الأخــوة فـي الـمجتمع الإسـلامـي – سالم خندور (تسجيل صوتي)

الحمد لله .....

أيها الأخــوة الأعــزاء :

لقد تحدثنا في الجمعة الماضية عن الأسس المتينة لبناء الدولة الإسلامية التي تقوم على العدل و المساواة و عرفنا أن هناك ثلاثة أسس مهمة في بناء الدول و المجتمعات , و ترتكز هذه الأسس على ثلاثة محاور رئيسية :

المحور الأول : علاقة الفرد بربه و خالقه و الذي تمثل بعد ذلك في بناء المسجد الذي من خلاله يتم تحقيق هذه الغاية .

المحور الثاني : علاقة الفرد بإخوانه المسلمين , و قد تمثل هذا الأمر في المؤاخاة التي أقامها صلى الله علية و سلم بين المهاجرين و الأنصار . 

أما المحور الثالث : الذي تقوم عليه الدولة المسلمة و هو علاقة الفرد بمن حوله جميعاَ من أفراد المجتمع , و ذلك من خلال العهود و المواثيق .

و لقد بنى الرسول صلى الله عليه و سلم دولة الإسلام الأولى و عاصمتها المدينة المنورة , بعد أن هاجر إليها , فاهتم بهذه الثلاثة الأسس .

بناء المسجد النبوي , عقد المؤاخاة , و كتابة معاهدته مع اليهود , و قد تحدثنا في الجمعة الماضية عن المسجد و أثره في المجتمع و دوره في إقامة الدولة , وتخريج نماذج من القادة العسكريين , و العلماء الربانيين , والكوادر المتخصصين في كثير من المجالات و التخصصات ..

أيها الأخوة المؤمنون : سيكون حديثنا اليوم إن شاء الله عن أروع ما سجله التاريخ البشري عن المؤاخاة و أثرها في بناء الدول و المجتمعات .. فبعد أن قام النبي صلى الله عليه و سلم ( ببناء المسجد ) مركز للتجمع و التآلف , قام بعمل آخر و هو المؤاخاة بين المهاجرين و الأنصار , المهاجرون الذين لاقوا في مكة أشد صنوف العذاب و التنكيل ففروا بدينهم مضحين بأموالهم و بكل ما يملكون في سبيل هذا الدين , و الأنصار الذين نصروا الإسلام و بايعوا الرسول صلى الله عليه و سلم  و فتحوا بيوتهم لإخوانهم من المهاجرين ..  يقول ابن القيم عليه رحمة الله : ( ثم آخى الرسول صلى الله عليه و سلم بين المهاجرين و الأنصار في دار أنس بن مالك , و كانوا تسعين رجلاً , نصفهم من المهاجرين و نصفهم من الأنصار , آخى بينهم على المواساة , و يتوارثون بعد الموت , دون ذوي الأرحام إلى حين وقعت بدر , فلما أنزل الله عز وجل ( و أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض ) ردّ التوارث , دون عقد الأخوة ..

ومعنى هذا الإخاء كما قال الشيخ محمد الغزالي : أن تذوب عصبيات الجاهلية , فلا حمية إلا للإسلام , و أن تسقط فوارق النسب و اللون و الوطن , فلا يتقدم أحد أو يتأخر إلا بمروءته و تقواه .

و قد جعل الرسول صلى الله عليه و سلم هذه الإخوة عقداً نافذاً لا لفظاً فارغاً , و عملاً يرتبط بالدماء و الأموال , لا كلاماً تثرثر به الألسن و لا يقوم له أثر في الواقع .

أيها الأخوة الأحباب:

لقد تجلت في هذه الإخوة معاني الإيثار و المواساة والمؤانسة , فلقد ضرب الأنصار   أروع الأمثلة في التضيحة والكرم , و قابلها المهاجرون بأنبل الصفات في الزهد و الورع , فقد روى البخاري أنهم لما قدموا المدينة آخى رسول صلى الله عليه و سلم بين عبد الرحمن بن عوف و سعد بن الربيع فقال : لعبد الرحمن إني أكثر الأنصار مالاً فأقسم مالي نصفين , ولي زوجتان فانظر أعجبهما إليك فسمها لي , أطلقها , فإذا انقضت عدتها تتزوجها , فقال عبدالرحمن بن عوف : بارك الله لك في أهلك و مالك أين سوقكم ؟ فدلوه على سوق بني قينقاع , فأصبح  عبدالرحمن بن عوف بعد من كبار تجار المدينة , و رُوى عن أبي هريرة قال : قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه و سلم :: أقسم بيننا و بين أخواننا النخيل  , قال لا

 فقالوا : فتكفونا المؤنه , و نشرككم في الثمر , قالوا : سمعنا و أطعنا .

لقد كانت الأخوة بين المسلمين في المدينة مثالاً رائعاً للإخوة الإسلامية الصادقة على مر التاريخ الإنساني , و لم تكن تلك الأخوة مجرد شعارات تردد بل كانت أخوة تجلت معانيها في الواقع العملي للمسلمين .. فساد بينهم الود و التآلف حتى أنزل الله سبحانه و تعالى في كتابة العزيز

 ( و اذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا )

 معاني أكبر و تجسدت في مواقف أعظم و أصبحت رابطة الأخوة الإسلامية فوق كل رابطة أخرى , فوق رابطة القبيلة و فوق رابطة النسب و فوق رابطة المنطقة , فهاكم هذا الموقف العظيم الذي جسده الصحابي الجليل مصعب بن عمير في غزوة بدر , فبعد أن انتهت المعركة مر مصعب  رضي الله عنه بأخيه أبي عزيز الذي خاض المعركة و قاتل ضد المسلمين , مر به وأحد الأنصار يشد يده فقال مصعب للأنصاري : شد يديك به , فإن أمّه ذاتُ متاع , لعلها تفتديه منك , فقال أبو عزيز لأخيه مصعب : أهذه وصايتك بي ؟ فقال مصعب : إنه ــ أي الأنصاري ـ أخي دونك أي أن هذا الأنصاري الذي لا تربطني به أي رابطة سوى رابطة الإسلام فهو أخي أما أنت يا أبن أمي و أبي فلست أخي لقد فرقت بيننا العقيدة ..         

 أقول ماتسمعون  ....

الخطبة الثانية :

أيها الإخوة الكرام الأعزاء :

أيها الإخوة المسلمون :

الأخوة أمر ضروري لقيام الحياة و بناء المجتمع و تحقيق التكامل و التعاون , فالأخوة تحقق التماسك و الترابط الإسلامي , والأخوة حماية للمجتمع من أشكال الانحراف و الضعف  , و الأخوة تحقق التوازن الاجتماعي  فلا يشعر الفرد المسلم بالفوارق بينه و بين أخيه و الأخوة مطلب ديني أي أن الله تعالى

أمر بها في كتابة الكريم في كثير من الآيات و حثّ عليها فقال ( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم )  و حثّ عليها النبي صلى الله عليه و سلم فقال ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله و ذكر منهم رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه و تفرقا عليه )

و لأهمية الأخوة بين المسلمين و لأهميتها في بناء المجتمع الإسلامي فقد حرص الإسلام على هذه الأخوة و سد كل المنافذ التي تؤدي إلى زعزعتها و إضعافها , و منع أشكال العصبيات الجاهلية أن تهد بنيانها و تقوض صرحها .

تروي لنا السيرة أن  شاس بن قيس وكان شيخا قد عسا في الجاهلية عظيم الكفر شديد الطعن على المسلمين شديد الحسد لهم قد مر على نفر من أصحاب رسول الله من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه فغاظه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية فقال قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار فأمر فتى شابا معه من يهود فقال اعمد إليهم فاجلس معهم ثم ذكرهم يوم بعاث وما كان قبله وأنشدهم بعض ما كانوا يتقاولون فيه من الأشعار وكان يوم بعاث يوما اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج ففعل فتكلم القوم عند ذلك وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب فتقاولا ثم قال أحدهما لصاحبه إن شئتم والله رددناها الآن جدعة وغضب الفريقان جميعا وقالوا قد فعلنا السلاح السلاح موعدكم الظاهرة ، والظاهرة الحرة فخرجوا إليها وانضمت الأوس بعضها إلى بعض والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية

فبلغ ذلك رسول الله فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم فقال:

" يا معشر المسلمين الله الله أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام وأكرمكم به وقطع به عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر وألف به بينكم ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا" ،

فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم لهم فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا وعانق الرجال بعضهم بعضا ثم انصرفوا مع رسول الله سامعين مطيعين قد أطفأ الله عنهم كيد عدوهم .

و بهذا الموقف الحاسم من الرسول صلى الله عليه و سلم نلحظ كيف أن الإسلام حارب العصبيات التي تمزق الأخوة و تفتت أساساتها .

ويوم أن فلت لسان الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري بكلمة على أخيه بلال بن رباح  رضي الله عنهما فقال له في ساعة غضب : يا أبن السوداء فلما بلغ الأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم تغير وجهه و قال عليه الصلاة و السلام يا أبا ذر أعيرته بأمه .. أنك امرؤ فيك جاهلية , انظر أخي رعاك الله كيف حارب الإسلام كل هذه النزعات , لذا عاش الجميع في رحاب الإسلام إخواناً متحابين , عاش أبو بكر العربي و سلمان الفارسي , وصهيب الرومي و بلال الحبشي , اختلفت بلدانهم , و اختلفت ألوانهم , و اختلفت أنسابهم , و لكن جمعهم  رباط و احد هو رباط الإسـلام .

لقد جاءت الشريعة الغراء داعية إلى حفظ الأخوة من خلال التزام تعاليم الدين التي تقوي  الأخوة مثل : إفشاء السلام , تشميت العاطس و إجابة الدعوة , وعيادة المريض و إتباع الجنازة و إسداء النصيحة و تقديم المساعدة و الرد عن عرضه , وان تدعوه بأحب أسمائه , وان توسع له في مجلسه , و أن تحمل كل تصرفاته على حسن النية , و أن تدعو له  بظهر الغيب و أن تبتسم  في وجهه , وان تقدم له الهدية , و أن تسأل عنه إذا غاب و أن تشاركه أفراحه و أتراحه .

وكذلك حذر الإسلام من مفسدات الأخوة كالسخرية و اللمز  و التنابز بالألقاب و التجسس و الغيبة النميمة و سوء الظن و الحقد و الحسد

و المشاحنة , فاحفظوا أيها المسلمون إخوتكم و اعلموا أنكم بالأخوة أقوياء و بدونها ضعفاء و احذروا من كل دعوات الفرقة و التمزق  التي تغرس في النفوس الحقد و البغضاء بين أبناء البلد الواحد من دعوات المناطقية و القبلية و الحزبية الضيقة , فإذا اختلفت قبائلنا فكلنا لآدم و آدم من تراب و إذا اختلفت مناطقنا فكلنا يمنيون , و إذا اختلفت أحزابنا و جماعاتنا فحزبنا الكبير هو اليمن , وكلنا مسلمون , الهنا  واحد و ديننا و احد و نبينا واحد و قبلتنا واحدة . 

صلوا و سلموا ...

الجمعة   28 محرم  1433هـ  الموافق 23 /  12 / 2011م

سالم عبود خندور بمسجد عمر حيمد بالقرن – سيئون

(تسجيل صوتي)


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص