أطفال غزة وحكايتهم البريئة


لا شيءَ على الإطلاق سيصفُ شناعة المشاهدِ الدَّامية، لا شيءَ سيُغيِّر المجازرَ الإجرامية الطَّاغية، ولا شيءَ يا صغيري سيُنسيك مرارةَ هذه القصفات المُتتالية، لن تُمحى كلُّ هذه المآسي من عبقِ الذَّاكرة، لن تُنسى ولن تُغتفر قذاراتُ هذا العدو المحتل بحقِّ أرواح الشُّهداء والأبرياء، لن تعُود الحياة كما كانت، ولن تعُود طفولتُك البريئة بعد وطنٍ سُلِبت منه حريَّته، وِحدتَه، أمانَه، سلامَه، وأرضَه التي أبَتِ الذُّل والخُضوع، استكانَت رغم الأوجاعِ والصُّدوع، فاستحالت للظُّلمِ والقهرِ الرُّكوع، في قلب غزَّة تتلاشى أحلامُ أطفالِها الملائكة، تراهُم كالنُّجوم في دُجن سماءٍ مُغبرَّةٍ بالرَّماد، يُسلبُون من حقُوقهم، يُحرمُون من أحبابِهم، يُجرَّدُون من براءتهم، وتُقبَرُ أُمنياتُهم الصَّغيرة؛ ليُجبَروا على النُّضجِ سريعًا، وعلى مواجهة الواقعِ القاسي بدرجةٍ تفوق براعمَ سنواتِهم عقودًا من الزَّمنِ الغادِر، تغدُو ابتساماتُهم العفيفة إلى عبءٍ يُثقِلُ أكتافهم، وتختفي معها ملامحُهم البشُوشَة؛ لتحلَّ محلَّها بقايا مُهترئة ومُتعبة من لوعةِ الحزن والألم، تظهر عليهم بقايا وطنٍ مخذُول، أوصالُ مُستقبلٍ باهت، ملامحُ طُفولةٍ ضائعة، أشباهُ آمالٍ مقتُولة، وأحلامٌ أضحت تحتضنُ الثَّرى والأنقاض بين سيلِ الدِّماء، أيا طفلَ غزَّة! لم يعد لنا منكَ سوى مسكٌ لؤلؤيٌ من أعضائك المبتُورة، أمسيتَ اليومَ طيرًا من طُيور جنَّة الخُلد، ولا يسعُك من هذه الدُّنيا سوى لقاءُ الوالدين والأحبَّة، تحرَّرتَ من تأرجُح السَّلام الخادِع، من النَّومِ على وسادةٍ مزيَّنةٍ بالدِّماء، من احتضانَ أجسادٍ خاليةٍ من الحياة، ومن رُؤيةِ المنازلِ المهدومة إثرَ القَصفات وطلقاتِ المدافع، لن ترَ دمعات الأُمَّهات الثَّكالى، لن تسمعَ صرخاتَ إخوتك الأيتام، أنَّات الجرحى والمصابين الباسلين، ولا صيحاتَ الذُّهول والصَّدمات الباحَّة، ولن تنزوي وحيدًا إلى جِدارٍ مهدوم، تسمعُ أنينَك المُهتز بتعبِك، بارتجافتك، وبصوت جوعك، هنيئًا لك فأنت تاريخُ وطنٍ منسيٌ بين الرُّكام، لكنَّه معروفٌ بين أهلِ السَّماء وربِّها، هنيئًا لك حكايةُ مجدٍ أخرى بعد الإستشهاد، وعلى نسماتِ اللَّه أكبر قد ظفِرت بجنَّة الفردوس الأعلى.
*گ/ سماح باربود*

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص