الخطبة الأولى
الحمد لله .....
أيها الإخوة الكرام :
قبل أيام قليلة استقبلت الأمة الإسلامية شهر رمضان، شهر له في مجتمعهم تأثير، وفي نفوسهم تأديب، وفي مشاعرهم إيقاظ .. وفضل الله أوقات هذا الشهر على غيره من الأزمان، وأنزل فيه القرآن هدى للناس وبيِِنات من الهدى والفرقان، الذي جعله الله ربيع قلوب أهل البصائر والإيمان، فهو كما وصفه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : (هو كتاب الله، فيه نبأ من قبلكم ، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدي في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه فقد هدي إلى صراط مستقيم) وما أحوجنا اليوم ونحن في شهر رمضان أن نقف في هذه الخطبة مع كتاب ربنا، مع القرآن الكريم، قال الله تعالى : (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن)، وقال تعالى : (إنا أنزلناه في ليلة القدر) فما هو واجبنا تجاه كتاب ربنا، ما هو واجبنا تجاه قرآننا :
أولاً : تلاوته، فإننا في شهر القرآن، وفي هذا الشهر يقبل المسلمون على تلاوة كتاب ربهم، وأمر طيب أن يقبل المسلمون جميعاً على تلاوة القرآن الكريم خلال الشهر، لما في تلاوته من الفضل الكبير، والأجر العظيم .. فقد بشر نبيكم عليه أفضل الصلاة والسلام بذلك الأجر فقال : (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله بذلك حسنة، والحسنة بعشر أمثالها لا أقول (ألم) حرف، ولكن (ألف) حرف، و(لام) حرف، و (ميم) حرف) .. فما أعظمه من أجر يا عباد الله، أجر كبير، فلو قرأت سطراً واحداً من كتاب الله، فكم من الحسنات ستجنيها، فالسطر الواحد في المتوسط يحتوي على أكثر من (40) حرفاً أي (400) من الحسنات من سطر واحد، فكيف بالذي يقرأ الصفحة التي بها (15) سطراً ؟ وكيف بالذي يقرأ الجزء الذي به عشرون صفحة؟ وكم سينال من الأجر من يقرأ القرآن كاملاً ؟
عباد الله :
للأسف بعض الناس تمضي عليه الأيام وربما الشهور لا يقرأ من القرآن إلا ما يقرأ في صلاته، وهذا تقصير كبير، لذا فإن إقبالنا على تلاوة القرآن في هذا الشهر يجب أن يتبعه استمرار في تلاوته ما بعد هذا الشهر، أجل .. إننا لن نظل بنفس العزيمة والهمة ولكن نقول يجب أن لا تقل تلاوتنا للقرآن عن ختمة في الشهر، حتى لا نكتب من الهاجرين للقرآن، ألم تسمعوا شكوى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يشكو قومه لله سبحانه وتعالى بسبب هجرهم للقرآن قال تعالى : (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً)، وأن لا نجعل للقرآن إلا فضول أوقاتنا، بل نخصص وقتاً محدداً في اليوم لتلاوة وردنا من القرآن الكريم، ووردنا من الأذكار، وأفضل الأوقات في ذلك هي ما بعد صلاة الفجر إلى شروق الشمس فهو وقت لا ينشغل فيه أحد، تكون العقول صافية لتقبل آيات الله وتدبرها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه) رواه مسلم . وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على المؤمن قارئ القرآن فقال : ( مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب ، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو ، ومثل المنافق وفي رواية الفاجر الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر.)
ثانياً : تدبر آياته والعمل بأحكامه :
إن القرآن الكريم لم ينزله الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة لنقرأه فقط، وإنما أنزله لنتدبر آياته، فمع تلاوتنا لآيات القرآن يجب علينا أن نتمعن في الآيات ومعانيها، نقف على آيات العذاب ونستعيذ منه، ونقف على آيات الرحمة فنسأل الله رحمته وعفوه، وعجباً لمسلم يقرأ القرآن وكأنه ليس معنياً بما يقرأ فيه، يمر بآيات العذاب الشديد فلا تهتز له شعرة، ويمر بآيات الجنة والنعيم ولا يتأثر بها، فعجباً لمن يقرأ القرآن وكأنه لا يعنيه، فالله يقول : (يا أيها الذين آمنوا) ألست أنت من الذين آمنوا؟ الله سبحانه وتعالى يقول : (يا أيها الناس) ألست أنت من هؤلاء الناس ؟ الله سبحانه وتعالى يقول : (يا بني آدم) ألست أنت من بني آدم ؟ إذن فاعلم أنك عندما تقرأ كتاب الله، فإن الله يخاطبك، وأن كلامه موجه اليك، لذا عليك أن تصغي لهذا الكلام وتعيه، وأن لا يمر عليك مرور الكرام قال تعالى : ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) .
اقرأ الآيات بتروي، لا يكن همك من القراءة أن تصل إلى آخر الجزء أو آخر السورة، فأنت لست مقاولاً في قراءة القرآن، إنما أنت متعبد لله، متدبر لآياته، وإذا تدبرت آيات القرآن، فسيؤثر ذلك على نفسك وقلبك، قال تعالى : (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون) فهل نزداد إيماناً بعد تلاوتنا لآيات الله ؟
أيها المؤمنون :
ثالثاً : العمل بالقرآن وأحكامه : فالقرآن ليس كتاب ثقافة نقرأه ثم نضعه جانباً، كأن شيئاً لم يكن، بل من أهم واجباتنا نحوه العمل بما فيه، فقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتعلمون الخمس الآيات ويعملون بها ثم يحفظونها..
القرآن كتاب عمل، كتاب هداية، إذا أمرنا الله بشيء يجب أن نأتي منه ما استطعنا، وإذا نهانا عن شيء يجب أن ننتهي .. ولما سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت : (كان خلقه القرآن) يا له من تعبير رائع كان خلقه القرآن ، أي أنه صلى الله عليه وسلم كان يتمثل القرآن سلوكاً عملياً .
أقول ما تسمعون .....
الخطبة الثانية :
الحمد لله ........
أيها الإخوة المؤمنون :
رابعا : من واجبنا نحو القرآن الكريم هو تعلمه وتعليمه، نعم .. أن نتعلم كتاب ربنا ونعلمه ، وأن تعلم كتاب ربنا من أعظم القربات؛ لأنه من أشرف العلوم التي يتعلمها المسلم، وما نراه اليوم من إقبال للطلاب على حلقات القرآن الكريم لأمر يثلج الصدر، وما أروع أن نرى أبناءنا متوجهين إلى حلقاتهم حاملين مصاحفهم بأيديهم، ولكن أمر آخر يحز في النفس أننا نرى أن معظم من يتعلمون القرآن اليوم في حلقات المساجد من الأطفال الصغار، ومن الذين يدرسون في الصفوف الصغرى في المدارس، وربما دون سن المدرسة،وهذا أمر طيب ومحمود ولكن أين طلاب الصفوف الكبرى ؟ أين طلاب الثانوية؟ فلا تجد منهم الا أعدادا قليلة أما طلاب الجامعة فهم ربما غير موجودين الا ما رحم الله، وكأن تعلم القرآن الكريم أمر يتعلق بالأطفال الصغار فقط، فأين يذهب أبناؤنا الكبار بين المغرب والعشاء ؟
إن تعلم القرآن الكريم ليس لفئة معينة، ولا لسن معين فالتعلم يكون مدى الحياة من المهد إلى اللحد ، بل إننا نجد – وللأسف – نرى بعضا من حملة الشهادات الجامعية ، وربما خريجي الدراسات العليا من حملة الماجستير والدكتوراه بعضهم لا يقرأ القرآن قراءة صحيحة .. فإننا نوجهها دعوة في هذا الشهر المبارك للجميع بأن نسعى لتعلم كتاب الله سبحانه وتعالى .. فما فائدة شهادة يحملها مهندس كبير أوطبيب ماهر وهو لا يقرأ القرآن قراءة صحيحة .. ما أجمل أن نرى في مساجدنا الأطباء والمعلمون والمهندسون والمثقفون يجلسون في حلقات خاصة للقرآن الكريم يتعلمون كتاب ربهم، وليس عيبا التعلم في الكبر والقرآن أيها الإخوة لا يستطيع أن يتعلمه الإنسان بمفرده، بل لابد أن يتعلمه على يد شيخ أو معلم ..
وينبغي على الآباء أن يحرصوا على تعليم أبنائهم القرآن الكريم، وأن يتابعوهم في ذلك، وللأسف أننا نرى كثيراً من الآباء لا يتابعون أبناءهم في حلقات القرآن، ولا يسألون عنهم، ولا يحرصون على نجاحهم في تعليم القرآن الكريم كحرصهم على نجاحهم في المدارس النظامية، بل إن هدف بعض الآباء هو يريد أن يحفظ ابنه فقط في المسجد خلال هذا الوقت بدلا من الضياع في الشوارع.
ولقد توفرت اليوم وسائل تعلم القرآن الكريم، سواء من خلال الحلقات القرآنية أو من خلال الكليات القرآنية، فلله الحمد والمنة، فإن في بلدنا كلية متخصصة في علوم القرآن، بل وفي مدينتنا كلية متخصصة في القرآن الكريم وعلومه خاصة للفتيات، وهي أول كلية للبنات متخصصة في القرآن الكريم على مستوى الوطن العربي، لمن أراد أن يتخصص في علوم القرآن الكريم .
ولا ننسى هنا أن نتوجه بالشكر والتقدير إلى أولئك المعلمين في حلقات تحفيظ وتعليم القرآن الكريم على ما يبذلونه من جهد في تعليم أبنائنا، شعارهم في ذلك (لا نريد منكم جزاءاً ولا شكوراً) يعملون متطوعين، مضحين بجهدهم وأوقاتهم، لا يتقاضون في ذلك درهماً ولا ديناراً، يبتغون بذلك الأجر من الله سبحانه وتعالى، ويكفيهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم : (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) فهنيئاً لهم الخيرية، وهنيئاً لهم الأجر الكبير من الله سبحانه وتعالى، لأن الدال على الخير كفاعله ..
أخيرا اخواني : هذا القرآن دستورنا نعم أيها الأخوة القرآن دستور هذه الأمة وينبغي للأمة الإسلامية جمعاء أن تتحاكم إلى كتاب ربها وان تحتكم اليه في كل شئون حياتها في سياستها في اقتصادها في حياتها الاجتماعية في سلمها في حربها في علاقتها مع غيرها من الدول ولا يجوز للمسلمين أن يتخذوا شرعا غير شرع الله ولا منهجا غير منهج الله قال تعالى : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الكافرون ) وان ما حل بالأمة الإسلامية وبالشعوب العربية اليوم هو بسبب بعد الحكام عن كتاب ربهم ولو أنهم عملوا بما أمرهم ربهم لما نهبوا ثروات الشعوب ولما استبدوا بشعوبهم سنين عديدة لما قتلوا وسفكوا الدماء لما جعلوا بلدانهم في ذيل القافلة بين دول العالم بل والأدهى من ذلك أن جعل هؤلاء الحكام أشخاصا يسمونهم بالعلماء زينوا لهم باطلهم باسم القرآن وأيدوهم على قمع شعوبهم باسم الإسلام فهذا والله من أعظم المصائب التي حلت بالأمة في هذا الزمان، القرآن منهجنا الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لذا وجب علينا تعظيمه وإجلاله وتوقيره ، فانه كلام ربنا العظيم الجليل وقد أجمع العلماء على وجوب تعظيم القرآن وتنزيهه والحفاظ عليه ، ومن تعظيم القرآن إن لا يمسه إلا طاهر وان نحافظ على المصاحف من الامتهان أو التمزيق وتعهدها بالصيانة فان تعظيم كتاب الله من تعظيم شعائر الله ( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ). نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا وجلاء همومنا وأحزاننا ، اللهم علمنا منه ما جهلنا وذكرنا منه ما نسينا وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار يارب العالمين......
وصلوا وسلموا
ألقيت بمسجد عمر حيمد بتاريخ : 5/رمضان/1432هـ