هاهي الذكرى الخامسة والخمسون لثورة السادس والعشرين من سبتمبر تحل علينا اليوم وسط تخوف كبير من عودة الإمامة إلى مركز السلطة وإفشال الجمهورية بعد تآمر العديد من القوى المحلية والإقليمية عليها وعلى اليمن.
وتمر هذه الذكرى الغالية على قلوب اليمنيين لتغدو اليوم حزينة بعدما تم الغدر بها من قبل الأئمة الجدد ومن تحالف معهم مذكرة اليمنيين بحراسة الثورة والجمهورية والعمل على استكمال أهدافها وكأننا عدنا إلى المربع الأول من أحداث هذه الثورة.
ومثلت ثورةُ السادسِ والعشرينِ من سبتمبر 1962 أهم المحطاتِ الفاصلةِ والفاعلةِ في تاريخِ اليمن عموماً؛ فقد أخرجت اليمنيين من ظلماتِ التخلفِ والفقرِ والجهلِ والمرضِ، إلى نورِ العلمِ ورحابِ العالميةِ والمواكبةِ الحضاريةِ الفاعلة، واستعادةِ اليمنِ تأثيرَه الحضاري بين الأمم.
ألفُ صورةٍ وصورة تحكي واقعَ اليمنِ المريرِ الذي عاشه طيلةَ عهودِ حكمِ الأئمةِ البائدة من التسلطِ والدكتاتوريةِ والتعصبِ والتخلفِ ..ومن لم يتعرفْ على حكمِ الأئمةِ ولم يدركه فلينظر إلى أفعالِ وصورِ الأئمة الجدد (الحوثيين) وهم يجوبون البلادَ قتلاً ونهباً وسلباً ونشراً للجهل والفقرِ والمرض، كوباءٍ يجتاحُ كلّ المناطقِ اليمنيةِ وكأنها متلازمةٌ إماميةٌ في كل زمانٍ ومكان، صوَّرها في صورة بليغة أبو الأحرار الزبيري بقوله:
جهـلٌ وأمراضٌ وظلـمٌ فــادحٌ
ومخافةٌ ومجاعـةٌ وإمـامُ
والناسُ بين مُكَبـلٍ فـي رِجْلِـه
قيدٌ, وفـي فَمِـه البليـغِ لجـامُ
والاجتمـاعُ جريـمـةٌ أزلـيـةٌ
والعلـم إثـمٌ والكـلامُ حــرامُ
كانت حاجة اليمنيين للثورة كحاجتهم للماء الذي يشربون، والهواءِ الذي يتنفسون، بل مثلتِ الثورةُ لليمنيين الحياةَ التي يَحْيَون بها وكأنما بُعثوا من ممات؛ لأنهم لم يكونوا يعيشون كبقية الشعوب، فقد كان مجردُ الكلامِ حراماً عليهم في عهد الأئمة، ما دفع الجمهوريين الثوارَ إلى رفع شعارِ (الجمهورية أو الموت) لأنهم يدركون معنى تراجعِ الجمهوريةِ وعودةِ الإمامةِ؛ فهي كالعودة من الجنة إلى النار.
لقد توجت ثورة 26 سبتمبر نضالاتِ الثوارِ اليمنيين طليةَ أكثرِ من خمسةِ قرون؛ فقد سبقتها ثوراتُ الحجريةِ ويافع في القرن الحادي عشر الهجري، ثم ثورة الفقيه سعيد الدنوي في القرن الثاني عشر الهجري، وثورةُ البيضاء عام 1922، وكذلك ثورةُ الزرانيق عام 1925، ومحاولةُ ثورةِ تعز وإب ضد الإمام يحيى منذ عام 1922- 1928 بعد خروجِ الأتراكِ من اليمن، لتصل إلى الثورةِ الدستورية عام 48، ثم حركةِ 55 وصولاً إلى ثورةِ الألفِ عام؛ الثورةِ الأم في سبتمبر 1962 يوم انعتاق اليمن.
اليوم هاهم الإماميون الجدد الحوثيون ينقلبون على الثورة والجمهورية، ويحاولون إعادة اليمن إلى الوراء إلى عهد الإمامة البائد والمتخلف، لكن الثوار الجمهوريين يظلون حراساً أمناء على مكتسبات الثورة والجمهورية وقيم الحرية والعدالة والمساواة، وسيصلون بجمهوريتهم وثورتهم إلى بر الأمان والاستقرار، ليعود اليمن إلى مربعه الحضاري ومساهمته في بناء الإنسانية، ولن يرضى الثوار هذه المرة إلا بجمهورية مكتملة الأركان لا مكان فيها لإمامي عنصري وطائفي حاقد.