الحمد لله ...
أيها الأخوة المؤمنون :
ماالذي يحميك من الوقوع في المعاصي ؟ ما لذي يمنعك أن تسرق أو تزني أو تكذب ؟ ما الذي يمنعك أن تغش أو تغتاب ؟ ما هو الحاجز بينك وبين تلك الآثام ؟ ما هو السد المنيع الذي يحجزك عن الوقع في تلك المعاصي والآثام ؟ نعم : إن هناك حاجزاً قوياً وسداً منيعاً يمنع المسلم أن يقع في تلك الأوزار فما هو ذلك السد والحاجز ؟ الذي يتفاوت من إنسان إلى آخر .. فهو سد مرتفع عند شخص ومنخفض عند آخر وربما منعدم عند ثالث فبقدر ارتفاع ذلك السد يكون البعد عن المعاصي والآثام . فما هو ذلك الشي ؟ وما هو ذلك السد ؟ إنه الخشية من الله ، والخوف من عقابه ، ولقد دعا الإسلام إلى الخوف من الله سبحانه وتعالى فقال : ( فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين ) وقال أيضاً : ( وإياي فارهبون ) وقال عز من قائل : ( وخافون إن كنتم مؤمنين ) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً وما تلذذتم بالنساء على الفرش ، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى ) ، والخوف هو اضطراب القلب ووجله من تذكر عقاب الله وناره ووعيده الشديد لمن عصاه ، وتذكر أهوال يوم القيامة ، تذكر البعث والنشور تذكر الصراط والميزان ، تذكر الوقوف بين يدي الله ، والخائف دائماً يلجأ إلى الهرب مما يخافه ، إلا من يخاف الله فهو يهرب إليه ، فالخائف هارب من ربه إلى ربه قال تعالى : ( ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين ) ، قال أبو سليمان الداراني : ما فارق الخوف قلباُ إلا خرب .
أيها الأخوة الكرام :
إن الخوف والخشية من الله سبحانه وتعالى ليست شعارات ترددها الألسن ، وليست أقوال بلا أفعال ، وما لم يظهر أثر ذلك الخوف على أعمال الإنسان فلا فائدة منه والخوف من الله ليس شكلاً خارجياً يتمثل في مظهر الإنسان فقد لا يكون الخائف من يبكي ويمسح عينيه ، بل الخائف من يترك ما يخاف أن يعاقب عليه ولا يعد خائفاً من لم يكن للذنوب تاركاً فالخوف المحمود هو ما حال بين صاحبه وبين محارم الله عز وجل أما إذا زاد عن ذلك خيف من اليأس والقنوط ، ومن كان خوفه بهذه المنزلة سوف يحجزه خوفه عن المعاصي والمحرمات ، فلا يأكل مالاً حراماً ، ولا يشهد زوراً ، ولا يحلف كاذباً ، ولا يخلف وعداً ، ولا يخون عهداً ، ولا يغش في معاملة ، ولا يخون شريكاً ، ولا يغتاب أحداً ، ولا ينهب مالاً ، ولا يقتل نفساً ، ولا يتعاطى محرماً ، ولا يترك النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا يهجر مساجد الله ، ولا يترك الصلاة في الجماعة ، ولا يضيع أوقاته ، بل تجده يشمر عن ساعد الجد ويستغل وقته كله في طاعة الله ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : ( من خاف أدلج ، ومن أدلج بلغ المنزل ، ألا وإن سلعة الله غالية ألا وأن سلعة الله الجنة ) رواه الترمذي
أيها الأخوة المؤمنون :
قد يقول قائل إن القوانين يمكن أن تحل محل الخوف والخشية من الله وأنه إذا سنت الدول والحكومات القوانين الصارمة وتابعت تنفيذها متابعة جادة وقوية فإنها قد تحل محل الخشية من الله سبحانه وتعالى ، والحقيقة أن القوانين مهما كانت صارمة ، فإنها لا تنفع كما ينفع الخوف والخشية من الله ، فإن الخوف من الله يخلق الضمير الحي الذي يصحب الإنسان في الخلوة وفي الجلوة ، حيث يراه الناس وحيث لا يرونه ، بينما القوانين لا تراعى إلا حيث يخاف الإنسان من الوقوع في قبضة السلطة القائمة على تنفيذ القانون فإذا وجدت فرصة ، أمن فيها المرء على نفسه ، هتك حرمة القانون وخرج عليه دون مبالاة وإن ما تعانيه البشرية اليوم من نضوب معين الفضائل وفساد الضمائر وانتشار الجرائم والاستهتار بالقيم إنما سببه الغفلة عن خوف الله وعدم استحضار عظمته في القلب ، ومن هنا يظهر الفرق بين من يخشى الله ومن يخشى القوانين ، فإن من يخشى الله يؤدي عمله سواء حضر المدير أو غاب ، ومن يخشى الله يحترم إشارة المرور سواء وجد رجل المرور في الشارع أو غاب ،ومن يخشى الله لا ينهب ولا يسرق من المال العام حتى ولو استطاع أن يتحايل على القوانين وقصة بائعة اللبن المشهورة تدل على هذا المعنى ، فقد سمع الفاروق رضي الله عنه ليلة وهو يتجول في المدينة بائعة اللبن تقول لأبنتها : أمزجي اللبن بالماء ، فقالت البنت : أما علمت يا أماه أن أمير المؤمنين عمر نهى عن مزج اللبن بالماء ؟ فقالت الأم في لحظة غفلة عن خشية الله : وأين عمر حتى يرانا ؟ فقالت المؤمنة الصغيرة التي أمتلأ فلبها بخشية الله إن كان عمر لا يرانا فإن رب عمر يرانا .
ولهذا أيها الأخوة الكرام لما انعدمت الخشية والخوف من الله سبحانه وتعالى في قلوب بعض الناس فإنهم تساهلوا في قتل النفس البشرية فشاع القتل في أيامنا هذه ونسمع أخبارا عن حوادث قتل هنا وهناك ثم يقولون ولاذ القاتل بالفرار نعم لاذ بالفرار من قبضة الأمن وربما فلت من العقاب في الدنيا ولكنه لن يفلت من عقاب الله عز وجل في الآخرة القائل في كتابة العزيز : ( ومن يقتل مؤمناً معتمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيه وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما ) لا اله إلا الله عقوبات وما أعظمها من عقوبات ولكن يا للعجب يفرون من عقاب الدنيا وينسون عقاب الله في الآخرة .
أيها الأخوة الكرام الأعزاء :
إن المؤمنين الصادقين الذين تمتلئ قلوبهم بخشية الله سبحانه وتعالى قد أعد الله لهم من الأجور والثواب العظيم فقد سجل الله المغفرة للخائفين منهم وجعل لهم الأجر الكبير فقال : ( إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة واجر كبير ) وجعل الجنة مأواهم فقال ( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ) وبشرهم بأنهم من الفائزين ( ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون ) وقال تعالى ( إن الذين أمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه _ لمن كل ذلك يارب – ذلك لمن خشي ربه ) وكما وعد الله عباده الذين يخشونه في الدنيا بأن يأمنهم يوم القيامة يوم الفزع الأكبر فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال : ( وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة وإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة ) رواه إبن حبان في صحيحة
أقول ما تسمعون أستغفر الله لي ولكم ..
الخطبة الثانية :
الحمد لله ....
أيها المؤمنون : ومن مظاهر الخشية لله سبحانه وتعالى هو إنصاف الناس وعدم إيذائهم وأن لا يؤاخذ الناس بجريرة غيرهم قال تعالى ( لاتزر وازرة وزر أخرى ) وهذا ما تعرض له أبناء وادي حضرموت فلقد عاش المواطنون في وادي حضرموت بداية هذا الأسبوع أياما ً عصيبة بسبب الانقطاع في التيار الكهربائي الذي وصل إلى ( 15 ) ساعة في اليوم الواحد ، مما أدى تأذي الناس من هذه الإنقطاعات الطويلة ، وخاصة المرضى والعجزة في البيوت والأطفال ، وتضرر أصحاب الأعمال والمهن التي تعتمد على الكهرباء ، مما خلف استياء كبيراً لدى المواطنين ، والسبب الذي علمناه هو أن مالك المحطة الغازية قد قام بقطع التيار عن الوادي لأنه يطالب بمبالغ مالية من الدولة وهنا نقول :
أولاً : ما ذنب المواطن الذي يدفع قيمة فواتير الكهرباء شهرياً ثم يعاقب بهذا العقاب الجماعي ويتجرع هذه الاطفاءات ، وإذا كان مالك الغازية له أية مستحقات فإن مشكلته مع الدولة وليست مع المواطن .
ثانياً : إن هذه المحطة الغازية هي إحدى صور الفساد التي ورثناها عن النظام البائد ، وإلا بماذا نفسر أن تقوم الدولة بما يسمونه شراء الطاقة من مستثمر بمبالغ باهضة وخيالية تكفي لشراء محطات لتغطية العجز في الطاقة بوادي حضرموت .
ثالثاً : فإننا نطالب الحكومة بوضع حد لهذا المشكلة حتى لا يصبح المواطن عرضة بين الحين والأخر للعقاب الجماعي الذي لا ناقة له فيه ولا جمل بأن تتولى الدولة حل مشكلة الطاقة الكهربائية بإنشاء محطات حكومية تحمي المواطن وتحمي المال العام من جشع المستثمرين الطامعين .
أيها الأخوة المؤمنون :
وختاماً أيها الأخوة فإننا جميعاً نتألم لما يحدث لا خواننا في سوريا من قتل وتشريد وتحمل لنا نشرات الأخبار يوميا عن قتل العشرات من الشباب و الأطفال والشيوخ بينما العالم كله يتفرج ، ونخرج من مبادرة إلى مبادرة ، والوقت يمضي وأرواح الأبرياء تزهق ، لا لشيء إلا لأنهم خرجوا يطالبون بالحرية والكرامة فقابلهم هذا النظام بآلته العسكرية كما هو عادة الأنظمة الدكتاتورية الاستبدادية ، ولم يستفد النظام في سوريا من الدروس السابقة للأنظمة العربية التي ثارت عليها الشعوب ، فلا يريد أن يرحل حتى يدمر البلاد ويقتل العباد ، ويعيث في الأرض الفساد ، ويهلك الحرث والنسل ولكننا واثقون من نصر الله لعباده المؤمنين ، لان الله سبحانه وتعلى يمهل ولا يهمل .
لذا فإن إخوانكم في جمعية الإصلاح الاجتماعية الخيرية يتبنون هذه الأيام حملة إغاثة لإخوانكم في سوريا لإيواء المشردين ، وكفالة الأيتام ، ورعاية الجرحى والمكلومين لذا فإنهم يناشدونكم وأنتم أهل لذلك أن تساهموا لإنقاذ إخوانكم في سوريا بالصدقة وسيقف على الأبواب بعد الصلاة ن يجمع صدقاتكم .
وصلوا وسلموا ..
خطبة جمعة بمسجد عمر حيمد بسيئون – القرن
6 جمادى الآخر 1433 هـ الموافق 27 ابريل 2012م
تسجيل صوتي