الحمد لله ......
أيها الإخوة المؤمنون :
الكثير من الناس لا يعرفون من هو الحاكم ؟
من هو الرئيس ؟ من هو الزعيم ؟ وما هي حقوقه وما هي واجباته تجاه شعبه ؟ هل الحاكم
أو الرئيس أو الزعيم يحكم الشعب أم يملكه ؟ إن الأصل في الحاكم انه شخص أجير عند
الشعب استأجره الشعب للقيام بمهمة معينة وهي إدارة شؤون البلاد ومن المعلوم انه إذا
انتهت مدة الأجير انتهى العقد الذي بينه وبين المستأجر، وقد ينتهي هذا العقد أو يعتبر
باطلا قبل نهاية مدته إذا اخل الحاكم الأجير بشروط هذا العقد ، والعقد الذي بينه
وبين الشعب هو الدستور، ومن حق الشعب أن يحاسبه إذا اخل أو يعزله إذا لزم الأمر ذلك
، ولكن امتنا اليوم ابتليت بحكام لا يعتبرون أنفسهم أجيرين عند شعوبهم بل اعتبروا أنفسهم
ملاكا لهذه الشعوب يملكون كل شي ، يملكون الشعب ويملكون الثروة يملكون الأرض وما عليها
ويملكون البحار وما في باطنها ويتصرفون هم وأبناؤهم وعشيرتهم كما يشاءون وحصنوا أنفسهم
من المحاسبة والمسائلة بالرغم من أن الوحيد الذي لا يساءل عما يفعل هو الحق سبحانه
وتعالى ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) .
ولكن هذه الشعوب بعد أن طال عليها أمد الظلم
والكبت والإذلال والحرمان ها هي اليوم تنادي بأعلى صوتها تطالب بإزاحة هولاء
الحكام المستبدين، وان شباب الأمة اليوم أيقظتهم لسعات الظلم وأنات الجرحى وضحايا
التعسف فأخذتهم الغيرة على الأمة واطلقو الصيحات في وجه الحاكم الظالم يقولون له
نحن هنا لا تزال بنا نبضات من الحرية والكرامة التي لم تخمدها سياطكم ولا جبروتكم ويقولون
بأعلى صوتهم كفى كفى .. ارحلوا عنا ..
منطلقين في ذلك من قول الله عز وجل الذي كرم الإنسان : ( لا يحب الله الجهر بالسوء
من القول إلا من ظلم ) وقوله سبحانه وتعالى ( والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون
) والثورات الشعبية السلمية التي نراها اليوم ما هي إلا نتيجة لأنظمة استبدادية
ديكتاتورية مزمنة فمنها من حكم شعبه أكثر من 30عاما بل وأكثر من 40عاما ولا زالوا
متمسكين بكراسي الحكم المتهالكة ولو دمروا شعوبهم وأبادوها قدوتهم في ذلك فرعون
عندما قال ( ذروني اقتل موسى ..) .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن الحكام المزمنين المستبدين اليوم يسيرون
على طريق زعيمهم الأول فرعون الذي اخذ يبث الشائعات على موسى وقومه ويبدي حرصه على
البلد بأنه لا يستطيع أن يحكمها إلا هو ( إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض
الفساد ) فرعون يخاف من موسى أن ينشر الفساد في الأرض وحكام اليوم يهددون بأنهم إذا
رحلوا عن السلطة فستدخل البلاد في حرب أهلية وسيحصل الانفصال والتشرذم والشعوب
تعلم انه بزوال هولاء الحكام ستزول كل هذه المصائب لأنها إنما هي بسب أنظمة حكمهم
الفاشلة ..
أيها الأخوة الأحباب :
لقد مرت ستة أسابيع من عمر الثورة الشبابية
في اليمن ولا زال الشباب في كل أنحاء اليمن متمسكون بمطالبهم المشروعة يواصلون
ثورتهم السلمية التي لم يحملوا فيها سلاحا ولم يطلقوا رصاصة والأمل في قلوبهم بان
الله سبحانه وتعالى سينصرهم ولم يدب إليهم اليأس لحظة شعارهم في ذلك قول الله
سبحانه وتعالى ( إن مع العسر يسرا .. إن مع العسر يسرا ) فما هو واجبنا نحن في هذه
المرحلة الهامة من عمر اليمن ؟ إن واجبنا اليوم يمكن أن نجمله في الرسائل التالية
:
أولا : رسالة إلى الشباب إلى شباب اليمن
نقول لهم إن لهذه المحنة التي يمر بها اليمن ثمرات وفوائد عظيمة أكبرها هو ما نراه
اليوم من توحد لصفوف الشباب على اختلاف انتماءاتهم السياسية والقبلية والمناطقية
وعلى اختلاف تبايناتهم الدينية وهم يعملون صفا واحدا من اجل خدمة بلدهم ونجدها
فرصة هنا أن نتوجه بالشكر لأولئك الشباب الأوفياء الذين حملوا على عاتقهم حماية مناطقهم
ومدنهم وإحيائهم من عبث العابثين وقاموا بتشكيل اللجان الشعبية وترتيب الحراسات
الليلية مساندين بعملهم هذا أجهزة الأمن التي تقع عليها المسؤولية أولا وأخيرا .
ثانيا : رسالة نوجهها إلى إخواننا التجار : أن
لا يستغلوا هذه الأزمة التي تمر بها البلد في التكسب والتربح على حساب إخوانهم
الموطنين من خلال رفع الأسعار أو الاحتكار أو إخفاء بعض السلع الأساسية فان ذلك من
الكسب غير المشروع وان يتقوا الله في إخوانهم بل يسعوا إلى توفير كل السلع
الضرورية حتى لا تحصل اختناقات يتضرر منها الناس وليعلم إخواننا التجار أن النبي
صلى الله عليه وسلم قد قال : ( التاجر الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء ) .
ثالثا : رسالة الى الجميع أن يكونوا عند
مستوى المسؤولية وان يوثقوا صلتهم بالله عز وجل وان يكثروا من الطاعات ويبتهلوا إلى
الله بالدعاء وان يحافظوا على تلاوة القران والأذكار وغيرها من القربات قال تعالى
( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغير ما بأنفسهم ..) .
كما ننبه إلى انه في أيام الأزمات تكثر
الشائعات التي يبثها المثبطون والمنافقون ليفرقوا الصفوف ويثبطوا العزائم ويفتوا
في عضد الشباب لإبعادهم عن الهدف الذي يسعون إلى تحقيقه إلى صراعات جانبية
المستفيد الوحيد منها هو النظام وزبانيته أما الذين لا زالوا مترددين أو متخوفين
وهم قلة فقد آن الأوان أن يقفوا إلى جانب الحق وأهله فالحق أحق أن يتبع .
الخطبة الثانية :
الحمد لله .....
أيها الأخوة الأعزاء :
رسالتنا الرابعة نبعثها إلى المتسرعين في إصدار
الفتاوى المؤيدة للظلمة والمستبدين ، إلى الذين يتباكون على الحاكم ولا يعنيهم شأن
الأمة ، يسمعون صيحات الشعب من الظلم وأناته من التعسف ويفسرون ذلك بأنه خروج على
الحاكم ، يرون الجراحات والآلام التي أثخنت كل فرد على يد الظالم فلا تعنيهم ولا تتحرك فيهم إنسانية ولا رحمة ولا غيرة ،
ينظرون إلى حال السلطان بكل عطف وإشفاق ، لا يريدون أن يتغير من ملكه وأبهته
وسلطته شيئا ليظل كما هو يفعل ما يريد دون أن يجد محاسبا ولا منكرا ولا مسائلا له
عن تصرفاته مهما خالفت الشرع والدستور والقانون والعرف والعقل ، لقد نسي هولاء أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تأخذه الغيرة على امتهان الحيوان الأعجم وكان
يحذر من إيذائه فضلا عن إيذاء الإنسان ، فضلا عن إيذاء المسلم ، فضلا عن سفك الدم
الحرام ، كل هذا وغيره لا يعنيهم ، إنما الذي يعنيهم فقط هو استمرار الحاكم في
حكمه واستمرار الأمة في ذلها ومهانتها وسلب حقوقها ، وليلزم الجميع الصمت وليقولوا
سمعنا واطعنا لكل حق وباطل فإذا خالفوا فإنهم أصحاب فتنة ، والفتنة في تصورهم ليست
في إذلال الإنسان وإفقاره ونهب ثرواته وإزهاق روحه ، إنما الفتنة في نظرهم في
المطالبة بالحقوق والحريات المسلوبة ، ويزعمون أنهم هم وحدهم من يفهمون الشرع ومن
خرج عن فهمهم فهو صاحب فتنة ..
أيها الأخوة المؤمنون
لقد تحدثنا في بداية الخطبة أن الحاكم أجير
لدى الشعب والعقد الذي بينه وبينهم هو الدستور الذي حلف على تطبيقه ثم نقض ذلك
ومما يطعن في صحة الولاية كثرة الكذب على الأمة والملك الكذاب من أقبح الناس منزلة
عند الله يوم القيامة ففي الحديث ( ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا
يزكيهم ولهم عذاب اليم شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر ) والحاكم اليوم اؤتمن عل أموال
الناس وثروات البلد فعبث بها هو وأبناؤه ومن حوله ، وقد عرف بالكذب حتى لم يعد
الناس يصدقونه ، وعاهد على الالتزام بالدستور فلم يف بعهده ، واؤتمن على أرواح
الناس فسفك دماء من يطالبون بحقوقهم ، وعلى هذا فطاعته غير واجبة ورفض ولايته
والمطالبة بتغييره لا تعتبر من الخروج غير المشروع على الحاكم خاصة عندما تكون
المطالبة بوسائل سلمية ولا يعد ذلك خروجا على الحاكم ولكنه خروج على تعسف الحاكم
وظلمه (هذا ما أفتى به العلماء الثقات).
أما
ما يتعلق بالاعتصامات والمسيرات السلمية( أؤكد السلمية) بأنها من الأمور الجائزة
التي سكت عنها الشرع ولا حرج في القيام بها إذا كانت تحقق مصالح الأمة وقد رأينا
المصالح التي تحققت في دول أخرى كما أنها من الأمور التي كفلها دستور البلاد
.
وصلوا ...
خطبة جمعة بمسجد عمر
حيمد بسيئون – سالم عبود خندور 1/4/2011م