منطق الحكام العرب: أطفالنا حق وأطفالكم مرق!

ذرف نظام الرئيس علي صالح دموعا غزيرة- بدون تأثر بالقنابل المسيلة للدموع- على ما وصفوه بأنه إقحام للأطفال الأبرياء، فيما يجري في ساحات التغيير والحرية الثائرة ضد النظام والمطالبة بتنحي الرئيس!

وفي أكثر من وسيلة إعلامية؛ رسمية ومؤتمرية ومؤلفة القلوب؛ ضرب أنصار الرئيس صدورهم، وخمشوا وجوههم، ونزعوا شعورهم غضبا من وجود (أطفال) في ساحات الحرية والتغيير يظهرون مع آبائهم وأمهاتهم يهتفون معهم (ارحل)، وعلى وجوههم وأبدانهم كتبت الكلمة بكل الألوان!(أحدهم ظهر في الفاضية اليمنية متوترا وهو يتحدث بفزع واستنكار عن الأم التي ظهرت في الساحة وهي تحمل رضيعها وقد كتبت على جبينه:ارحل.

وانتظرت أنه سيقدم - مثلا- تحليلا سيكولوجيا عن خطورة الفعل على نفسية الرضيع ومستقبله العلمي .. لكنه بعد أن وصف الجريمة (!) صمت ليقول وهو يرتعش غضبا: "ارحل..يرحل من؟من يرحل؟" وعندها تنبهت أن المرعوب هو-كما يبدو من هيئته وكلامه- من أؤلئك الذين كلفوا بتوزيع الغاز المنزلي..أي ليس محللا نفسيا ولا يفهم إلا في قلع ..العدادات! .

أنصار النظام الذين لم تهتز لهم شعرة لقتل العشرات وجرح الآلاف بأسلحة النظام، أدوا تمثيلية رومانسية تجاه مشاركة الأطفال مع أهاليهم في مسيرات (ارحل) و (الشعب يريد إسقاط النظام)؛ لأن الأطفال (عندهم) هبة الرحمن وزينة الحياة الدنيا.. ولا يجوز أن يتعلموا كلمة (ارحل) لأن فيها إساءة للبراءة الطفولية.. وتنتج جيلا مشبعا بالكراهية والحقد والبغضاء! وبعض الأنصار أفزعهم أن بعض الأطفال لابسين أكفانا كمشاريع شهادة، فيكبروا وقد تشكلت نفسيتهم بنزعة الاستشهاد أو الانتحار.. كما أفتوا!

هذه الغضبة العنترية شارك فيها صحفيون يتنفسون الكذب والدجل ويعلمونه لأطفالهم وأطفال المواطنين! وشعراء قضوا حياتهم يفسدون أخلاق الأجيال الصاعدة وختموها بأداء( رقصة عجين الفلاحة) التي يقوم بها القردة في الأسواق الشعبية المصرية لإضحاك المتفرجين من البسطاء؛ مع فارق أن المشار إليهم يقومون به لتسلية علية القوم في المقيل الهاي هاي إياه! و مثلهم مقاولون في بعض منظمات المجتمع المدني التابعة للسلطة نهبوا المنح الدراسية الخاصة بأطفال اليمن وقصروها على أطفالهم حتى فضحتهم السفارة .. وكلهم لم تستفزهم صورة القتلى برصاص النظام ولا مناظر الجرحى.. ولا وجوه الأيتام الذين فقدوا آباءهم لأن النظام قرر قتلهم ومنعهم من الاعتصام أو التظاهر مثل أولئك الذين يجلبهم للتظاهر والاعتصام لمصلحة النظام!

أطفال يتامى، ونساء أرامل، وأمهات ثكلى، وآباء مفجوعون.. قتل النظام ذويهم بدم بارد وأطلق إعلامه- في كل مرحلة- ليكذب ويحملهم هم مسئولية ما حدث لهم مبرئا القتلة المجرمين الذين أطلقوا الرصاص على العزل.. ثم بعد كل ذلك يتباكون على الطفولة التي تنتهك براءتها بالأكفان والحديث عن الاستشهاد!

لو كنتم حقا تحبون الأطفال فلماذا قتلتم آباءهم.. وأخفيتم القتلة المجرمين ودافعتم عنهم؟

الحكام العرب هم أكثر الناس الذين يزجون بالأطفال في السياسة والعمل الحزبي.. وفي آخر انتخابات رئاسية مصرية- مزورة بالطبع- رفع أنصار الرئيس المخلوع حسني مبارك لافتات في الشوارع كتب فيها "الجنين في بطن أمه بيقول: نعم.. لمبارك".. لكن سرعان ما أنزلت تلك اللافتات لا لأن أنصار الرئيس خجلوا من أنفسهم ومن إقحامهم للطفولة البريئة في السياسة والحزبية، ولكن لأن المصريين سخروا من الكلام وأطلقوا نكتة تقول إن الجنين الذي يقول لمبارك نعم وهو في بطن أمه.. هو ابن.. حرام!

في بلاد السعيدة لا يكاد يخلو عدد من الصحف الرسمية وخاصة ليوم السبت؛ من صور ملونة لأطفال شاركوا في مهرجانات ومسيرات التأييد للرئيس ومطالبته بعدم التنحي.. وفي بعضها يظهر أطفال يصافحون الرئيس ويعانقونه وهو يقبلهم.. والمحيطون حولهم في حالة خشوع طفولي وبراءة لم تظهر على وجه (غاندي) ولا (بابا الفاتيكان) فضلا عن أن تظهر على وجه خطيب الجمعة في ساحة السبعين الذي لم يخجل أن يقول أمام العالم إن شباب ساحة التغيير يصلون المغرب والعشاء جمعا ليتفرغوا حتى الثلث الأخير من الليل لسماع التهريج في التمثيليات والأناشيد! والثلث الأخير من الليل لا يعرفه الذين يقبضون الملايين مقابل خطبة نفاق سياسي ودجل لتبرير قتل آباء الأطفال، ولا يعرفه- أيضا- الذين يسهرون ليخططوا لقتل الأبرياء العزل.. ولا الذين ينفقون أموال المسلمين مقابل إحضار المؤيدين من كل مكان كل جمعة ليسمعوا خطيبها يبيع دينه بدنيا غيره!

 بالإضافة للأطفال فإن النظام يزج أيضا بالعجائز إلى ساحة السبعين.. وبعضهن تجاوزن السبعين ذاتها بكثير.. وربما تتحدث واحدة منهن أمام الميكرفون وهي تظن أن المذيع يسألها عن (الإمام) الذي عرفته في شبابها،والأقدم سنا ربما تظنه يقصد السلطان عبد الحميد! وفي برنامج صوت الشعب؛الأربعاء قبل الماضي؛تلقى المذيع اتصالا(عفويا!)من سيدة قالت إن اسمها:أم محمد التي بادرت لإعلان تأييدها للرئيس إلى الأبد وليس فقط إلى 2013.وللتأكيد على واقعية البرنامج قاطعها المذيع ليسألها:من أين أنت يا حجة؟فردت:أني من إب..ولزيادة الواقعية سألها:من أي منطقة من إب نريد أن نعرف بالضبط؟ فسكتت أم محمد ثوان كانت كافية لفضح الواقعية،وسمع المشاهدون صوت امرأة أخرى تقول:من المدينة..من المدينة،فصاحت أم محمد بعد أن نزل الوحي:من المدينة..المدينة( من حسن حظهم أن أحدا من مذيعي قناة الإيمان لم يكن مشاركا وإلا لسمعناه يقول خاشعا:صلى الله على ساكنها عدد المعتصمين هانا وهاناك)!

 حضور الأطفال في مهرجانات النظام ليس عيبا ولا جريمة ضد الطفولة ولا انتهاكا صريحا للإنسانية.. و لذلك يحرص المخرج على أن يركز الكاميرات على الأطفال وهم يهتفون.. ويصفقون.

 ولأن المسألة تمثيل فقد نسمع يوماً المذيع يصرخ: ها هم أصغر حزبيين في بلادي.. أقصد أصغر مواطنين شرفاء يبايعون الرئيس على الوفاء حتى عام 2013م.. ثم يقترب من طفلة بريئة لإجراء حوار سريع تلقائي على الفطرة فيسحبها بسرعة تربكها:

 - من تحبين يا حبوبة؟

- اللقاء المشترك!

- لا.. لا.. يا حبيبتي: السؤال من تحبين مش من تكرهين؟

- أحب كشكوش وتوم وجيري!

-(منفعلا) يا حبيبتي.. شوفي للمنصة.. من يعجبك من اللي هناك؟

 - هاذاك الرجال؟

 - اسمه.. انطقي؟

 - نسيت اسمه.. لكن هاذاك الحبوب!

 - أيوه..أيوه إيش كمان؟ إيش أعجبك فيه؟

 - قصدك صاحب السماطة الحلوة؟

 - يابنتي هذا يحيى الراعي..باين عليك غبية!

 - أصلا أنت لخبطتني لأنك لخبطت الأسئلة!

 - يا حبيبتي..يا عيوني..أنا أقصد هاذاك الرجال الذي في المقدمة.. الذي تحبيه أكثر من نفسك وأمك وأبوك..

 - قصدك الرئيس؟.. كنت قلت لي من الأول.. قد حفظوني كل شيء في البيت والمدرسة.. لكن أنت ربشتني!

 - سامحيني..والآن إيش تقولي له،ثم مستدركا بسرعة : قصدي الكلمة اللي دائما تسمعينها هذه الأيام .

 الطفلة تصرخ بقوة: ارحل..ارحل ..ارحل !

 

.....

 

* الصحوة

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص