دروس من حياة عمر بن الخطاب رضي الله عنه

الحمد لله ....

ايها المؤمنون ونحن نعيش في خضم هذه التحولات والأحداث ، ونحن نتوق ونتطلع الى التغيير الايجابي دعونا نتحدث في هذه الساعة مع التربية النبوية مع أعظم تغيير أحدثته هذه المدرسة النبوية في تاريخ البشرية ، تلك المدرسة التي أخرجت الناس من دياجير الظلم  والاستبداد الى نور العدل والحرية ، نعيش مع نموذج عظيم وفريد يظل يردد كثيرا على مسامعنا ونحن اليوم نتوق الى ذلك التغيير الى تلك الحرية الى ذلك العدل وقفات نقفها مع حياة فاروق الأمة وحياة الفاروق مدرسة بكل ما تحمله الكلمة من معنى ...

مواقف من حياة هذا العلم الشامخ لكن من اين نبدأ وكل حياة هذا العلم عظائم تستحق منا الوقوف والتأمل لكن حسبنا بعضا منها على أن تكون لنا جولات في أيام أخرى ...

ايها المؤمنون : اتسعت دولة الاسلام في عهد عمر اتساعا عظيما فلم ينشغل عنها بنفسه و لم ينشغل عنها بجمع الأموال وكنزها لم ينشغل عنها بخاصته عن رعيته ومهمته العظمى ، كلا فقد بذل واجتهد في وضع الأسس العظيمة والمتينة لهذه الدولة كي تسير بشكل صحيح ....

من هذه الاسس :

كان عمر اول من سن ووضع مبدأ من اين لك هذا ؟! وضع مبدأ عمليا فعليا واقعيا لم يكن شكليا صوريا يحسن به صورة حكمه ..بل كان واعا لمسه كل الناس .. على نفسه أولا وعلى غير ه وهو دائما يبدأ بنفسه والشواهد في ذلك كثيرة يكفينا منها واحد . استقبل عمر الناس على المنبر بصوته الجهوري فقال ايها الناس اسمعوا رحمكم الله ؟ وينطلق صوت سلمان فيقول والله لا نسمع ولا نطيع والله لا نسمع ولا نطيع ؟! ويلتفت عمر قائلا ؟ ولم يا سلمان ؟! ويجيب سلمان : ميزت نفسك علينا يا عمر أعطيت كلا منا بردة واحدة وأخذت أنت اثنتين ؟ لااله الا الله.

ويقلب عمر نظره في الناس ويقول : أين عبداللع بن عمر ؟  فينهض عبدالله ويقول : ها انا ذا يا امير المؤمنين فيسأله عمر على مشهد من الناس من صاحب الثوب الثاني ؟ فيقول عبدلله انا يا امير المؤمنين .. ثم قال تعلمون انني رجل طوال وجاءت بردتي قصيرة فاعطاني عبدالله بردته فاطلت بها بردتي .. دمعات الغبطة والسرور على عيني سلمان ويقول مع الحاضرين الآن يا امير المؤمنين قل نسمع ونطيع ...

اولا : ايها الاخوة ان عمر لم ينشأ هيئات لمكافحة الفسلد كما انشأها حكام اليمن ، هيئات صورية لم نسمع انها اوقفت فاسدا واحدا ممن نهبو امال البلاد والعباد ناهيك عن محاسبتهم .. اما عمر رضي الله عنه فقد طبق هذا المبدأ على نفسه اولا كما طبقه على ولاته فكان دائما ما يحاسبهم على الاموال التي اكتسبوها ، اما اليوم فان كثيرا من الحكام والمسؤلين إلاّ من رحم الله اتخذوا الوظيفة العامة مصدرا للتكسب غير المشروع ، حتى اوصلو البلاد الى ما وصلت اليه اليوم .

أيها الاخوة الكرام :

ومن الاسس العظيمة التي ارساها الفاروق رضي الله عنه مبدأ عظيم واساس متين الا وهو (مبدأ عدم التوريث) .

كيف لايفعل ذلك وهو يعلم أن الولاية مسئولية وانها مغرم لامغنم ، مسئولية امام الله جلا وعلا وابتلاء وامتحان ، فيكفيه انه ابتلي بها فهل يقذف باحد من اهله في مهاويها ، ولم يخطر له على بال أن يورث لاحد من اهله ولم يسعى لذلك ابدا .

بل على العكس تماما فكان ينبىء بهم عن المسؤليات ويظهر في ذلك في الموقف العظيم وهو في اخر ايامه بعد ان طعن واشار عليه بعضهم ان يستخلف ابنه عبدالله فرد على القائل ( قاتلك الله والله ما اردت الله بهذا ؟ ) يكفي واحد من آل الخطاب في النار ، وجعل الامر شورى بين المسلمين يختارون من يختارون من يرون اصلح لهم ..

ثانيا : اين حكام اليوم من هذا الموقف العظيم الذين اعتبرو السلطة مغنما لهم ولأولادهم ولاولاد اخوانهم واصهارهم واسرهم وحولو بذلك الجمهوريات الى ملكيات يتصرفون بالشعوب كما يشاءون ، واصبحت المسئوليات الكبيرة والمناصب العسكرية الكبيرة حكرا عليها مما اثار غضب الشعوب عليهم فانتفضت ضدهم وتطالب بانظمة جمهورية حقيقية .

من الاسس والمباديء التي وضعها هذا الرجل مبدأ آخر الا وهو منع الابناء والاقرباء من الامتيازات : على حساب الرعية بل كان رضي الله عنه يحمل اهله على ان يعيشوا معه على صراط احد من السيف فيشدد عليهم اكثر من الرعية حتى يعلم الناس ان الحكم ليس فيه محسوبية ولا هوادة ومجاملة لاحد كائنا من كان ، بل ذهب الى ابعد من ذلك ، فكان يضاعف العقوبة لاي فرد من اهل بيته قد يقترف شيئا مما نهى عنه .. حتى يكونو قدوة ونموذجا للناس .. وقف يوما امامهم فقال : سمعتم ما نهيت عنه واني لاعرف ان احدكم يأتي شيئا مما نهيت عنه الا ضاعفت له العقوبة ضعفين ؟! يا الله سبحان الله .. اوما يكفي اهلك ان تنزل بهم من العقوبة مثل باقي المسلمين ؟ تأملوا معشر المسلمين كيف كانت هذه والى اين ارتقت وسمت في درجات العظمة والسمو .. وهذا الموقف يبين مدى تنفيذه لهذا المبدأ مبدأ عدم الامتيازات للاسرة الحاكمة او المقربين .. دخل عمر السوق يوما فيرى إبلا سمانا فيقول لمن هذه الابل ؟ فقالوا لعبدالله بن عمر ؟ ابن الخليفة ابن الرئيس ؟ فخجل عمر رضي الله عنه ، يقول يا عبدالله بن عمر بخ .. بخ ..اين امير المؤمنين ؟! قال عبدالله بن عمر فجئت اسعى فقلت مالك يا امير المؤمنين ؟ قال ما هذه الابل ، قلت ابل اشتريتها بها وبعث بها الى الحمى حتى سمنت ابتغي ما يبتغي المسلمون ؟! فاخذ عمر يفتل شاربه كعادته اذا غضب وقال ويقول الناس ( ارعوا ابل ابن امير المؤمنين اسقو ابل ابن امير المؤمنين ؟! يا عبدالله اعد على راس مالك واعد الفضل الى بيت مال المسلمين ؟ .

الا ترون اننا امام اسطورة بل لو كانت اسطورة لصعب تصديقها لكن لحسن هذه البشرية اننا امام حقيقة ماثلة للعيان وملأت سمع الزمان والمكان وسارت بها الركبان ..

ان عبدالله بن عمر لم يات شيئا نكرا ولم يستثمر الا في الحلال وهو الفقية ؟ لكن عمر يخاف ويخشى الشبهات التي قد تدنس آل الخطاب بسبب محاباة الناس لابل ابن امير المؤمنين ؟! اين نحن من هذا ، واين حكامنا الذين تحولوا من حكام الى تجار ومستثمرين في اموال الشعوب وهم وابناؤهم واقاربهم وبطانتهم فاثرو ثراء فاحشا عل حساب شعوبهم التي تعيش الغالبية منها حياة الفقر والجوع ويقف الكثير منهم على ابواب المساجد يمدون اليهم بالسؤال للناس وثرواتهم يعبث بها الفاسدون ، ولقد كشفت لنا الثورات الاخيرة الاموال والثروات التي يمتلكها هؤلاء الحكام فاحدهم ثروته 50 مليار دولار والأخر 70 مليار دولار والثالث 130 مليار دولار وستكشف لكم الايام ثروات البقية من الحكام والمفسدين ... سؤال بسيط كيف جمعوا هذه الثروات ؟

اقول قولي هذا ................

الخطبة الثانية

الحمد لله ............

ايها المؤمنون لا يزال الحديث حول تلك الاسس والمباديء العمرية والامة تتطلع الى التغيير ومن تلك الاسس والمباديء مبدأ شبكة الامان الاجتماعي : فلنتأمل هذا الموقف لقد قدمت رفقة من تجار المدينة وحطوا رحالهم ليلا على مشارفها فيقوم عمر مع عبدالحمن بن عوف يحميهم ويحرسهم ويصليان ما كتب لهما ويسمع عمر بكاء صبي فتوجه نحو امه ، فقال اتق الله واحسني الى صبيك ثم عاد الى مكانه فسمع بكاء ه فعاد الى امه وقال لها مثل ذلك ثم عاد الى مكانه فلما كان اخر الليل سمع بكاءه فاتى امه فقال ويحك اني لاراك ام سوء ما لي ارى ابنك لا يقر منذ الليله ؟ قالت يا عبدالله لقد اضجرتني الليلة اني اعوده الفطام فيأبى قال لم ؟ قالت لان عمر لايفرض العطا الا للفطم ، قال كم له ؟ قالت كذا وكذا شهر ... قال ويحك لا تعجليه ، فصلى الفجر وما يستبين الناس قراءته من كثرة البكاء فلما سلم قال يا بؤسا لعمركم قتل من اولاد المسلمين ؟ ثم امر مناديا ينادي الا تعجلوا صبيانكم عن الفطام فانا نفرض لكل مولود في الإسلام ؟! وكتب بذلك الى الامصار ...

سبحان الله .. سبحانك يا رب ما هذه الرحمة التي انطوى عليها قلب عمر حتى يرى انه قتل اولاد المسلمين انه لم يقتل احد انه الحريص على المسلمين وعلى النفس البشرية انه القائل ( والله لو ان بغلة في العراق عثرت لخشيت ان يسألني الله عنها ) فكيف بانسان ماذا يقول هؤلاء الذين يرتكبون المجازر البشعة بحق المعتصمين الذين لم يحملوا سلاحا ولم يطلقوا رصاصة ولاشيئا من ذلك سوى انهم يطالبون بالحرية ، لقد اوغل النظام الحاكم في قتل المدنيين فبدأ بمجازر عدن ثم مجزرة جمعة الكرامة بصنعاء ومجزرة الحديدة وقتل الابرياء في المكلا واخرها ونسال الله ان تكون الاخيرة مجزرة ساحة الحرية بتعز والحديدة ، كل هذه المجازر افقدت النظام الشرعية الدستورية بشرعية دموية ، اين سيذهب هؤلاء القتلة المجرمون ؟ اذا فروا من عدالة الارض فلن يفروا من عدالة السماء ، والله عدل وهو القائل ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا       ....) والقتل من اعظم الكبائر وابشعها ، جريمة بشعة يهتز لها عرش الرحمن ، فهل اصبحت النفس البشرية رخيصة الى هذه الدرجة من اجل إن يبقى الحكام على كراسي الحكم ؟ .

وصلوا وسلموا ...          

خطبة جمعة 8/4/2011م بمسجد عمر حيمد بسيئون – سالم خندور

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص