أهميه الحوار وآدابه

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمد عبد الله ورسوله وصفي الله وخليله البشير النذير السراج المزهر المنير خير الأنبياء مقاماً وأحسن الأنبياء كلاما لبنة تمامهم ومسك ختامهم رافع الإصر والأغلال الداعي إلى خير الأقوال والأعمال والأحوال الذي بعثه ربه جل وعلا بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجا منيرا فختم به الرسالة وعلم به من الجهالة وهدى به من الضلالة وفتح به أعين عميّاً وآذاناً صمّا وقلوب غلفى وتركنا بأبي وأمي وروحي على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك

اللهم وكما آمنا به ولم نره فلا تفرق بيننا وبينه حتى تدخلنا مدخله اللهم وأوردنا بفضلك وكرمك ورحمتك حوضه الأصفى واسقنا منه بيد حبيبك شربة هنيئة مريئة لا نرد ولا نظمأ بعدها أبداً وصلى اللهم وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين

أما بعد،،،

فحياكم الله جميعا أيها الأباء الفضلاء وأيها الإخوة الأحباب الأعزاء

وطبتم وطاب سعيكم وممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلاً

وأسأل الله الكريم جل وعلا الذي جمعنا على طاعته أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى

في جنته ودار مقامته إنه ولي ذلك ومولاه

أحبتي في الله

** أهميه الحوار وآدابه **

هذا هو موضوعي مع حضراتكم في هذا اليوم المبارك

فقد شاء الله جل وعلا

واقتضت حكمته سبحانه وتعالى أن يخلق الخلق مختلفين في الأشكال والألوان بل والطبائع

بل والعقائد والأفكار

فلا يمكن على الإطلاق أن ترى اثنين على وجه الأرض متفقين في كل شيء . قال تعالى :{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلسِنَتِكُمْ وَأَلوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلكَ لآيَات للعَالمِينَ(22)} الروم

فهذا أمر قدري وهذا الاختلاف بين الخلق اختلاف فطري

فليس الخلاف مقصوراً على الدين والعقائد بل وكذلك في الأفكار في الفهم والاستدلال فدلالة النصوص نوعان :        دلالة حقيقية، ودلالة إضافية

أما الدلالة الحقيقية لأي نص لأي قول فهذه لا تختلف لأنها تابعة لقصد المتكلم

أما الدلالة الإضافية فهي التابعة لقصد المستمعين وهي تختلف باختلاف أعداد المستمعين

فأنا أتكلم الآن وبين يدي الكثير  يستمعون

ثم كل واحد من هولاء له فهمه لدلالات النصوص  

فدلالة النصوص بالنسبة للمستمعين دلالة إضافية وليست دلالة حقيقية تختلف باختلاف أعداد المستمعين

فالناس متفاوتون في فهم النصوص وفهم الأدلة

ومتفاوتون كذلك في البيان والاستدلال

فهذا الاختلاف إذن أمر طبيعي، أمر فطري

الناس تختلف حتى في بصمة الصوت وفي بصمة اليد وفي بصمة القدم

لا ترى اثنين متفقين في كل شيء بل لا بد أن ترى هذا التباين والاختلاف

ولكن هل معنى ذلك أيها الأحبة أن نختلف فيم بيننا في أي قضية مطروحة إلى الحد الذي يخرج فيه المتحاورون عن أدب الحوار وعن أدب النقاش وعن أصول الحوار

وأن نقدم العصبية البغيضة وأن نعلي شأنها

وأن نعلي شأن المصالح الفردية والنزاعات الشخصية بحيث يضيع الحق في هذا الصراخ وفي هذا التطاحن

الذي نراه الآن على شاشات الفضائيات وعلى الجرائد والمجلات بل وفي الشوارع والطرقات والمجالس والمنتديات

بحيث يضيع الحق في هذا الضجيج والصراخ والعويل الذي يسمى بالحوار

الحوار له أصول الحوار له أدب

وأنني لن أشرق ولن أغرب

لأن البعض يتصور أن أصول الحوار إنما هي أصول غربية او شرقية

وأني أؤكد لشبابنا وإخواننا

أن الذي علمنا أصول وأدب الحوار هو كتاب ربنا سبحانه وهدي  نبينا المختار

فهذه أصولنا نحن وهذه مبادئنا نحن

أصول الحوار في الإسلام ليست شرقية ولا غربية

إنما هي أصول ربانيه وأصول محمدية نبوية

تنبني على العدل والأدب والحكمة وصحة القصد وحسن النية

واحترام الآخر وعدم إساءة الظن بالآخر وعدم اتهام الآخر

أصول يبينها لنا ديننا العظيم ونبينا الكريم صلى الله عليه وسلم

 

ولذلك أيها المسلمون : فلقَدِ حفلَتْ آياتُ القرآنِ الكريمِ والسنةُ النبويةُ المطهرةُ بالنصوصِ الكثيرة التِي تُرشِدُنَا إلَى أهميةِ الحوارِ فِي حياةِ الناسِ، وتُعلِّمُنَا حُسْنَ الاستماعِ إلَى الآخرينَ ، ، وقَدْ ذكَرَ القرآنُ الكريمُ الحوارَ في مواضعَ كثيرةٍ جداً نذكرُ ما دارَ بينَ اللهِ والملائكةِ مِنْ حوارٍ فِي قصةِ خَلْقِ الإنسانِ، وسؤالَ الملائكةِ لربِّ العالمينَ، قالَ تعالَى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ )  [البقرة : 30]  , ولمْ يكنْ ذلكَ الحوارُ معَ الملائكةِ فحسب ، بلْ حتى معَ شرِّ خلقِ اللهِ إبليس ، قالَ اللهُ تعالى :( فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) )  [الحجر : 30 ، 31] .

ولقَدْ حاورَ اللهُ سبحانَهُ وتعالى إبليسَ معَ عصيانِ هذا المطرودِ من رحمةِ اللهِ وتمردِهِ على أمرِ اللهِ ، فسأَلََهُ اللهُ تعالَى عَنْ سبَبِ عِصيانِهِ بأدبِ الرحمةِ الإلهيةِ فقَالَ سبحانَهُ : (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33)  )[الحجر : 32 - 34] )

درْسٌ عظيمٌ ، وتربيةٌ ربانيةٌ ، نُدرِكُ مِنْ خلالِها أهميةَ الحوارِ فِي حياتِنَا ، ونتعلَّمُ منْ هذهِ الدروسِ الربانيةِ ، حُسْنَ الإصغاءِ للآخرينَ ولَوْ كانُوا غيْرَ مُحِقِّينَ ، لأنَّ مجردَ الإصغاءِ لهم ، يشتملُ على احتواءِ كلِّ ما لديهِمْ من الأسبابِ والحُجَجِ ، والأعذارِ والتأولاتِ ، للوقوفِ على سببِ الخلافِ وعلاجُهُ ، ولكي يعلمَ الطرفُ الآخرُ أنكَ تستمع إلى رأيه ، ويهمُّكَ أمرَهُ ، وأنكَ تسعى للإقترابِ منهُ ، وتحبُّ لهُ  الخير وتخشى عليهِ.

أيُّهَا المؤمنونَ :

إقرأوا القرآنَ وتأملوه ، لقَدْ تَحاوَرَ اللهُ سبحانَهُ وهوَ الخالقُ معَ كثيرٍ من الأنبياءِ ، وتحاورَ سيدُنَا نوحٌ وهودٌ وإبراهيمُ وشعيبٌ وموسَى عليهمُ السلامُ مَعَ أقوامِهِمْ، وقَصَّ علينَا القرآنُ الكريمُ محاوراتِهِمْ ، وتحاورَ البشرُ فيما بينَهم ، فقد جاءَ فِي القرآنِ الكريمِ حِوارٌ جَرَى بيْنَ رَجُلَيْنِ أَنْعَمَ اللهُ تعالَى علَى أحدِهِمَا بِجَنَّتَيْنِ، فاغْتَرَّ بِمَا عندَهُ، وأنكرَ الإيمانَ والدارَ الآخرةَ، فكانَ صاحبُهُ المؤمنُ يُحاورُهُ بأدَبٍ ، وينصَحُهُ بلُطْفٍ ، قَالَ سبحانَهُ وتعالَى :( قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا ) [الكهف : 37 - 42] .

لقد ندِمَ الرجلُ علَى مَا اقترَفَ ، وقالَ: يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً ، حينَ لنْ تنفعَ ليتَ ، ولنْ تنفعَ ليتَ ، في كلِّ زمانٍ ومكانٍ مَنْ يتعامى عنِ الحوارِ والنصحِ الصادقِ , ليكنْ هدفُنا من الحوارِ ، هو توضيحُ الحقِّ ، وتبيينُ الصوابِ ، وهدايةُ التائهِ ، بعيدا عن حظوظ النفس والثورانِ لها .

عبادَ اللهِ:

إنَّ الحوارَ هامٌّ فِي حياتِنَا ، والحوارُ ليسَ بالصخبِ والفوضى ، والإستعلاءِ والإستنقاصِ ، والإستبدادِ بالرأي ، إنما هو مائدةُ حُجَجٍ وبراهينَ ، وأخذٍ وعطاءٍ ، وقولٍ وإصغاءٍ ، وتفاهمٍ وتراحمٍ ، فعلينَا أَنْ نتعلَّمَ ذلكَ ، ونُعلِّمَهُ أبناءَنَا وبناتِنَا، ونمارسَهُ بآدابِهِ وأخلاقِهِ فِي العلاقاتِ بينَناَ جميعاً ، فليكُنِ الحوارُ الهادفُ بينَ الأزواجِ والزوجاتِ ، قال تعالى (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ  ) [المجادلة : 1] ,  وبينَ الآباءِ والأبناءِ فقد حاورَ إبراهيمُ أباهَ ولقمانُ ابنَهُ ، وبينَ المعلمينَ والطلابِ فقدْ تحاورَ الخَضِرُ مع موسى عليهِما السلامُ ، وبينَ المسئولينَ والمواطنينَ فقدْ تحاورَ صفوةُ الخلقِ صلى اللهُ عليه وسلمَ مع أصحابِه ، تأمَّلُوا هذَا الحوارَ التربوِيَّ الذِي ورَدَ فِي سننِ بنِ ماجةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهُمَا أنه قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ بِلَبَنٍ وَعَنْ يَمِينِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وكانَ صغيرَ السِّنِّ وَعَنْ يَسَارِهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ لاِبْنِ عَبَّاسٍ :« أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَسْقِىَ خَالِدًا؟». قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا أُحِبُّ أَنْ أُوثِرَ بِسُؤْرِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى نَفْسِي أَحَدًا. أي بفضلةِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ فَأَخَذَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَشَرِبَ، وَشَرِبَ خَالِدٌ ,   الله اكبر مَا أروعَهُ مِنْ حوارٍ جميلٍ ، فيهِ احترامٌ لمشاعرِ الصغيرِ، واستماعٌ لرأيِهِ.

أيها الأخوة المؤمنون :

 القرآنُ والسنةُ ، مدرستانِ عظيمتانِ ، ولكنْ أينَ المستفيدونَ؟فبالحوارِ الهادئِ يدخلُ الناسُ في دينِ الإسلامِ ، فليستِ الدعوةُ بالإكراهِ ولكنْ بالتبيينِ والإيضاحِ باللطفِ واللينِ ، وبالحوارِ الهاديء يتركُ الناسُ المعتقداتِ الباطلةِ والمناهجِ العوجاءِ والأفكارِ الضالةِ ، وبالحوارِ الهادفِ غيرِ المتعصِّبِ تتقلصُ الفجواتُ في المجتمعِ فيزدادُ تلاحماً ، وبالحوارِ الهادفِ الهاديء تزدادُ الأُسرةُ تماسكًا، ويتفاهَمُ الأصدقاءُ معَ بعضِهِمْ ، وبالحوارِ نحقِّقُ معانِيَ القِيَمِ الإنسانيةِ والحضاريةِ الراقيَةَ ، بعيداً عنِ الاستبداد والفوضى والأنانيةِ

أيها الأحبةُ في اللهِ :

إنَّ مِنْ أسبابِ نجاحِ الحوارِ الهادفِ الابتعادَ عَنِ الجدالِ بالباطلِ لأنَّهُ يُستخدَمُ لقَلْبِ الحقيقةِ مِنْ غيرِ هُدًى ولاَ دليلٍ ولاَ حجَّةٍ ولاَ بُرهانٍ، قالَ تعالَى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ  ) [الحج : 8]

فالحوارُ الهادفُ ينجَحُ بالحكمةِ، وباستخدامِ أفضَلِ السبُلِ للإقناعِ، قالَ سبحانَهُ : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) [النحل : 125]

والحوارُ بالتِي هيَ أحسنُ يستلزِمُ احترامَ الآخرِ، والصبْرَ عليهِ وعدمَ مقاطعتِهِ أثناءَ حديثِهِ أَوْ بيانِ رأْيِهِ، كمَا يستلزِمُ حُسْنَ الظنِّ بهِ، والحرصَ علَى عدمِ تحويلِ الحوارِ إلَى جَدَلٍ وخصامٍ، ففي الصحيحينِ عنْ عائشةَ رضي اللهُ عنها قالتْ قَالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ :« إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الأَلَدُّ الْخَصِمُ) ، ألا وإنَّ أعظمَ ما يُردُّ إليهِ النزاعُ والخلافُ هو قولُ اللهِ وقولُ رسولِهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) [النساء : 59]  ,

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعَنِي اللهُ وإياكُمْ بما فيه والسنة من الخير العميم ، وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه  وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين

أيها الأحبة

إن من أعظم آداب الحوار الإقناع

أقنعني وأنا أقنعك

ليس بالصوت العالي وليس بالصوت المرتفع ولا بالضجيج

ولا بالصراخ ولا بالعويل ولا بالسباب ولا بالشتائم ولا باتهام النيات والنيل من الكلمات وإنما بالحجة ، بالبرهان ، بالكلمة المقنعة

إخواني الكرام والله أننا لنعجب لأدب الحوار في القرآن

انظروا إلى حوار إبراهيم مع أبيه آزر

قال تعالى {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا(41)}مريم

اسمعوا إلى الإقناع والحجة

{ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا(42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا(43) يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا(44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا(45)}مريم

انظروا إلى الحجة انظروا إلى الإقناع والدليل والبرهان

فرد الصوت المرتفع ردد الغلبة للأقوى :{ قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ}مريم

هذا هو منطق البطش والظلم والطغيان والاستبداد والإرهاب الفكري

{ قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا(46)}مريم

فماذا كان الرد؟

{قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ}

فلنتعلم هذا الأدب يا أخواني لأننا بأمس الحاجة إليه ونحن نلمح  بعد الثورات تفلتاً عند كثير من شبابنا                    في حواره مع من يكبرونهم سناً

نرى تفلتاً في الحوار

نرى تفلتاً من القيم

فقد يتحدث الآن شاب مع والد له

بلغة الفظاظة والاستعلاء والأنا

هذا ليس من الدين

قد يتعامل شاب مع رجل قد أتاه الله مكانة في الدين أو منزلة في الدنيا

يتكلم معه بلا أدنى أدب

هذا ليس من الدين

وإنما رد الخليل على والده المُهدد والمتوعد

{قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا(47)}مريم

وانظروا إلى الثمرة الأخرى

ثمرة بر إبراهيم بوالده

أن رزقه الله ابن باراً به حين قال إبراهيم بعد ذلك بعد ما تجاوز الثمانين من عمره

حين خاطب ولده إسماعيل

{قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىفِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى (102)}الصافات

انظروا إلى الإقناع

{فَانظُرْ مَاذَا تَرَى} لم يفرض عليه ولم يتهدده ولم يتوعده

{قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ(102)}الصافات:

أرأيتم قلبا أبويا يتقبل أمرا يأباه ؟

أرأيتم ابنا يتلقى أمرا بالذبح ويرضاه ؟

ويجيب الابن بلا فزع

افعل ما تؤمر أبتاه

لن أعصى لإلهي أمرا

من يعصي يوما مولاه ؟

واستل الوالد سكينا

واستسلم ابن لرداه

ألقاه برفق لجبين

كى لا تتلقى عيناه

وتهز الكون ضراعات

ودعاء يسمعه الله

تتضرع للرب الأعلى

أرض وسماء ومياه

ويجيب الحق ورحمته

سبقت في فضل عطاياه

صدقت الرؤيا لا تحزن

يا إبراهيم فديناه

أيها الاحبه

وها هو نبيناعليه الصلاة والسلام  يعلمنا هذا الأدب الراقي في الحوار ألا وهو الإقناع

روى البخاري ومسلم وأحمد في مسنده واللفظ لأحمد بسند صحيح من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال  : لما قسم النبي صلى الله عليه وسلم غنائم حنين وكانت وافرة أعطى قومه من قريش ممن أسلموا حديثاً ولم يعطي الأنصار من الغنائم شيئاً ولا زالت شيوخ الأنصار تقطر بدمائهم كما قال الأنصار أنفسهم في رواية أنس في الصحيحين فغضب الأنصار وتألمت نفوسهم ووجدوا في أنفسهم على نبيهم صلى الله عليه وسلم وقالوا كلمات واضحة جداً اسمع

(قالوا والله لقد لقي رسول الله قومه) يعني حين لقي رسول الله قومه أعطاهم ونسيّنا (والله لقد لقي رسول الله قومه)

فسمع العبارة سعد بن عبادة رضي الله عنه فانطلق إلى النبي مسرعاً وأخبره بما قاله الأنصار فقال للنبي قال لقد وجدوا الأنصار عليك في نفوسهم يا رسول الله . قال ممَ؟ وفيمَ؟ . قال في قسمك الغنائم أعطيت قومك ولم تعطى الأنصار منها شيئاً فقال النبي لسعد: اجمع لي الأنصار يا سعد فجمع سعد بن عبادة الأنصار جميعاً وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فخرج عليهم رسول الله فحمد الله وأثنى عليه وقال:

اسمعوا إلى هذا الحوار البديع

قال : يا معشر الأنصار ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله ؟ ألم أجدكم عالة فأغناكم الله؟ ألم تكونوا أعداء فألف الله بين قلوبكم ؟ فسكتوا . فقال : آلا تجيبوني يا معشر الأنصار؟

قالوا : بماذا نُجيب يا رسول الله المن لله ولرسوله فقال صلى الله عليه وسلم

انظروا إلى هذا الفقه العالي

فقال صلى الله عليه وسلم : والله لو شئتم لقلتم فصدقتم . لقلتم : جئتنا طريداً فآويناك وعائلاً فواسيناك وخائفاً فأمناك. فقالوا المن لله ولرسوله. فقال : يا معشر الأنصار أوجدتم في أنفسكم في لعاعة من أمر الدنيا أي في أمر حقير تافه زائل من أمر الدنيا تألفت بها أقوام أسلموا ووكلتكم إلى ما قسم الله لكم من الإسلام ، يا معشر الأنصار أما ترضون أن يرجع الناس إلى رحالهم بالشاء والبعير وترجعون أنتم إلى رحالكم برسول الله؟ يا معشر الأنصار والله لو سلك الناس شِعْباً وسلك الأنصار شِعْباً لسلكت شِعْب الأنصار

اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار

فبكى الأنصار حتى أخضلت لحاهم من البكاء وقالوا على قلب ولسان رجل واحد

رضينا برسول الله قسّماً ومغنماً

هذا هو أدب الحوار

هذا هو أدب الحوار كما علمنا سيد البشرية صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم

هذه الأصول والدروس والآداب المستقاة من إسلامنا من كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم

أسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أسأل الله أن يرزقنا وإياكم الأدب وأن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه

اللهم اجعل اليمن أمناً أمطمئنا سخاءاً رخاءاً وجميع بلاد المسلمين اللهم حكم في اليمن كتابك وسنة رسولك

اللهم ارزق اليمن الحكام الصالحين وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة النافعة يا رب العالمين

اللهم لا ترد هذا الجمع إلا بذنب مغفور وسعي مشكور وتجارة لن تبور

اللهم لا تدع لأحد من إخواننا وأخواتنا ذنباً إلا غفرته ولا مريضاً إلا شفيته ولا ديناً إلا قضيته ولا ميتا  إلا رحمته ولا عاصياً   إلا هديته ولا طائعاً إلا زدته وثبته ولا حاجة هي لك رضى ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا أرحم الراحمين

اللهم اجعل جمعنا هذا مرحومَ وتفرقنا من بعده معصومَ ولا تجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروماً

اللهم أهدنا واهدي بنا واجعلنا سببا لمن اهتدى

اللهم اقبلنا وتقبل منا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم

اللهم اهدي شبابنا واستر نسائنا وأحفظ بناتنا وأصلح أخواتنا برحمتك يا أرحم الراحمين

اللهم أقر أعيننا بنصرة الإسلام وعز الموحدين اللهم أبرم لأمة حبيبك أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويهدى فيه أهل المعصية أنت ولي ذلك والقادر عليه

 ربنا آتنا في الدنيا حسنه وفي الآخرة حسنه وقنا عذاب النار  

 وصلى الله علي نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم  وأقم الصلاة

خطبة الجمعة 22 مارس 2013م بمسجد عمر حيمد بسيئون – القرن

للأستاذ / احمد جمعان خندور

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص