الحمد لله
..
يقول الله تعالى (
لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له
بلدةً طيبةً وربُّ غفور )
عباد الله :
لله الأمر من قبل ومن
بعد في أن يفضل مكانا على مكان ، وزمانا على زمان وأياماً على أيام وأناساً على
أناس ، وخلقاً على خلق وبلدات على بلدات ، ونبياً على نبي وملكاُ على ملك وهكذا...
أيها المسلمون :
ماذا يعرف اليمنيون عن فضلهم ومكانتهم في
الإسلام وفي التاريخ فإن لليمن مكانة ولأهلها قدر وربما كثير من اليمنيين لا يعرفون ذلك ، فإن معرفة ذلك يجعل اليمنيين
أكثر حلماً وصبراً وأكثر روَّية ونفساً وترابطاً فيما بينهم وألفة وتمسكاً بدينهم
وعقيدتهم
إذا ذكرت اليمن ::
ذكرت الركن اليماني ، وذكرت العلاء بن الحضرمي وأبا موسى الأشعري والمحدث الأمير
الصنعاني ، والعلامة الشوكاني ، وأمير العلماء الكوكباني ، وسيد الوعاظ والزهاد
الخولاني ، إذا ذكرت اليمن ، ذكرت الأوس والخزرج ، والمقدام المدجج ، ذكرت الملكة
بلقيس ، وأسماء بنت عميس ، .. اليمنيون : منهم شاعر رسول الله حسان بن ثابت ، وملك
العرب النعمان ، وخطيب الدنيا سحبان ..
اليمن منهم قبيلة جرهم ، وهم أول من سكن مكة ، ومن نسلهم جاءت قريش وتزوج منهم
إسماعيل ، ومن نسله جاء النبي عليه الصلاة والسلام ، فاليمنيون: هم أخوال النبي
صلى الله عليه وسلم، ومَلكُ اليمن : كَرّبُ ابن أسعد تُبَّعْ ، هو أول من آمن
بالنبي صلى الله عليه وسلم من قبل أن يولد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم . وهو
أول من كسا الكعبة ، وأمر قبيلة جرهم بكسائها كل عام ، أهل اليمن : هم أهل الفصاحة
والصباحة ، هم أهل السماحة والمناحة ، أرقُّ الأمة قلوباً ، هم أهل السكينة
والوقار ، والفقه والاعتبار .. أهل اليمن هم أنصار الرسالة ، ,قادة الجهاد
والبسالة ، اسم اليمن : أشتقَّ من اليُمن ، ومن اليمين ومن الأمانة , ومن الإيمان
، .. وُصِفتْ اليمنُ باليمن السعيد ، ولم توصف بلد في الدنيا بهذا الوصف ، ذكر الله تعالى اليمن ،
وذكر مناطق اليمن ، ذكر الله تعالى سبأ ، وذكر الأحقاق ، ,إذا ذكر قصة أصحاب
الأخدود ، وإرم ذات العماد ، وقصة سبأ وبلقيس وسيل العرم ، والفيل وإبرهه ، فلا
بَّد لزاماً أن تذكر بلاد اليمن ، أهل اليمن : هم أول من أجاب نداء إبراهيم إلى
الحج ، قرأ ابنُ عباس رضي الله عنهما : قول الله تعالى ( وأذن في الناس بالحج
يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ) فقام إبراهيم عليه السلام فنادى
قائلاً : أيها الناس : إن الله كتب عليكم الحج فحجوا ، وبلَّغ الله صوته إلى جميع
الآفاق ، قال ابن عباس : فكان أهل اليمن : هم أول من أجاب إبراهيم عليه السلام .
لما نزل قول الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا
من يرتدَّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين
أعزةٍ على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ) لما نزلت تلك
الآية :( أومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي موسى الأشعري اليمني ، أومأ
إليه – أي أشار إليه ثم قال هم قوم هذا )
أخرجه الحاكم وصححه الألباني ، قال الإمام الشوكاني عن هذا الحديث : إذا
عرفت أنَّ هذه الآية نازلة في أهل اليمن بهذه الأحاديث : فأعلم أنها اشتملت على
مناقب لأهل اليمن ، ولمّا نزل قول الله تعالى ( إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت
الناس يدخلون في دين الله أفواجاً ) قال عليه الصلاة والسلام ( أتاكم أهلُ اليمن :
أرقَّ قلوباً ، الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية ) أخرجه أحمد صححه
الألباني .
أيها الأخوة المؤمنون
:
بشارة عظيمة لكم يا أهل اليمن فأنتم أول الناس
قرباً من حوض رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ، قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم ( إني لَفْي عٌقر حوضي يعني بمكانٍ من حوضي ،
وهو المكان الذي يصطفُّ فيه من يريد أن يشرب من الناس – قال ( أني لفي عُقر حوضي
أَذودُ الناس – يعني أُبعدُ الناس – لأهل اليمن ، أضرب بعصاي حتى ينفض – يعني حتى
يسيل الحوض عليهم ليشرب أولاً أهل اليمن – قال النووي : هذه كرامة لأهل اليمن في
تقديمهم في الشرب منه صلى الله عليه وسلم مجازاةً لهم لحسن صنيعهم ، وتقدمهم في
الإسلام .. والأنصار : الأوس والخزرج : هم من أهل اليمن ، قال : فَيُدفَعُ غيٌرهم
حتى يشربوا ، كما دفعوا في الدنيا عن النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم أعداءه
والمكرهات .. الأنصار اليمنيون دعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرحمة ولأبنائهم وأبناء أبنائهم وفي غزوة
حنين والطائف يوم أنّ قسم رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم الكبيرة ،
وذهب الناس بالشاة والبعير .. ولم يقسم للأنصار من تلك الغنائم شيئاً ، فوجدوا في
نفوسهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمعهم في حضيرة ، ووقف خطيباً فيهم وحمد
الله .. حتى قال : يا معشر الأنصار .. أوجدتم في أنفسكم في لُعاعةٍ من الدنيا
تألفتُ بها قوماً ليسلموا ، ووكلتكم إلى إسلامكم ؟ ألا ترضون يا معشر الأنصار : أن
يذهب الناس بالشاه والبعير ، وترجعوا أنتم – برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
رحالكم . فو الذي نفسُ محمد بيده : لولا الهجرةُ لكنتُ إمرءا من الأنصار ، ولو سلك
الأنصار شعباً ، وسلكت الأنصار شعباً ، لسلكت شعب الأنصار ، اللهم أرحم الأنصار ،
وأبناء الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار .. الله أكبر فبكى القوم بكاء شديداً حتى
أخضلت لحاهم ، وقالوا : رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً وحظّاً ، ثم
أنصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وانفضوا من اجتماعهم الرائع .
أيها المسلمون :
دعا النبي صلى الله عليه وسلم لأهل اليمن : فعن
زيد ابن ثابت رضي الله عنه ، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم : نظر إلى قبل اليمن ،
ثم قال ( اللهم أقبل بقلوبهم ، وبارك لنا في صاعنا ومدّنا ) أخرجه الترمذي وصححه
الألباني ، وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ( الله بارك لنا في شامنا ،
الله بارك لنا في يمننا ) وأهل اليمن : هم أهل النصرة والجهاد قال صلى الله عليه
وسلم ( إنَّ الله استقبل بي الشام ، وولَّى ظهري إلى اليمن ، ,قال يا محمد : أني
جعلت لك ما تجاهك غنيمة ورزقاً وما خلف
ظهرك مدد) مدداً يعني عوناً ونصرةً على الجهاد والغنائم ، أخرجه الطبراني وصححه
الألباني ، وأهل اليمن هم خيارُ أهل الأرض ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما
روى ابن مطعم رضي الله عنه : قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريقٍ
بين مكة والمدينة : فقال صلى الله عليه وسلم ( يوشك أن يطلع عليكم أهل اليمن ،
كأنهم السحاب ، هم خيار من في الأرض فقال رجلً من الأنصار : ولا نحن يا رسول الله
؟ فسكت ، قال : ولانحن يا رسول الله . فسكت ، قال ولا نحن يا رسول الله ؟ قال :
فقال صلى الله عليه وسلم كلمة ضعيفة أخفض بها صوتهُ ، قال ( إلا أنتم ) أخرجه أحمد
وصححه الألباني ، أهل اليمن : هم أهل العبادة ، هم أهل الاجتهاد ، قال صلى الله
عليه وسلم ( إنه سيأتي قوم : تحقرون أعمالهم ، قيل يا رسول الله : أقريش ؟ قال لا
، ولكن أهل اليمن ) رواه أبن أبي عاصم ، وهو صحيح
(أهل اليمن : هم أهل
الشريعة ، وأهل الأمانة ، وأهل القضاء ، قال رسول الله صلى عليه وسلم ( المُلكٌ في
قريش , والقضاءُ في الأنصار ، والأذان في الحبشة ، والشِّرعةُ في اليمن والأمانة
في الأزْدِ ) أخرجه وصححه الألباني .
أيها الأخوة الكرام :
إذا كانت هذه صفات
أهل اليمن , و هذه فضائل أهل اليمن التي وردت على لسان الحبيب المصطفى صلوات الله
وسلامه علية التي نعتز بها نحن معشر اليمنيين فإن الحكمة قد تجلت في أهل اليمن يوم
أن خرجوا يطالبون بحقوقهم لا يحملون سلاحاً , فأبهروا العالم بذلك ورغم أن الشعب
اليمني شعب مسلح و لكنهم تركوا أسلحتهم و راء ظهورهم و خرجوا سلميين مسالمين .
و تجلت حكمة أهل
اليمن يوم احتكموا إلى العقل لحل مشكلاتهم و حفظوا بلادهم و شعبهم من الوقوع في
الحرب الأهلية التي لو وقعت فأنها ستقضي على ما بقي في البلد .
و ستتجلى حكمة
اليمنيين اليوم عندما يهبون لبناء دولتهم الجديدة دولة المؤسسات و القانون ..
و ستتجلى حكمة اليمنيين اليوم عندما يعملون
جميعاً لتأسيس جيش وأمن وطني وظيفته حماية الوطن و المواطن و يسعى لبسط الأمن و
الاستقرار في ربوع اليمن الحبيب .
و ستتجلى حكمة
اليمنيين يوم أن يجلسون على طاولة الحوار في حوار وطني شامل يناقشون كل مشاكلهم و
همومهم و قضاياهم و يخرجون بالحلول لهذه القضايا و يتجهون للبناء و التعمير .
ستتجلى حكمة اليمنيين
اليوم عندما يعززون اقتصادهم و يوفرون عيشة كريمة للمواطن اليمني , تغنيه عن ذل
السؤال , و تضمن له حياه عزيزة .
يا أيها الــيمن السعـــيد تحية *** يشدوا بها التاريخ من ماضي الزمن
يا أرض بلقيس الكفاح وتُبُّعٍ *** يا رَبْعَ حِمْيرَ يا قبائل ذِي يزن
يا سادة الأيام يا من حطــموا *** إيوان كسرى يوم أقبل بالسفن
يٌمّنُ لأنَّ اليٌمْنَ والإيـمان في *** تلك الوجوه فنورٌها يجلُو الحزن
رفعوا معاذاً واستجابوا كلهم *** وأتوا ببيعتهم وغالوا في الثمن
حتى النجوم لكم سُـــهـــيلُ وحـــده
*** لو خيَّروه ما اشتهى إلا اليمن
والــكعـــبةُ الغــــــراءُ سُمّي ركنها
*** الركن اليماني له الأحاديث
والسند
والسيفُ سمي باسمكم من حَسمهِ *** الله كم قطع السلاسل والمحن
أقول ما تسمعون ....
الخطبة الثانية :
الحمد لله ...
أيها الأخوة المؤمنون
:
لقد ربط الحبيب
المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه اليمن بالشام فقال : ( اللهم بارك لنا في شامنا
ويمننا ) فالشام واليمن تربطهما أواصر الأخوة في الاسلام وأواصر العروبة .
أيها الأحبة : إن ما
يجري في سوريا الحبيبة أمر غير مقبول ، غير مقبول، من قتل للأنفس المعصومة بغير حق، وهدم للبيوت
فوق رؤوس ساكنيها، وقصف للأحياء السكنية، وقتل للشيوخ والأطفال والنساء، وترويع
للآمنين المسالمين، وانتهاك لحرمات الأنفس والأعراض، واعتقال وتعذيب وإعدام بدون
سند من شرع أو قانون: أمر لا يستطيع السكوت عليه أي مسلم صحيح الإسلام، أو عربي حر
الأخلاق، أو إنسان حي الضمير، أيا كانت ديانته أو عرقه.
هل يعقل أن يستخدم
الجيش الذي أعد لحماية الشعب في قتله، أو أن تقوم الحكومة التي من واجبها إطعام
الناس من جوع، وتأمينهم من خوف، بتجويع وتخويف الناس، بل بقتلهم، بما فيهم من
أطفال ونساء وشيوخ، ومدنيين مسالمين.
أليس في سوريا عائلة
وطنية غير عائلة الأسد؟ أليس فيها قائد غير بشار الأسد يستطيع تولي أمور البلاد في
مرحلة انتقالية، تتحقق فيها مطالب الشعب، ويحافظ فيها على وحدة سوريا؟ هل يعقل أن
يرهن مستقبل بلد بأكمله بمستقبل فرد أيا كانت مكانته؟ هل كل المواطنين السوريين
مشكوك في وطنيتهم.؟
ألم يشبع القاتل من
دماء السوريين بعد؟ كم يريد أن يقتل من السوريين حتى يقتنع أن الشعب السوري شبَّ
عن الطوق؟ وأنه شعب راشد عاقل من حقه أن يختار من يحكمه، وأن ما ارتكبه أبوه من
جرائم من قبل، لا يمكن أن يمر عليه العالم مرور الكرام اليوم، وأن صبر الشعب قد
نفد، بعد أن صبر صبرا جميلا عليه، وعلى أبيه من قبل، صبر على مذبحة حماة، وما قتل
فيها من عشرات الألوف.
أيها الأخوة الكرام :
ما هم واجبنا نحو اخواننا في سوريا إن واجبنا كأفراد أن نرفع أكف الضراعة إلى الله
العلي القدير أن يفرج كربتهم وينصرهم على عدوهم وان يحقق لهم ما يطمحون اليه من
الحرية والكرامة والعدالة .
أما واجب الدول
والحكومات العربيةـ إن كان لها موقف ـ أن تقف موقفا قويا تجاه ما يجري هناك من قتل
كل يوم بالعشرات وان الصمت في هذا الوقت معناه إعطاء القاتل الضوء الأخضر أن يستمر
في القتل والتشريد، وان تقوم بتقديم الدعم اللازم للشعب السوري.
أيها الأخوة : والله
اننا لواثقون إن الله سينصر الشعب السوري على طاغيته مهما طال الزمن لأن الله لن
يخذل تلك الشعوب التي وقفت في وجه الباطل ورفضت الخنوع أمام بطش الأنظمة القمعية
الظالمة.
وسيسقط إن شاء الله
الطاغية الذي ورث الحكم عن أبيه كما سقطت قبله كل مشاريع التوريث في تونس ومصر
وليبيا واليمن .....
وصلوا وسلموا