بقلم / أبو الحسنين محسن معيض
قابلوا أباهم لتسويق مخططهم الذي اتفقوا عليه في مجلس عصبتهم ، أقبلوا يزفون شعارات العاطفة الجياشة تجاه هدفهم ، ويرفعون أمامه لافتات المسؤولية نحوه . وهم قبل لقائه قد ناقشوا في مجلسهم طرق ومخارج التخلص منه ، فهو ـ بزعمهم ـ يقف حجر عثرة في طريق طموحهم لحيازة مركزهم في قلب السلطة ، وقيادة مجتمعهم , فأجمعوا هناك أن يقضوا عليه ، وأظهروا هنا حبهم وتفانيهم في خدمته وحفظه ، وأنه في ظلهم لن يمسه سوء مطلقا , فهم عصبة مخلصة قوية , لا ينقصهم الولاء لحقوق الأخوة ، ولا الوفاء لحق الانتماء .
وظلوا على رأس أبيهم يرددون ما توافقوا عليه .
ونجح مخططهم ، وأصبحوا يملكون التفويض الرسمي والسند الاجتماعي ، الذي يبيح لهم تنفيذ مخططهم , دون منافسة من أحد في تقرير المصير ، وتقدير المسير . وتحول الولاء الذي أدعوه تبعيةً ، وتبدل الوفاء الذي أظهروه نفعيةً ، ونقضوا تفويضهم وخذلوا الصف الاجتماعي , بدراهم معدودة وكراسي محدودة ووجاهة مردودة .
وبعاطفة مزيفة وحماسة مقلدة مرروا تدبيرهم بسهولة , ولو توجس البعض في نفسه من صنيعهم حيرة .
هذه المنهجية وتلك الأيدلوجية هي المتبعة اليوم لدى عصب المكر ومكونات الشر في تسويق مخططاتهم التي تخدم مصالحهم فقط ، وتحقق أهداف متنفذي السلطات ورموز السياسات وحكام الدول , وتفتت كل قوة تحجزهم عن نيل مطامعهم في أرض وخيرات غيرهم من الشعوب والدول .
هذا ما طبقه السيسي في مصر واعدا شعبه ووطنه بالخير والتطور والأمن والسلام ، فقد أزال ما كان يهددهم من خطر وسوء عاقبة في ظل حكم الإخوان .
ثم ضاعت في عهده الأرض والسماء ، وفقد الملح والماء ، وعم الفساد ، وفرطت العصبة في كل غال ونفيس ، من سمعة مصر النقية وكرامة أهلها التقية .
وهذا عين ما نفذه الحوثي لدخول صنعاء رافعا شعار الدفاع عن حقوق المواطن ، ورفع ما يثقل عليه من غلاء وجرعات ، ثم أصبح المواطن معه مهددا في حياته ومثقلا بالجراح والشتات .
وهذا ما قام به المجلس الانتقالي في جنوب اليمن ، حين دندن من قمة الهرم إلى قاعدته بحب الجنوب ورعاية أهله والدفاع عن هويته وحماية أرضه .
وفي ظله تفرق صف الجنوب وتشتت الحراك الثوري ، وما بين اغتيالات واعتقالات ، فقد الجنوب من خيرة أبنائه أضعاف ما فقد فيما سبق من سلطات ، وأصبحت هويته ممزقة بين مليشيات مسلحة ومناطقية متشددة . وأما ملكية الأرض وسيادة الوطن ، فحدث عنها ولا حرج عليك .
وما تبرأ الشرعيةُ من مثل ذلك ، ما قل منه أو كثر ، فبدلا من تحقيق شعار قادمون يا صنعاء ، أضاعت عدن ، وصار الانقلاب اثنين ، وما وصلت إليه مع الثاني من تشارك وتوافق سيصبح حقا مكتسبا بالضرورة مع الأول .
ولا عزاء للمظلومين والمغيبين والشهداء .
ومثل ذلك ما يدلس به على شعوبهم وعلى غيرهم ، كثيرٌ من حكومات ورؤساء وملوك وأمراء دول معروفة , لم يعد يخفى على غالب أهلها خيانتهم ودجلهم .
وإني لأثق أن كل ما تمر به الأمة اليوم هو أمر قد خطط له من عقود سبقت , وتم الإعداد له من سابق عهد . ففي وطني لا أستسيغ مطلقا هذا التمزق لقيادات وأعضاء عصبة المؤتمر الشعبي العام , بين مختلف المكونات والأحزاب , فهم دون غيرهم موجودون بكثرة وقوة في دولة الحوثي وحكومة الشرعية وسلطة المجلس الانتقالي , وأجدني مقتنعا أنهم وإن أبدوا خصاما وأظهروا فراقا , إلا أنهم يبطنون بينهم تفاهما وتوافقا , وهدفا مرسوما محددا .
ووسط عصبة مؤدلجة محليا ومنظومة عنكبوتية دوليا , قد أجمعت أمرها وعزمت قرارها على استئصاله , يظل تجمعُ الإصلاح اليمني في فقه الموازنات سائرا , وفي قاعدة المصلحة والمفسدة دائرا , وفي تحري أهون الشرين وأخف الضررين محتارا , يساير هذا ويداري ذاك , يدعم موقفا هنا ويساند قرارا هناك , ساعيا دوما إلى رأب الصدع ولملمة الصف وعدم التفرد بموقف وقرار يبيح للعصبة أن تجعل منه مدخلا لتحقيق هدفهم نحوه .
أثق أنه مدرك لما يستهدفونه به , وما يخططونه من مكر له , ولذا يسعى وسط كل ذلك الموج المتلاطم الغادر للعوم , محافظا على صفه وناجيا بأبنائه من غرق مفاجئ يلحق به . ولكن إلى متى ؟!.