الله خطبة الجمعة ٦ يناير للاستاذ : سالم عبود خندور٢٠١٨

الله

خطبة الجمعة ٦ يناير ٢٠١٨

للاستاذ : سالم عبود خندور

بمسجد عمر حيمد بسيئون

للاستماع للخطبة النقر على الرابط :

https://b.top4top.net/m_737igrf50.mp3

الخطبة النصية :

الله

١٨ ربيع ثاني ١٤٣٩هـ
الموافق: ٥ يناير ٢٠١٧م

أيها المؤمنون عباد الله :

كلَّما حان موعدُ تنصيبِ رئيسٍ جديدٍ، وتداعتْ أممُ الأرض إلى ذلك الاحتفال المهيبِ، واجتمعَ الرؤساءُ والملوكُ في صعيدٍ واحدٍ .. كلَّما استعرضَ ملكٌ من ملوكِ الأرضِ جيوشَهُ وعسكرَهُ وسلاحه، وتتابعتِ الصواريخُ والدباباتُ والمدرعاتُ والمدافعُ وأسرابُ الجندِ .. كلّما انطلقَ موكبٌ من مواكبِ ذوي الشأنِ فأغلقتْ لأجله الطرقُات وعُطلتِ الإشاراتُ واصطفَّ العسكرُ ومرَّ مرَّ البرقِ في عشراتٍ من السياراتِ الفاخرة التي تخطف الأبصار .. كلَّما استعرضَ ثريٌّ مظاهرَ ثرائِهِ فكشف عن طائرتِهِ الخاصةِ، وأبدى للناس ضخامةَ قصرِهِ وفخامتَهُ، وبعثرَ المال الجمَّ على التفاهاتِ إظهاراً لثروته وغناه .. كلَّما حصل شيءٌ من ذلك، أو بدتْ صورةٌ من هذه الصورِ .. وقعَ في أنفس الكثيرينَ تعظيمُ هؤلاءِ، وشعروا بالرهبةِ، وتنازعتْ قلوبَهم مشاعرُ لايحسنونَ وصفَها لكنّهاَ مزيجٌ من الإجلالِ والتعظيم والهيبةِ والرهبةِ لهؤلاء.
ولكن المحزن في هذا كلِّهِ .. أنَّ (اللهَ) الذي خلقَ هؤلاءِ، وخلق هذا كله.. (اللهَ) الذي لولاه ما جرى الدم في عروق أحدٍ منهم .. (اللهَ) الذي وهبَهم الملكَ بمشيئتِهِ، ويسلبُهُ منهم بقدرتِهِ.. (اللهَ) الذي خلق حتى الهواء الذي يتنفسونه، والأرض التي يمشون عليها، والحديدَ الذي يتباهون به.. (اللهَ) الذي لو شاءَ لخسفَ بهم الأرضَ .. العجيبَ أنَّ (اللهَ) جلَّ جلالُهُ ربَّ البشرِ لايملأ قلوبَ هؤلاء بمثلِ ما ملأتْ قلوبَهم عظمةَ هؤلاء البشر، وهذ يضعُ أيديَنا على كارثةٍ من كوارثنا الإيمانيةِ التي نغفُلُ عنها أحياناً. إنّها كارثة (ضعف الشعور بعظمةِ الله).

أيها الاخوة المؤمنون :

دعونا نستنطق الكتاب العظيم، والسنة المشرفة .. دعونا نرى كيف وصف الله سبحانه عظمةَ نفسِهِ. وكيف تحدثتِ السنةُ عن عظمة الله جلّ جلالُهُ . فإنَّ من عظمةِ الخالقِ جلَّ جلالُهُ هذا الملكُ الذي لاحدّ له، الملك لايشبُهُ ملك أحدٍ من ملوك الدنيا، ملكٌ أبديٌّ دائم، ملكٌ شاملٌ محيطٌ، ملكٌ لا يعترضُهُ مُلْكُ آخر، ملكٌ يمتدّ عبر الزمان والمكانِ حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وبعد أن يرث الله الأرض ومن عليها. وكم في كتاب الله من آية تلحُّ على هذه الحقيقة العظيمة : ( ولله ملك السموات والأرض وما بينما يخلق مايشاء) (إن الله له ملك السموات والأرض يحيي ويميت) (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير) ويقرر القرآن أنّ هذا الملك الرباني متفردٌ بلا شريك ولاظهير: (ولم يكن له شريك في الملك) بل يقرر القرآنُ ما هو أبعدُ من هذا .. وهو أنّ كل ملك في الدنيا إنما يُعطى وينزَعُ بإذن الملك الحقّ: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعزّ من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير) كم هي عظمتُهُ جل جلالُهُ في ملكه .. روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عله وسلم قال : (( يقبض الله تعالى الأرض ويطوي السماء بيمينه ثم يقول : أنا الملك أين ملوك الأرض؟)) .. فلا إله إلا الله ..

أيها المؤمنون :

ومن تمامِ عظمةِ هذا الملكِ، وعظمةِ هذا الإله الخالقِ الجليل عظمةُ عرشِهِ الذي اختار سبحانه أن يستوي عليه استواءً يليقُ بجلالِهِ وعظمتِهِ. ولستُ من يصفُ هذا العرشَ .. بل استمعوا إلى صفةِ نبيّكم صلى الله عليه وسلم له وهو يقول : (( ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس )) ، وقال أبو ذر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض )) . السماوات السبعُ كلها في الكرسيِّ كسبعةِ دراهم ألقيتْ في ترسٍ! أي في درعٍ من دروع القتالِ، ثم الكرسيُّ كلُّهُ بالنسبة إلى العرش كمثل حلقةٍ من الحديد ألقيتْ في صحراء مترامية الأطراف، إنّ العقلَ لايكادُ يستوعبُ تفاصيل هذا الأمر، ولكنّ القلب بلا شك تملؤه الرهبة والهيبة والإجلال والتعظيم ، وفي الحديث عند أبي داود بسندٍ صحيح قال صلى الله عليه وسلم : (( أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله عز وجل من حملة العرش إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام )) فإذا كان هذا واحد من حملة العرش الثمانية ، فكيف بالعرش؟! لا إله إلا الله .. (وما قدروا الله حقّ قدره). فكذلك يتحير العقل في عظمة هذا العرش الذي استوى عليه ربنا جل جلالُهُ فكيف هي عظمةُ هذا الإله الجليل؟

أيها المؤمنون :

ومن جوانبِ عظمةِ الخالقِ الجليل جلّ جلالُهُ نورُهُ الذي أضاء منه كلُّ شيءٍ. النور الذي ضرب له القرآنُ المثل توضيحاً ولله المثلُ الأعلى. (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ...) النور الذي أشرقتْ وتشرقُ به الأرض: (وأشرقت الأرض بنور ربها) النور الذي لم يحتمله الجبلُ فخرّ دكاً: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ).. وإن من عظمة الله علمه الواسع المحيط بكل شيء فالله هو السميع العليم، ((ويعلم ما في البر والبحر ، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين))، ورضي الله عن أم المؤمنين عائشة حين قالت: "الحمدلله الذي وسع سمعُهُ الأصوات، لقد جاءت المجادلة تشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في ناحية البيتِ ما أسمعُ ما تقول، وقد سمعها الله من فوق سبع سماواتٍ، فأنزل قوله: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميعٌ بصير)" . فسبحان الله العظيم

أقول قولي هذا ...

الخطبة الثانية :

أيها الاخوة المؤمنون :

ماهي ثمرة تعظيم الله عز وجل ؟؟ان الثمرة الأولى التي يجدُها المؤمنُ إذا ملأ قلبَهُ تعظيمُ الله فهو الثقة والاطمئنان، الثقةُ في الله، والاطمئنانُ لوعدِهِ، رغمَ كلِّ ما يعصفُ به وبأمة الإسلامِ من مصائبَ وكوارث. إنها تلك الثقة والطمأنينة التي ملأتْ قلبَ النبيّ صلى الله عليه وسلم حين قال لأبي بكر رضي الله عنه في أحلكِ الظروف وأصعبها: ((يا أبا بكر .. ماظنّك باثنين اللهُ ثالثُهما)).وحينها يطمئن قلب المؤمن بأنه مهما تجبر المتجبرون ومهما ظلم الظالمون من جبابرة الدنيا ومهما امتلكوا من قوة يرهبون بها عباد الله فان الله العظيم أقوى من هؤلاء جميعا ، واذا أراد الله أن يهلكهم فلن يعجزه شيئ ولكن الله هو الذي يقدِّرُ الأقدار، ويُجري الأمور كما يشاء، ويقلبُ الأحداث، ولايكون إلا ما يشاء، وإذا أراد أمراً فإنما يقول له كن فيكون.
وأما الثمرة الثانية للشعور بعظمة الله عز وجل فهو حركةُ العبدِ في القيامِ بواجب الاستخلافِ وعمارةِ الأرضِ، فالله يقول: (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها)، ويقول جل جلاله: (وماخلقتُ الجنّ والإنس إلا ليعبدون).. فجعل واجبَ عبادِهِ عمارةَ الأرضِ بعبادتِهِ .. العبادةُ بمفهومها الشاملِ خضوعاً في الشعائر التعبديةِ، واعتلاءً في صناعةِ الحياةِ . وكلما استشعر العبدُ عظمةَ الخالقِ كلما عظُم في قلبِهِ حسُّ القيامِ بالواجبِ الذي ألقاهُ عليه، وأمره به.لذا فلن يتقاعس عن أداء الواجبات عبد امتلأ قلبه بعظمة الله ، ولن يفرط عبد في أداء صلاة الفجر مع المسلمين في المسجد وقد أستشعر عظمة الله ، ولن يتهاون مسلم في أداء عمله الوظيفي أو اتقان مهنته أو حرفته من عرف عظمة الله .

وأما الثمرة الثالثة للشعور بعظمةِ الله فرارُ العبدِ من المعصية، وإنْ صغرتْ؛ لأنه حينها يدرك
قول القائل: لاتنظر إلى صغر المعصيةِ ولكن انظر إلى عظمةِ من عصيت، وكفى بهذا أن يحولُ بين الإنسان والمعصيةِ إلا اللممَ الذي سرعان ما يتوب منه المرء ويستغفرُ. فو الله لن يعصي الله من امتلأ قلبه بعظمة الله ، ولن يسرق وينهب أموال الأمة وخيراتها وثرواتها من استشعر عظمة الله ، ووالله لن يرتكب فاحشة الزنا من وقر في قلبه تعظيم الله،ووالله ثم والله لن يقتل ويسفك دم أخيه المسلم أو دم أي انسان كان من اعتمر قلبه بتعظيم الله سفك الدماء وازهاق الأرواح الذي تهاون فيه البعض ممن غفلوا عن عظمة الله وغفلوا عن عقاب الله ، فلا يمر أسبوع الا ونسمع حادثة قتل هنا أو هناك ، روح بريئة أزهقت وامرأة ترملت وأطفال يتموا، فأين سيفر هؤلاء من عقاب الله ولاحول ولاقوة الا بالله فان مما يشجع على ارتكاب الجريمة اليوم هو عدم الردع، يرتكب جريمته وهو آمن مطمئن لن يلحقه أحد ، وهكذا قيدت عشرات القضايا ضد مجهول، وكما أننا نحتاج الى غرس عظمة الله في القلوب فاننا بحاجة الى تفعيل الأجهزة الأمنية والعسكرية على أختلاف مسمياتها ، لتقوم بدورها، لتمنع الجريمة قبل حدوثها وهذا هو الأصل ، وان حدثت الجريمة ألقت القبض على المجرمين لينالوا جزاءهم العادل ..

وصلوا وسلموا ..

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص