بقلم / عبد الرب السلامي
هكذا هي اليمن.. في سقطرى الجزيرة النائية التي لا يتجاوز عدد سكانها 130 ألف نسمة، خرج عشرات الآلاف من ابنائها في الأمس معارضين للسلطة المحلية، وخرج اليوم عشرات آلاف آخرين مؤيدين للسلطة والشرعية، وقد يخرج آخرون غدا لموقف ثالث..
إنها صورة مصغرة لتلك الصور الكبيرة والمتكررة هناك في المدن المليونية (صنعاء وعدن وتعز..) حيث تحتشد الملايين ثائرة حينا ومعارضة حينا ومنتخبة حينا ثالثة.. إنها باختصار أسلوب اليمنيين الحضاري في الاحتكام إلى الشارع للتعبير عن آرائهم السياسية.
أنا لا يهمني أن أسجل هنا موقفي السياسي المؤيد أو المعارض لهذه المسيرة السقطرية أو تلك، ولكني أريد أن أسجل ما هو أكبر من الموقف السياسي، إنه إعجابي الكبير بسقطرى وهي تقدم لوحة فنية حضارية رائعة تختصر فيها اليمن العظيم.
قال لي أحد الأصدقاء الكويتيين: "أنا مندهش من اليمنيين، رغم الحرب والسلاح وهم مع ذلك يحشدون المليونيات السلمية في الشوارع ويتحدثون عن الانتخابات والحوار.."، قلت له: "نعم هذا هو إلْفُ اليمنيين السياسي، اعتادوا عليه منذ عقود طويلة، وصار جزءا من حياتهم، إنه أسلوب اليمنيين المختلف عن محيطهم الخليجي، فأتمنى من أشقائنا في الخليج أن يفهموا اليمنيين هكذا كما هم!"
في اليمن هناك ثلاث وسائل للتعبير السلمي، هي بمثابة مبادئ ورثناها منذ سبعة عقود عن الآباء المؤسسين للحركة الوطنية في عدن والثورة الدستورية في صنعاء في أربعينيات القرن الماضي هي: (الشارع، الصندق، الحوار)، وما شهدت اليمن صراعا مسلحا إلا لأن طرفا ما حاول الخروج عن هذه المبادئ الثلاثة.
معركتنا مع الحوثي اليوم ليس لمذهبهم أو لعقيدتهم الدينية، ولكن لأنهم حاولوا الانقلاب على هذا الوسائل السلمية وحاولوا فرض خياراتهم السياسية بقوة السلاح، وهي معركة قد تتكرر مع كل من يحاول تجريف الحياة السياسية أو فرض الصوت الواحد واللون الواحد.
أعود وأقول: شكرا سقطرى المؤيدة والمعارضة والمحايدة، ففي شوارع عاصمتك حديبو أختصر اليمن.