(وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)

 أيها المسلمون:

كان حبيبكم –صلوات ربي وسلامه عليه-إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلاَتَهُ قَائِلاً: «اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِى لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِى مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» .

 

وكان من دعائه أيضاً: (اللهم أرني الحق حقاً فأتبعَه، وأرني المنكر منكراً وارزقني اجتنابَه ، وأعذني من أن يشتبه عليَّ فأتبعَ هوايَ بغير هُدىً منك ، واجعل هوايَ تَبعاً لطاعتك ، وخذ رضا نفسِك من نفسي في عافية ، واهدني لما اختُلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم).

 

هكذا يرشدنا رسول الهدى إلى التشوف لمعرفةِ الحقِّ واتِّبَاعِهِ ؛ لأن الحقَّ قامت به السموات والأرض ، فاللهُ -عز وجل- هو الحق ، ووعدُه حق كما في حديث استفتاحه- صلى الله عليه وسلم- صلاةَ الليلِ: (وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ ، وَالنَّارُ حَقٌّ ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ ، وَمُحَمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم-حَقٌّ ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ).

 

والحقُّ أيها المسلمون:

هو الثبات، بل هو اسم من الأسماء الحسنى لله -عز وجل-، فاللهُ هو الحق وهو المعبود الحق ، وكل معبودٍ دونه باطل.

واللهُ لهُ دعوةُ الحق: (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ).

والحقُّ –يا أنصارَ الحقِّ- نقيضُ الباطل ويضادُّه كما قال تعالى : (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ).

وهو –تعالى- الذي يُحِقُّ الحقَّ بكلماته ، ويحكم بين خلقه بالحق ، ويُوجِدُ الأشياء بالحق بحسب مقتضَى حكمتِه –جلَّ شانُه-.

الحق أصل ، والعدل أساس تعود إليه هذه الدنيا، ويوم بدأت الدنيا بدأت بالحق , وتنتهي الدنيا أيضاً إلى الحق , وبعد الدنيا يتجلى الحق في أوضح وأظهر صُوَرِه ، يوم ينزل الله تعالى لفصل القضاء بين عباده ، وتوضع الموازينُ القسطُ ليوم القيامة:  (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ).

 

واسمع أخي إلى أمير المؤمنين عُمَر وهو يقول: الْحَقُّ أَبْلَجُ لَا يَخْفَى عَلَى فَطِنٍ.

 لو تجردت العقول من الهوى، ولو رُفِع عنها حجب التقليد العمياء الصماء ، لرأت الحق أبلج البرهان ، ولشهدت الهدى علوي البيان

قد جاء شاهدُ قومِها من أهلها *** الحق أبلجُ شامخُ البينان

والشمس الساطعةُ لا تُحجَبُ بالأكُف.

-وقيل: من ركب الحقَّ غلب الخلقَ.

     

وقيل: دولة الباطل ساعة ، ودولة الحق إلى قيام الساعة

 

الحقُّ أبلج أهل الفضلِ تعرفُهُ *** و ليس يُقذَفُ إلا يانعُ الثَمَرِ

الحقُّ أبلجُ.. والكتابُ مؤيّدٌ *** وليغْلِبنَّ مُغَلِّبُ الغلاّبِ

فإن الحق أبلجُ ليس يخفى *** طَلاوته على الذهن السليم

أيها المسلمون:

إنَّ أبرز صفات الناجحين المفلحين .. المؤمنين الصادقين أنهم: (تَوَاصَوْا بِالْحَقِّ * وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ).

ومن هنا نجدُ سورة العصر كلَّها هو الحق ، وبيانُ ذلك: أن المراتب أربعة ، وباستكمالها يحصل للشخص غايةُ كمالِه.

1- معرفة الحق  2 –عملُهُ به  3- تعليمُهُ من لا يُحسٍنُه  4- الصبر على تعليمه والعملِ به.

 

وهذه المراتب كلُّها في سورة العصر، وقد أقسم سبحانه في هذه السورة بالعصرِ أنَّ كلَّ أحدٍ في خُسرٍ إلا:

(الَّذِينَ آمَنُوا) عرفوا الحق وصدَّقوا به

 

(وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) عَمِلوا بما عَلِموه من الحق (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ) وصَّى به بعضُهم بعضاً تعليماً وإرشاداً (وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) صبروا على الحق ، ووصَّى بعضُهم بعضاً بالصبر عليه والثباتِ حتى الممات.

 

أيها المسلمون:

 لمَّا ذُكِر التواصي بالحق في سورة العصر بصيغة الجمع دلَّ على أهمية الاجتماع للدعوة إلى هذا الحق ، والأمر به، والذبِّ عنه.

وأيضاً لزوم الحق عَمَلاً وعِلْماً ودعوةً وتعليماً من الأمور الشاقة التي تحتاج إلى التواصي والتعاون ، وذلك لِمَا يعتَرِضُ طريقَ الحق من العقبات والمرارات والتحدِّيات.

يقول سيد قطب –رحمه الله-: (والتواصي بالحق ضرورة. فالنهوض بالحق عسير. والمعوقات عن الحق كثيرة : هوى النفس ، ومنطق المصلحة ، وتصورات البيئة ، وطغيان الطغاة ، وظلم الظلمة ، وجور الجائرين.. والتواصي تذكيرٌ وتشجيعٌ وإشعارٌ بالقربى في الهدف والغاية ، والأُخوةِ في العبءِ والأمانة.

 

فهو مضاعفة لمجموع الاتجاهاتِ الفردية ، إذْ تتفاعل معاً فتتضاعف تتضاعف بإحساس كلِّ حارس للحق أنَّ معه غيرَه يوصيه ويشجعُه ويقفُ معه، ويحبه ولا يخذله). اللهم اجعلنا من حراس الحقِّ وحُماتِه ياربَّ الأرباب.

 

لكن ياتُرَى: لماذا ينصرِفُ بعضُ الناس عن الحق؟

إنَّ العقباتِ التي تصرِفُ الناس عن الحق:

أَخطرُها الشُّبُهاتُ المتمثلةُ في : التضليل والكذِبِ وتزويرِ الإراداتِ وقلبِ الحقائقِ وكيل التُّهَمِ والاِفتراءات ، ولبسِ الحق بالباطل.

 والشهوات المتمثلةُ في: الهوى والركونِ إلى الدنيا. ولذا نجدُ أنَّ الإمام عليَّ بنَ أبي طالبٍ –رضي اللهُ عنه-كان يشتدُّ خوفُهُ من اثنين: طولِ الأمل ، واتباعِ الهوى. قال: فأما طولُ الأملِ فيُنسِي الآخرة ، وأمَّا اتباعُ الهوى فيصد عن الحق.

ويضربُ ابنُ القيمِ مثلاً للحقِّ والعقباتِ من حولِهِ فيقول:

(مَثَلُ الحق مَثلُ طريقٍ مستقيم واسعٍ ، وعلى جنبيه قُطَّاعٌ ولصوص ، وعندهم خواطئ قد ألبسُوهنَّ الحُليَّ والحُلَل ، وزينوهن للناظرين ، فيمر الرجل بالطريق فيتعرضنْ له ، فإن التفتَ إليهنَّ طمِعْن في حديثه فألقين إليه الكلام ، فإن راجعهُن وأجابهُن دَعِينَه إلى الذبح ، فإذا دخل عرِين الموت صار في قبضتهن أسيراً أو قتيلاً ، فكيف يُحارِبُ قوماً مَن هو أسيرٌ في قبضتهم .. قتيلُ سلاحِهِم! بل يصير هذا عوناً من أعوانهم .. قاطعاً من قُطاع الطريق ، ولا يعرفُ حقيقةَ هذا المثلِ إلاَّ من عَرفَ الطريقَ المستقيمَ وقُطَّاعَ الطريق ومكرَهُم وحِيَلَهُم. وقد نصب سبحانه الجسرَ الذي يمر الناس من فوقِه إلى الجنة ونصب بجانبيه كلاليبَ تخطَف الناسَ بأعمالهم ، فهكذا كلاليبُ الباطلِ من تشبيهات الضلال ، وشهواتِ الغيِّ تمنع صاحبَها من الاستقامة على طريق الحق وسلوكِه ، والمعصومُ من عصمَه الله)

ثم يصوِّرُ –رحمه اللهُ- الصادِّين عن الحق ووسائِلَهُم في ذلك مع الحقِّ وأهلِهِ فيقول:

(فإذا جاء الحق معارضاً في طريق رياستِهم طحنُوه وداسُوه بأرجلهم ، فإن عجزوا عن ذلك دفعُوه دفع الصائل ، فإن عجزوا عن ذلك حبسوه في الطريق وحادوا عنه إلى طريق أخرى، وهم مستعدون لدفعِه بحسب الإمكان. فإذا لم يجدوا منه بُدًّا أعطَوه السِّكة والخُطبة وعزلوه عن التصرف والحكم والتنفيذ ، وإن جاء الحق ناصراً لهم وكان لهم صالُوا به وجالُوا ، وأتوا إليه مذعنين، لا لأنه حق بل لموافقته غرضَهم وأهواءَهم وانتصارَهم بِه (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (*) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (*) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمْ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ)!

 

أيها الأحباب الكرام:

ونظراً لِثِقَلِ الحقِّ فقد كان السلف يتَوَاصون به وينبِّهون على ثِقَلِه ، فقد جاء في وصيةِ أبي بكر لعمر (وَإِنَّمَا ثَقُلَتْ مَوَازِينُ مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمْ فِي الدُّنْيَا الْحَقَّ وَثِقَلُهُ عَلَيْهِمْ ، وَحَقٌّ لِمِيزَانٍ لاَ يُوضَعُ فِيهِ إِلاَّ الْحَقُّ أَنْ يَكُونَ ثَقِيلاً. وَإِنَّمَا خَفَّتْ مَوَازِينُ مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمُ الْبَاطِلَ وَخِفَّتِهُ عَلَيْهِمْ ، وَحَقٌّ لِمِيزَانٍ لاَ يُوضَعُ فِيهِ إِلاَّ الْبَاطِلُ أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا).

فاللهم إنا نسألك في هذه الساعة: أن تُثَقِّل موازينَ الحقِّ، وأن تخفِّف وتمحَقَ الباطلَ وموازينَه وقواهُ يا من أنت القوي القادر.

 

  أيها الإخوة:

إن الناظرَ إلى الواقع يجدُ أنَّ الناس ينقسمون إزاء الحق إلى أقسامٍ ثلاثة:

1- صنفٍ أخطأ الحق وضلَّ عنه ، إمَّا بجهلٍ أو شُبهةٍ أو تضليلٍ ، وهذا من جِنسِ الضالين ، الذين نستعيذ بالله من صفاتهم في كل ركعة.

2- صنفٍ علِموا الحق وتبين لهم الرُّشدُ من الغي، فاستكبروا واتبعوا أهوائهم ، وتنكبوا الحق إيثاراً لدنيا فانية ، أو حسداً من عند أنفسهم ، وهذا من جنس المغضوب عليهم ، والذين نستعيذ بالله من صفاتهم في كل ركعة أيضاً.

3- أسعدِ الناس بالحق ، وهم الذين علِموا الحق وعرَفوه ، وانقادُوا له وعمِلوا به ، ودعوا إليه ، وهم (الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ) فاللهم اجعلنا منهم ياااارب.

 

فأشقى الناسِ إذاً: من يَلبس الحق بالباطل ، ويكتم الحق ، وهم يسمعُ القوارعَ السماوية مدويةً فوق رأسِه: (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).

قال الأوزاعي: إنَّ الله إذا أراد أن يَحرِم عبدَه بركةَ العلم ألقى على لسانه المغاليط ، فلقد رأيتُهم أقلَّ الناسِ عِلماً.

وعن ابن مسعُودٍ قَالَ: كَيْفَ بِكُمْ إذَا لَبَسَتْكُمْ فِتْنَةٌ يَرْبُو فِيهَا الصَّغِيرُ وَيَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ، وَتُتَّخَذُ سُنَّةٌ ، إِذَا تُرِكَ مِنْهَا شَيْءٌ قِيلَ تُرِكَتْ السُّنَّةُ. قَالُوا: وَمَتَى ذَاكَ؟ قَالَ إِذَا قَلَّتْ أُمَنَاؤُكُمْ ، وَكَثُرَتْ أُمَرَاؤُكُمْ ، وَقَلَّتْ فُقَهَاؤُكُمْ ، وَكَثُرَتْ قُرَّاؤُكُمْ ، وَكَثُرَتْ جُهَلَاؤُكُمْ ، وَتُفُقِّهَ لِغَيْرِ الدِّينِ ، وَالْتُمِسَتْ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ.

 

فلذا: ترى اليوم غِلماناً حُدثاءَ الأَسنان .. ضُعفَاء التبيان .. يحفظون بِضعَ أحاديث من أحاديث النبي العدنان ، ثم ينطلقون يتحدثون ويُخَطِّئُون ويُضلِّلُون ، بل يتحدثون في أمور ومسائل لو عُرِضت على عمر لجمع لها أهلَ بدر.

وهنا نقول لأمثال أولئك الصِّبية من الوعاظ:

قُل لِمن دبجَ الفتاوى رُويداً  *** ربَّ فتوى تضِجُّ منها السماءُ

وأمثال هؤلاء ومن يصدقهم هم الذين يُلبِسُون الحق بالباطل ، بعدم معرِفتِهم بتراث الأُمة الزاخر بمواقف نصرةِ الحق وفَلِّ أجهزةِ الفرعنة.

وهنا كلمة رائعة لراجي الراعي حيث يقول: البصر للأفاق والبصيرة للأعماق. فلا يُنظَرُ للأُمور بسطحيةِ المتطفلة بل ببصيرة المُسِنِّين ، وعُمقِ الطاعنين في تجارب الحياة.

وهنا سؤال:

هل يمكن أن يجتمعَ الحقُّ والباطلُ؟

إنَ الحق مثل الضوء إذا ظهر ذهب الظلام ، فالحقُّ يزيل الباطل ويطاردُه في مشارب أودية الطغاة ، وعلى قمم تلال الاستبداد ، يقول الله تعالى: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ).

وقال: (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ)

وقال: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً)

وقال: (وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)

وقال: (وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ)

وقال: (إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (*) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ)

وقال: (وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ)

وقال: (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ)

وقال: (وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ).

إذاً: لا يمكن للباطل أن يعشعش إلا في البيت الخرِب، والكهف المهجور.

ومن هنا كان معلوماً لكل ذي لُبٍّ أنه لا يجوز أبداً كتمُ الحق، ولا السكوتُ عن إظهاره.

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلا لا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ رَهْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ فَإِنَّهُ لا يُقَرِّبُ مِنْ أَجَلٍ وَلا يُبَاعِدُ مِنْ رِزْقٍ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ أَوْ يُذَكِّرَ بِعَظِيمٍ.

-ولذا لما قيل لأحد الأُباة: ما فائدةُ سعيك غيرُ جلبِ الشقاء على نفسك والعناء؟

-فقال: ما أحلى الشقاء في سبيل التنغيص على الظالمين!

يقول ابن القيم: (وأيُّ دينٍ وأيُّ خيرٍ فيمَن يرى محارمَ اللهِ تُنتَهك، وحُدُودَه تُضاع ، ودينَه يُترَك ، وسُنةَ رسول الله –صلى الله عليه وسلم-يُرغَبُ عنها ، وهُو باردُ القلبِ ، ساكتُ اللسان ، شيطانٌ أخرس ، كمَّا أنَّ المتكلِّم بالباطل شيطانٌ ناطق ، وهل بلِيَّةُ الدِّينِ إلا من هؤلاء: الذين إذا سلِمتْ لهم مآكِلُهم ورياستُهم ، فلا مبالاةَ بما جرى على الدِّين ، وخيارُهُم المُتَحزِّن المتلمِّظ ولو نُوزِع في بعض ما فيه غضاضةٌ عليه: في جاهِه أو مالِه ، بَذَلَ وتبذَّل وجَدَّ واجتهد، واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة بحسب وُسعِه.

 وهؤلاء -مع سقوطهم من عين الله ، ومقْتِ الله لهم- قد بُلُوا في الدنيا بأعظمِ بليةٍ تكون وهم لا يشعرون ، وهو موت القلوب ؛ فإن القلب كلما كانت حياتُه أتم كان غضبُهُ لله ورسوله أقوى، وانتصارُه للدِّينِ أكمل).

ولذا قال السباعي: أكبرُ أعوان الطاغية: سكوت الصالحين وكلام الطالحين.

وهذه رسائلُ للمتشوفين لنصرةِ الحق:

قيل: الحقيقة مثل النحلة تحمل في تحمل في جوفها العسل وفي ذنبها إبرة.

وقيل: يحتاج الحق إلى رجلين: أحدِهما ينطق به،والآخر يفهمه.

من كان يحمل في جوانحه الضحى  *** هانت عليه أشِعةُ المِصباح

كل من أحوجك الدهرُ إليه  ***  وتعرضت له هُنت عليه

أطعت مطامعي فاستعبدتني *** ولو أني قنِعتُ لكنتُ حُراً

- لا يحق الحق إلا بأصحاب العزائم ، وأما أصحاب الرُّخص فيتساقطون في المنعطفات والعقبات.

- من أراد عظيماً خاطَرَ بعظيمته.

وهنا نُنبِّه أنه لا يحق الله إلا الحق ، كما يقال: لا يصح إلا الصحيح ، وأما الكذب والتلفيق والافتراء على الناس، والاتهامات بالباطل ، والتلبيس على الناس بنقل صورٍ من بلدانٍ أُخرى هي مستكَرةٌ في بلادنا والترويج لها على أنها في بلادنا ، أو استخدام عديمي الأخلاق كأداةٍ إثباتية على انحراف أبناء بلدنا.. وغير ذلك ، فهذا نسألُ الله من هذا المكان أن افترى أو كذب أو دلَّس أو لبَّس على أبناء بلدنا أن يقصم ظهره ، وأن يهتك ستره ، وأن يكشف باطنه وباطله على الملأ في الدنيا والآخرة.

 

الشيخ / توفيق يحي حكيم : في خطبة الجمعة 8 رجب 1432هـ الموافق 10 يونشو 2011

بساحة التغيير بسيئون

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص