هذا الصباح لاقيت البحر بعد طول غياب . فسألني : ما لوجهك يبدو شاحباً ياصديقي!!!
فقلت له : وجه المدينة كله شاحب ياصديقي العزيز الا تراه؟؟!! .
وعلى الفور بعث نظرة ثاقبة راحت تمشط المدينة وأحيائها القديمة وشواطئها المهملة وجبالها .
ثم قال : حدثني ياصديقي عما يجري خلف الأزقة وداخل الحواري فإني لا أرى غير المباني الشاهقة وأحس بخيرات كثيرة تنتزع من أعماقي وثروات عظيمة تسير في سفن مثقلة فوق كاهلي تكاد تكسر ظهري .كنت طيلة الأيام الماضية أصبر نفسي وأقول لا بأس أن ينعم أهل مديتني بكل هذه الخيرات وكل هذه الثروات. لكن وجهك اليوم ووجه المدينة لا يبشر بشئ مما كنت أظنه. تنهدت تنهيدة عميقة.
ثم أخذت بكلاتي يدي حفنة من مائه الصافي النقي وصافحته بوجهي الشاحب الحزين ومسحت به بعضاً من أوجاع البائسين من أهلي وموطني ثم نهضت منصرفاً مولياً وجهي شطر المدينة .
راح البحر ينادي من خلفي : عد ياصديقي فمازلت منتظراً منك الجواب. لا تذهب قبل أن تخبرني عما يحدث ويجري في أعماق مدينتي وحاضنتي الجميلة .
أرجوك لا تذهب عني وتدع الحيرة والقلق يفت أعماقي ويفتك بقلبي .
التفت اليه التفاتة خفيفةوقلت : دم كما كنت سخياً كريماً ايها البحر العظيم ولا تبالي بسفاهتنا وجهالاتنا وجشعنا وظلمنا لبعضنا. أخشى أن جلست أحدثك عن أحوالنا وحالتنا وما يحدث في دهاليز وكواليس حياتنا ان تموت فيك ملكة السخى والكرم وأفسد بذلك عليك حياتك كما فسدت حياتنا. دم كما كنت ياصديقي العزيز سخياً كريماً عظيماً . فلربما يبعث الله منّا ذات صباح أو مساء من لا يخيب فينا رجاءك وظنّك الجميل .
وإلى لقاء أيها البحر العظيم الكريم إلى لقاء . إلى لقاء ....