بقلم / محمد جميح
يقول الكثير من المحللين "المتعمقين" إن سهام النقد، وأن المواجهة لا يجب أن توجه للحوثي، بل لمن هيأ له أسباب اكتساح المدن اليمنية من صعدة إلى عدن بين عامي 2014 و2015، كون الحوثي حرَّكته قوى داخلية وخارجية من وراء الستار هي المسؤولة عن كل ما جرى.
يقولون إن قوى إقليمية ودولية يسرت له ذلك، ويذهب هؤلاء إلى ضرورة تجاوز التركيز على الحوثي إلى التركيز على تلك القوى.
جميل جداً...
هناك إشكالية بسيطة نريد حلها هنا، وسنمضي في مسار أصدقائنا المتعمقين في الشأن الحوثي.
الحوثي ظاهرة، وداعش ظاهرة، وكلاهما تستحقان الدراسة.
لكن هؤلاء المتعمقين عندما يتعرضون لظاهرة داعش، لا يقولون إن داعش مجرد لعبة بيد قوى إقليمية ودولية، وإنه يجب توجيه سهام النقد لتلك القوى، بل يصبون جام غضبهم على تنظيم داعش نفسه، حتى جاءت "الحرب على الإرهاب" لتقضي على التنظيم في سوريا والعراق.
والسؤال: لماذا في حالة "الظاهرة الحوثية" يريد لنا هؤلاء المتعمقون أن نركز على-وأن نكشف-من يقف وراء الحوثي، لا على الحوثي نفسه، بينما في "الظاهرة الداعشية" يريد هؤلاء المتعمقون أن نركز على-وأن نحارب-داعش بغض النظر عمن يقف وراء انتشاره بشكل مخيف وسريع.
يمكن القول إن الدعوة لعدم التركيز على "الظاهرة الحوثية"، وأن الدعوة لكشف من يقف وراءها، فيها نوع من المكر، إذ يراد من وراء تلك الدعوة إغفال مواجهة الحوثيين للذهاب إلى القوى الإقليمية والدولية التي يرى المتابعون أنها تدعم الحوثي، لغرض إبعاد الحوثي عن دائرة الضوء، وعدم تحميله جريرة الانقلاب في اليمن.
طبعاً، هؤلاء المتعمقون لا يرون أن إيران هي من تقف وراء الحوثيين وتدعمهم، بل يرون أن الإمارات والسعودية والخليج هم من دعم الحوثي لتدمير اليمن، حسب تلك الرؤية، ومن هنا لا يريد هؤلا التركيز على "الظاهرة الحوثية"، بل على من يقف وراءها.
وبذا يكون هؤلاء المحللون المتعمقون قد حققوا هدفين: الأول: صرف الأنظار عن جرائم الحوثي، بوصفه الفاعل المباشر للكارثة التي حلت باليمن، والثاني: توجيه السهام للدول العربية، وعلى أساس طائفي حيناً، وآيديولوجي حيناً آخر، بوصفها السبب فيما حصل.
أما عن "الحالة الداعشية"، فإن هؤلاء المحللين الأذكياء جداً يسعون لتحقيق هدفين، على غرار الهدفين السابقين، ولكن بشكل مختلف.
التركيز على "ظاهرة داعش" دون التعمق فيمن يقف وراءها، يعني قتال داعش، وتدمير المدن التي تحصن بها، دون الإشارة إلى القوى التي تقف وراء انتشار التنظيم، لأن التركيز على من يقف وراء "ظاهرة داعش" سينجلي عن حقيقة أن النظام السوري أطلق المئات من قادة التنظيم من سجونه، وأن جيش النظام انسحب من مساحات شاسعة وسلمها لعناصر التنظيم كي يصبح التنظيم أقوى، فيكون مناسباً لشكل فزاعة تخيف العالم، الذي تحتم عليه أن يختار بين بقاء النظام السوري، أو توسع داعش. كما لا ننسى أن حكومة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي سلمت للتنظيم مساحات شاسعة من شمال العراق، وانسحبت تاركة الدبابات والمدافع والصواريخ التابعة لأربع فرق من الجيش العراقي غنيمة للتنظيم.
لقد كان ذلك مدروساً بشكل دقيق، ناهيك عن مسرحيات الهجمات على سجون تتبع الحكومة العراقية، والتي أسفرت عن خروج قيادات داعشية خطيرة كانت معتقلة في العراق.
وفوق ذلك فإن إيران حسب تصريحات دولية كانت تقف وراء تلك الخطط، وتشرف عليها لدى كل من حكومة المالكي وجيش النظام السوري.
ومن هنا، كان من خطة المحللين "الموضوعيين" أن يركزوا الأنظار على "الحالة الداعشية"، دون التعمق كثيراً فيمن يقف وراءها من القوى الإقليمية، فيما في "الحالة الحوثية"، تكمن الاستراتيجية في عدم التركيز على الحوثيين، ليتمكنوا من التمدد، وذلك بصرف الأنظار عنهم إلى القوى الإقليمية الأخرى.