قصدت باللفظ ( قوارين ) جمع ( قارون )، وهو الرجل المحب للمال والجاه والسلطة، الذي بَعُد رغم علمه وفهمه وحكمته بالكتاب عن اتباع الهدي الرباني، بل غره بريق المال، وأعمته شهوة جمع الذهب والفضة عن استغلال ماله في سبيل نشر دعوة الله في الأمة على مراد الله ومنهجه، هذا ما قصدتُ به من لفظ ( قوارين ). على مثل طراز أولئك ( القوارين ) ابتليت دعوتنا وحركتنا الإسلامية للأسف الشديد، نعم .. ابتليت بأنفس شرهة قد علاها غشاء الشح، وتسربلت أرواحها المريضة بجلابيب حب السلطة والمال والمصلحة الذاتية، وبدلاً من أن تكدّ للدعوة وتعطيها جهدها وثمرة عمرها، استغلت طريق الدعوة في جمع المال والتمتع به في أنانية مقيتة، و لا تسلْ لحظتذاك عما يصيب الدعوة من تشويه وتعثر بسسببهم. ليس أمراً سيئاً أن يكدّ المرء على رزقه في جوانب الأرض، ويعمل بجهده بعد التوكل على الله بالأسباب الموصلة إلى التوسعة على نفسه وعياله وأهله في المال فـ " نعم المال الصالح في يد العبد الصالح " كما قال الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، لكن هؤلاء خلت نفوسهم من الصلاح إلا من رحم الله، وصارت الدنيا في قلوبهم عوض أن يكون المال في أيديهم، فلم يأبهوا للدعوة ولا لمآلاتها إلا بالقدر الذي يوصلهم إلى نيل مزيد من المكاسب والمصالح الذاتية الأنانية، وغابت بينهم أسباب الصلة والرحمة، فلا يهم أحدهم ولا يعنيه إن رأى أخاه يرزح تحت عقابيل الفقر والحاجة أن يمدّ إليه يد العون بما لا يجرح مشاعره ويقلل كرامته، بل شعارهم على الدوام ( نفسي نفسي ) !! وإزاء كل ذلك تبخّر الأمل أو خفتت الطموحات وقل بريقها على أقل تقدير في أن تحقق الدعوة تقدماً ملحوظاً في ميدانها، فالبركة قد نُزعت من النفوس، وسادت روح الأنانية والأثرة، وشاع التفرق في الصفوف وغاب الزهد عن الدنيا والانصراف عن تحصيل شهواتها وهو الأمر المفصلي الذي حرصت الدعوة على تثبيته في النفوس بالتربية والرعاية ولو ملك المرء مال الدنيا بأجمعها. وأكبر الظن أن أحداً لا يحبذ إطلاقاً أن يعترف بهذه الحقيقة المرة، فاعترافه ضمنياً بها يعني أن يفقد مصالح نفسه ومآربها وفوائدها الشخصية التي تجنيها من وراء السير في تلكم القافلة المباركة، وأكبر الظن أيضاً أن من يتجرأ ويجد في نفسه الشجاعة أن يكشف مثل هذه المثالب والثغرات لا يعدو أن يكون كاذباً أفاكاً متآمراً شاقاً للحمة الصف. ومهما يكن الأمر فإن الصادح بالحق لا ريب أن يلقى شيئاً من العنت والمشقة ولو من أقرب الناس إليه، وبالتالي هو لا يبالي ما يلقى ما دام يرمي بفعله إصلاح الخلل والدلالة على مكامن الضعف، ولئن لم يُستجب له في أوانه، فلربما تكون كلماته ( عرائس من الشمع ) يهتدي بها من يأتون بعده. ليس مجرد حلم جميل فحسب أن نحلم باليوم الذي يعمّ فيه العدل والرحمة بين الجميع، بل الذي ينبغي أن نفعله هو أن نمضي لتحقيق ذلك فيما بيننا، فإن أقمنا دولة العدل في نفوسنا، وبثثنا أركانها في صفوفنا؛ استطعنا إقامتها في الآخرين، أما وإني لا أرى الآن من ذلك شيئاً، بل أرى نفوساً بائسة قد أضناها مرّ الشكوى وبالمقابل نفوساً أخرى لا يعنيها من أمر الأولى شيئاً فإنني أخشى ما أخشاه أن يتأخر النصر، وهكذا نجد أنفسنا نتخبط من وادٍ إلى واد. ودونما أدنى فكرة يمكن أن أخمنها عن مصيرنا القادم، إلا أنني أستطيع الجزم أن الله عز وجل سيغير ما بنا إن تغيرنا نحن من الداخل، كيف وهو القائل في محكم كتابه : " إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم". صدق الله العظيم