في زمن تتهاوى فيه العملة، وتُثقل الحياة كاهل الناس بالجوع والقهر، وفي وقت تزداد فيه الشكوى من صمت الدولة وانهيار مؤسساتها، قد يبدو الحديث عن العمل السياسي ضربًا من العبث أو (هدرة فارغة) كما يصفه البعض غير أن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير.
نحن لا نكابر على الواقع، ولا نتغافل عن حجم الألم الذي يعيشه المواطن، نعم، الأوضاع صعبة، بل قاسية إلى حدّ الاختناق، والناس بين جوعٍ وغلاءٍ وانقطاع أمل. ولكن... هل الصراخ وحده يغيّر شيئًا؟
هل الانسحاب من الساحة وتسليمها للميليشيات والانقلابيين هو الطريق للخلاص؟
العمل السياسي في مثل هذه اللحظات الحرجة ليس ترفًا ولا زينة إعلامية، بل هو خط الدفاع الأخير عن ما تبقى من الدولة والوعي، إنه جهدٌ مستمر، لتحصين ما أمكن من القيم والمبادئ، وبناء أرضية تحفظ الحد الأدنى من التوازن أمام سطوة السلاح وهيمنة الفوضى والفاسدين.
نعلم أن الناس ملت البيانات والتصريحات، ولكننا نؤمن أيضًا أن البديل عن ذلك هو الفراغ، والفراغ لا يملؤه إلا الخراب، ولا يسكنه إلا الطغيان. وغياب السياسة لا يعني هدوءًا، بل بداية الانهيار الكامل.
السياسة هي أداة النضال المدني في وجه مشاريع الخراب وهي الصوت حين تُكمم الأفواه، والموقف حين تُغيَّب الدولة، والوسيلة المتاحة حين تُغلق كل الأبواب.
قد لا نكون ملائكة، ولسنا ندّعي الكمال، ولكننا نتحرك في واقع معقد، وبإمكانات محدودة، وسط حقل ألغام سياسي واقتصادي وأمني. ومع ذلك، نؤمن أن العمل مهما بدا صغيرا، هو أفضل من الصمت والاستسلام.
ولذلك، فإننا ندعو كل العقلاء والغيورين ألا يستسلموا لليأس، وألا يُخدعوا بمنطق الكل فاشل أو ما عاد في فايدة.
فأسوأ الكوارث تبدأ حين يصمت العقلاء، ويغيب السياسيون، وتُترك البلاد للفوضى تنهشها كما تشاء.
إن هذا الوطن لن يُبنى إلا بسواعد أبنائه، بالكلمة، بالموقف، بالوعي، وبالإصرار على الإصلاح مهما طال الطريق.