إن الحمد لله .......
أيها الإخوة المؤمنون
إذا أردت أن تبني صرحا عظيما فلا بد أن يبدأ
هذا البناء على أساس متين ، وأساس هذا البناء كله : اللبنة السليمة ..اللبنة
الصالحة في بنيان المجتمع هو الفرد الصالح هو المسلم الصالح الذي ذكر الله سبحانه
وتعالى صفاته في سورة عظيمة قال عنها الإمام الشافعي : لو عمل بها الناس لكفتهم
سورة آياتها قليلة تكتب في اقل من سطرين لكن معانيها عظيمة , هذه السورة رسمت
منهجا كاملا للإنسان في الحياة إنها سورة العصر ( والعصر إن الإنسان لفي خسر ................................)
فأول شروط النجاة في الدنيا والآخرة هو
الإيمان .. الإيمان أولا : ( إلا الذين آمنوا ) أول شروط النجاة قبل كل شيء هو
الإيمان سلامة العقيدة , ظل النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر عاما في مكة لا هم
له ولا شغل له إلا أن يغرس العقيدة في العقول والنفوس ,أن يبني التوحيد الصحيح , أن
يطرد عبادة الطاغوت ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا
انفصام لها ) لقد جاء الأنبياء جميعا ليحرروا الناس من عبادة الطواغيت أيا كان هذا
الطاغوت ، فالطاغوت هو كل ما يعبد ويعظم ويطاع طاعة مطلقة من دون الله ,أكان صنما
أو وثنا أو حيوانا أو جنا أو بشرا أو حاكما أو زعيما قال تعالى ( ولقد بعثنا في كل
امة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) .
وأول ما يطالب به المسلم أن يقوي إيمانه
بالله ولقد جعل الله للمسلم مصحفان يقوي بهما إيمانه مصحف ناطق هو القران ومصحف
صامت هو هذا الكون لا بد للإنسان أن يقوي إيمانه بالتأمل في كتاب الله وتدبر آياته
مما يقوي إيمانه بربه ويقوي إيمانه بلقائه وحسابه وجزائه .. ولكن أيها الإخوة ما
هو الإيمان الذي نريد ؟ إن الإيمان ليس كلاما نظريا وليس خطبا تلقى ومحاضرات تعطى
ومتون تحفظ ، بل نريد إيمانا عمليا يثمر عملا في الواقع نريد إيمانا يمنع المسلم
من تعاطي الحرام ويجعله يتحرى الحلال , نريد إيمانا يمنع المسلم عن الكذب والغيبة
والنميمة ويجعله لا يقول إلا صدقا ، نريد
إيمانا يمنع الحاكم الظالم عن ظلم شعبه ويجعله حاكما عادلا , إيمانا يمنع الظلمة
والطغاة من أن يقتلوا الناس حتى يظلوا على كراسي السلطة هم وأبناؤهم ، إيمانا يمنع
الحاكم من العبث بأموال الشعوب ونهبها ويجعلهم حكاما أمناء على شعوبهم وثرواتهم ،
إيمانا يجعل المسلم قويا لا يخاف من قول الحق وكلمة الحق في وجه الظالم، إيمانا
يمنع المسلم عن نشر الشائعات التي يسمعها من هنا وهناك غير مبال بما يترتب على نشر
هذه الشائعات من إقلاق للمجتمع وترويع للناس وإيغار الصدور ضد بعضها البعض ...
أيها الإخوة الكرام :
ثانيا : العمل الصالح : وهو الشرط الثاني
للمسلم الناجي ( وعملوا الصالحات ) وكما ذكرنا في النقطة الأولى , إن الإيمان
الحقيقي هو الذي يثمر عملا صالحا وأسلافنا قالوا : علم بلا عمل كشجر بلا ثمر
وكسحاب بلا مطر , ولهذا نجد القران حينما يعرض علينا حقائق الإيمان يعرضها في صورة
أخلاق وأعمال قال تعالى : ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا
تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون , الذين يقيمون الصلاة ومما
رزقناهم ينفقون ) فثمرة الإيمان كما وردت في الآية ذكر الله وهي عبادة قوليه وخشية
لله وتوكل عليه وهي عبادات قلبية واقام الصلاة وهي عبادة فعلية ، والإنفاق وهي عبادة مالية ..فلا فائدة من إيمان
لا يتبعه عمل صالح فلا بد أن يتجلى الإيمان إلى عمل , وكان أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم لا يعرفون الإيمان إلا مقرونا بالعمل , كما علمهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم ولهذا قال : ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) فقد كانوا أسرع
الناس إلى العمل والى الجهاد والى البذل , إذا نزلت آية كانوا أسرع الناس إلى
تنفيذها ,لم يكن القران ينزل لمجرد أن يتلذذوا بتلاوته أو سماعه ولكن كانوا
يجعلونه واقعا حيا في حياتهم ومسيرتهم .. كان بشر بن الحارث – المعروف ببشر الحافي
– يقول لطلبة علم الحديث : يا أصحاب الحديث أدوا زكاة حديثكم , اعملوا من كل مائتي
حديث بخمسة أحاديث على الأقل أي ربع العشر , إذ لا معنى لطلب الحديث وأنت لا تعمل
به ولا معنى لان تقرأ الكتب ولا تعمل بما فيها وتسمع المحاضرات وأنت لا تطبقها على
نفسك ..
أيها الإخوة المؤمنون :
إن آفة كثير من المسلمين هي ضعف العمل مسلم
يصلي ويصوم ويزكي وربما تجده يزاحم على الصف الأول وهنا أمر محمود ولكنه في جانب
آخر تجده مقصرا كثيرا، تبحث عنه في صفوف الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر فلا
تجده تبحث عنه بين الشباب الذين يطالبون بحقوقهم وحقوق شعبهم وأمتهم فلا تجده ،
تبحث عنه في صفوف المناضلين السلميين فلا تجده وربما فرط في كثير من حقوقه بهذه
السلبية ، تريد منه موقفا يساند مظلوما أو يقف مع صاحب حق فلا تراه ألا يخذلك
، شعاره الوحيد في ذلك شعار المثبطين
والمخذلين من عامة الناس , الذي لا يخدم إلا أعداء الشعب وهذا يأتي من الفهم
القاصر للدين ومن الفهم الناقص للعبادة فالعبادة كما عرفها العلماء هي ( أسم جامع
لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة ) بل إن الإسلام
جعل الصدع بكلمة الحق في وجه السلطان من أعظم الجهاد قال صلى الله عليه وسلم ( وكلمة
حق عند سلطان جائر ) .
أيها الإخوة الأعزاء :
أما الشرط الثالث الذي دلت عليه سورة العصر
هو التواصي بالحق ( وتواصوا بالحق ) والتواصي تفاعل من الجانبين , أي توصي غيرك
بالحق وفي نفس الوقت تقبل من غيرك الوصية بالحق ، فليس احد اكبر من أن يوصي فالحق
فوق الجميع ، والحق أحق أن يتبع وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع إلى
النصيحة من أصحابه ينصحونه بها ويستمع إلى الرأي فيترك رأيه أحيانا وينزل على رأي
أصحابه في وقائع مختلفة روتها كتب السيرة , وكان أبو بكر رضي الله عنه يقول على
المنبر في أول خطبة له أيها الناس إن رأيتموني على حق فأعينوني وان رأيتموني على
باطل فسد دوني ، أطيعوني ما أطعت الله فيكم فان عصيته فلا طاعة لي عليكم ، وكان
عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : مرحبا بالناصح أبدا الدهر، مرحبا بالناصح غدوا
وعشيا ، رحم الله امرءا أهدى إلي عيوب نفسي . ولما نصحه بعض الناس وقال له اتق
الله يا أمير المؤمنين , غضب بعض من حوله وقال : أتقول هذا لأمير المؤمنين فقال
عمر : دعوه لا خير فيكم إذا لم تقولها ولا خير فينا إن لم نسمعها .
وان شر ما ابتليت به امة الإسلام اليوم هو
أن كثيرا من المسلمين لا يتواصون بالحق قل الناصحون، وقل من يقبل النصيحة ، وخاصة
من الحكام نعم من حكام الأمة ومن حكام العرب والمسلمين الذين يرون أنفسهم فوق
النصيحة ، لا يقبلون نصيحة من احد كان من كان فرأيهم وحدهم هو الصحيح والجميع على
خطأ ، كلامهم يجب أن ينفذ وكلام غيرهم خطأ يجب أن يرمى عرض الحائط ، شعارهم في ذلك
رأيي صواب لا يحتمل الخطأ ورأيي غيري خطأ لا يحتمل الصواب ، وبسب ذلك أوصلوا
شعوبهم ودولهم إلى ما أوصلوها إليها من الحروب والدمار ,ولا بد هنا أن نقف مع ما
يجري في يمننا هذه الأيام من اتجاه الأوضاع إلى العنف لإخراج ثورة الشباب عن
سلميتها ولكن أنى لهم ذلك ، بل ويضع الجميع أيديهم على قلوبهم من أن تتجه الأوضاع
نحو الحرب الأهلية ، فالحاكم لم يعد يسمع لأي نصيحة لم يستمع لنصيحة العلماء ، ولم
يستمع لنصيحة العقلاء ، لم يستمع لنصيحة الأشقاء من دول الجوار، لم يستمع لنصيحة
الأصدقاء من دول العالم .. وبالرغم من ذلك فلا بد أن يستمر الناصحون في نصحهم وان
يستمر العقلاء في مساعيهم. ونوجه خطابنا إلى أولئك الصامتين من العلماء ومن
إخواننا الدعاة من الخطباء والوعاظ , من الشيوخ والوجهاء نطالبهم بان يقولوا كلمة
حق في ما يجري أمامهم , أن يقولوا للظالم أنت ظالم ، يرون الأوضاع تتجه نحو الأسوأ
وهم صامتون ، يرون دماء الشباب تسفك وهم صامتون ، يرون أرواح المشايخ والوجهاء
تزهق وهم لا يتكلمون، يرون البلاد على شفاء حرب وكأن الأمر لا يعنيهم ، إلى متى
هذا الصمت ؟ هل انتم خائفون ؟ أم انتم موافقون على كل ما يجري في البلاد من ظلم
ومن قهر ومن سفك للدماء ؟أين الشهامة ؟ أين النخوة ؟ لقد خرج الشباب وخرج الطلاب
وخرجت النساء الجميع خرجوا وقالوا : للظالم أنت ظالم وانتم تنظرون , والله إنها
مسؤولية وأمانة في أعناقكم ستسألون عنها يوم القيامة أمام الجبار يوم يقول ( لمن
الملك اليوم ) في ذلك اليوم لا ملك لرئيس ولا لحاكم ولا لزعيم ولا سلطان ولا أمير (
لله الواحد القهار ) والرسول صلى الله عليه وسلم يقول ( الساكت عن الحق شيطان اخرس)
ونطالب الجميع العقلاء والعلماء والدعاة والمسئولين والقادة والعسكريين أن يجنبوا
هذا الوادي وادي حضرموت العنف والدمار والحروب لان فيها الخسران للجميع .
أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم
الخطبة الثانية
الحمد لله ........
أيها الإخوة الكرام الأعزاء :
الشرط الرابع الذي أرشدتنا إليه هذه السورة
العظيمة هو التواصي بالصبر ( وتواصوا بالصبر ) وذلك لأنه لا يؤخذ حق بغير صبر، إذا
تواصى الناس بالحق فان تكاليف الحق ثقيلة ، وان طعم الحق مر وان طريق الحق ليست
محفوفة بالورود بل مليئة بالأشواك، انظروا إلى طريق الحق منذ بعث الله الرسل تجد
الضحايا من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين ولذلك قالوا : لا حق بغير صبر
ومن هنا أوصى الله رسوله فقال : ( فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ) وقد أوصى
لقمان ابنه وصيته البليغة التي خلدها القران فكان مما أوصاه به ( يا بني أقم
الصلاة وأمر بالمعروف وانهى عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور )
واصبر على ما أصابك .. لأنه ما دام سيأمر
بالمعروف وينهى عن المنكر فلا بد أن يوطن نفسه على الأذى , سيناله الناس بأذاهم
رضي أم سخط .. وما دام الإنسان قد حقق الشرط الأول وهو الإيمان فانه لن يبالي بما
أصابه في جنب الله سيستعذب المر ويهون عليه كل ما يلقى في سبيل الله ، فمن عرف
قيمة ما يطلب هان عليه مقدار ما يبذل ، انه يطلب الجنة فلا بد ان يبذل المال
والنفس ( ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان لهم الجنة ) فالإيمان
يهون عليك المتاعب ويسهل عليك المصاعب ..
ومن أنواع الصبر التي ينبغي أن يتحلى بها
المسلم ونحن نعيش أحداث الثورات الشعبية هي الصبر على تأخر النصر لان الله قد يؤخر
النصر لحكمة لا يعلمها الا هو جل في علاه ، فقد يكون تأخر النصر حتى يبذل أهل الحق
كل ما في وسعهم لنصرة الحق الذي ينشدونه فالله لا يريد من الناس أن ينتظروا النصر
وهم قابعون في بيوتهم ، وقد يكون تأخر النصر حتى يظهر الله الباطل على حقيقته
للناس فينكشف للناس حقده وغطرسته وغروره ، كما أن لله سبحانه وتعالى سننه في تصريف
كونه وسننه في تصريف شؤون خلقه ليربي المسلمين على قدرته المطلقة ومشيئته في خلقه
وكونه ، وانه القادر على تدبير الكون والخلق بحكمته وعدله قال تعالى ( قل اللهم
مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء
بيدك الخير انك على كل شيء قدير ) فهذه الآيات فيها إشارة إلى أن الله سبحانه
سينزع الملك من الأكاسرة والقياصرة والملوك والرؤساء ومن الحكام الظلمة المستبدين
ولكن الأمر كله بيد الله فحصول الملك ونزعه تبعا لمشيئة الله تعالى ولقد جاء قول
الله تعالى وتنزع الملك ممن تشاء) ولم يقل تأخذ الملك ممن تشاء وذلك لينبهنا إلى هولاء المتشبثين بكراسي الحكم الملتصقين
بها التصاقا شديدا لن يغادروها إلا بان ينتزعهم الله منه انتزاعا ، وان الله
سبحانه وتعالى إما أن يأخذ الحكم من مثل هؤلاء الحكام الملتصقين بكراسي السلطة أو
يأخذ الحكام أنفسهم ونحن نرى اليوم كثيرا من هؤلاء يوطنون أنفسهم توطينا في الحكم
بالتوريث تارة وبالتمديد تارة أخرى بحيث يصعب خلعهم ولكن الله يقتلعهم من هذا
الملك حين يريد سبحانه ...
فالأمر كله لله وبيد الله سبحانه وتعالى
وبمشيئة الله وإرادته فليس الأمر بيد المخلوقين
، لا بيد السياسيين ولا العسكريين فإنما هؤلاء هم الأسباب الظاهرة لتحقيق
النصر .. والتمكين ..
وصلوا وسلموا ...
- سالم عبود خندور :
- خطبة جمعة 1 رجب 1432هـ الموافق 3 يونيو 2011م بمسجد عمر حيمد (سيئون
– القرن )