسلحتهم قليلة عندها وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه أشيروا عليّ أيها القوم فقال المهاجرون وعلى رأسهم المقداد بن الأسود فقال : والله يا رسول الله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون .. وقام الأنصار وعلى رأسهم سعد بن معاذ فقال : فو الذي بعثك بالحق ، لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد. ووالله إنا لا نكره أن تلقى بنا عدونا غدا ، إنا صدقٌ عند اللقاء ولعلك ترى منا ما تقر به عينُك، فسر على بركة الله ) عندما رأى منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الإرادة الصادقة والعزيمة القوية قال لهم: (سيروا وابشروا فإن الله وعدني إحدى الطائفتين والله إني لأنظر إلى مصارع القوم )إخـوة الإيمــان : - من هنا يتبين أن من أدوات التغيير .. الإرادة والعزيمة والإصرار وهي صفة من صفات أهل الإيمان وإن الخور والضعف وسقوط الهمم علامة من علامات الهوان وسببٌ للهزائم والنكسات وانظروا إلى حال المنافقين في غزوة تبوك فقد كان دورهم قبل المعركة تخذيل الناس عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعوتهم إلى الركون للدنيا ، حيث كان الوقت وقت اشتداد الحر ، وقطف الثمار، وكان الناس يفيئون إلى ظلال الأشجار، وهو وقت ميلان النفوس إلى الدعة والكسل والراحة ، وقد وصف القرآن الكريم تلك الحال فقال تعالى: { وقالُوا لا تنفروا فِي الحر قل نَار جهنم أَشد حرا لو كانوا يفقهون } و قال تعالى: { ومنهم من يَقول ائذن لِي وَلا تفتني أَلا فِي الفتنَة سَقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين } ولأنها لا توجد إرادة صادقة في نفوسهم فقد كره الله خروجهم والمشاركة في شرف الجهاد والقتال في سبيلالله فقال تعالى: { ولو أَرادوا الخروج لأَعدوا لَه عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثَبطهم وَقيل اقعدوا مع القاعدين } ذلك أن سنة التغيير لا يجريها الله إلا على أيدي أصحاب الهمم العالية والإرادات الصادقة .. لقد خرج المسلمون في أصقاع الأرض ينشرون التوحيد ويقيمون العدل وهم قليلي العدد والعدة لكنهم يحملون أرادة عظيمة وعزيمة لا تقف أمامها الصعاب ولا تثنيها عن هدفها الظروف والأحول حتى قال ملك الصين وقد استنجد به كسرى ملك الفرس وهو يرى جيش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد يداهم حصونهم ومدنهم : لا طاقة لي بقوم لو أرادوا خلع الجبال لخلعوها .. وعندما أراد صلاح الدين الأيوبي تحرير المسجد الأقصى بعد تسعين عام من الأسر في أيدي الصليبيين كان له النصر والتمكين وحُرر المسجد الأقصى .لذلك ينبغي ان نسعى لتكون لدينا ارادة نستطيع من خلالها تربية انفسنا لابد لنا من ارادة تحل مشاكلنا وتتالف بها قلوبنا وتقوي بها اخوتنا ارادة يزدهر بها الوطن ويسود فيها الامن والعدل والحب والاخاء والتراحم ويؤمر فيها بالمعروف وينهى فيها عن المنكر ارادة يقوم كل فرد منا بواجباته الرجل والمرأة والصغير والكبير والحاكم والمحكوم ... إرادة تبلغنا رضوان الله ومغفرته ورحمته .. بالله من الشيطان الرجيم (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ ). قلت ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه
الخطـبة الثانية
الحمد لله رب العالمين
عبـاد الله :- كلنا يرى ويتابع مايجري اليوم في عالمنا العربي من احداث عظيمة تسقط فيها دول وتزهق فيها أرواح أبرياء لا لشيء الا انهم ارادوا التغيير وارادوا زوال الظلم وارادوا الحياة الكريمة لهم ولابناءهم (وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ) وقد اعد الله لمن يقتل مسلما اعد له العذاب الاليم فقال ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا اليما ) ...
ايها المؤمنون :- ان الناس اليوم في العالم العربي قد تذمرت من الظلم والبغي والفساد وسوء الادارة ونهب الاموال واستعباد الناس وتمكين السفهاء كل ذلك جعل الناس تخرج اليوم وتنتصر وتنتفض فقوبلوا بالقتل والضرب والاعتداء والسجن وهذا لايجوز لقول النبي (صلى الله عليه وسلم ) وهو يذكرنا بحرمة الدماء والأموال والأعراض: ( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه )، فلا يعفيك أو يعذرك يامن إذا ارتكبت شيئاً من ذلك بأنك عبد المأمور، لا يجوز لك ذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ). لذلك عباد الله ان مايتعرض له النس اليوم من قتل واعتداء وهم يطالبون بحقوقهم انما هو ضريبة ثمن العزة والحرية والكرامة ولعلها تكون ساعة الانتصار للمظلومين على الظلمة ( ولتعلمن نباءه بعد حين ) وسيجعل الله للمظلومين على الظالمين سبيلا كما قال ( ولمن انتصر بعد ظلمه فاولئك ماعليهم من سبيل انما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الارض بغير الحق اولئك لهم عذاب اليم ) ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) فعلينا عباد الله بقول النبي (صلى الله عليه وسلم )( انصر اخاك ظالما او مظلوما – ان تنصر الظالم بردعه عن الظلم -) وعلينا عباد الله وفي ظل هذه الاعتصامات والمظاهرات علينا ان نحافظ على الممتلكات العامة والخاصة من النهب او التخريب والحرق وعلينا بالتراحم والتآخي ونبذ الفرقة والشحناء والبغضاء ( انما المؤمنون اخوة فاصلحوا بين اخويكم واتقوا الله ) اللهم احقن دماء المسلمين ووحد صفهم واجمع كلمتهم اللهم انا نسألك أن تهدينا إلى السنن ونعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن .. هـذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة؛ نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما)
إضافة تعليق