بقليل من التأمل والإنصاف، ونظرة عابرة في واقعنا المعيش، يوصلنا إلى قناعة أن الإصلاح قد حوى الخير والعطاء، والتزم المقاومة وما يلحق بها من لأواء وعناء، كم من ملايين صُرفت وجهود بُذلت لاستنقاذ أرواح رأت الهول والضياع، ثم تاهت في تلافيف الأرض، فقدت في أتون الحرب كل ما تملك من مال وجاه وحتى الروح والوطن. تعالت الهتافات من كل فم، وتشدق المتشدقون في كل محفل، وفسبك المفسبكون في جحورهم، لكنهم لم يفعلوا للمكلومين أي شيء، بل تاجروا بآلامهم وجراحهم، واستنفعوا بآهاتهم وعويلهم في استجلاب مزيد من النفع لأرواحهم الجائعة المقيتة، فلم يستريحوا حتى شربوا دماء الشهداء لترتوي شجع أنفسهم ثم تركوهم في المقابر والشوارع وقارعة الطريق. وفي غمرة الحزن والأنين، والصياح والنواح، انبرى الإصلاح بمؤسساته ورجاله وشبابه، ليمسحوا الدمعة، ويحيلوا العبرة إلى بسمة، ويسعوا إلى تبديد المخاوف، ويمدوا يد العون والغوث، لكل محتاج ولاجئ، فتوافد الضحايا بالآلاف، فاستوعبوهم رغم المشقة، ولا نزال إلى اليوم نشهد تزايد الأعداد المتتالية من اللاجئين، فرحب بهم القوم وبذلوا ما في وسعهم لتوفير المسكن والغذاء والدواء والأمن لهم .. ثم ماذا بعد ذلك؟ لقد جوزي هؤلاء الأطهار الأنقياء بالافتراءات والأقاويل، وجوبهوا بالشائعات المغرضة والأكاذيب، وقوبل جهدهم ـ وإن كان في الأصل قد ابتغي به وجه لله عز وجل وحده دون سواه ـ بالتنكر والجحود، فحلّ مكان الشكر؛ السب والشتم، ومكان الامتنان؛ الرمي بالنواقص والمعايب، وهم أمر يدعو للحسرة والأسى، والألم والاستنكار؛ إزاء من لا يعرفون الإنصاف، ولا يعترفون أو ينسبون الفضل إلى أهله، لكن ما عسانا أن نقول لمن ينكر ضوء القمر في الليلة الليلاء، ولا يرى شعاعه الفضي في الليل المدلهم، فلعمري فالإصلاح وجاحديه كما قال الشاعر: كبدرٍ أضاء الأرض شرقاً ومغرباً *** وموضع رجلي منه أسود مظلم. فهؤلاء الحاقدون قد تعاموا عن النور في الشرق والغرب، وركزوا على الظلمة في موضع الرجل ليدوسوا جهود الآخرين، لكنهم بأفعالهم تلك قد ذهبت مصداقيتهم أدراج الرياح، والأمر كما قال المولى جل في علاه: ( فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض". ومثلما كان دور الإصلاح في الإغاثة والعمل الخيري، كان دوره في المقاومة والجهاد، وثمة حقيقة مذهلة يجب أن يذعن لها المنكرون، ألا وهي أن قيادات الإصلاح في خطوط المقاومة ثابتون، وعلى خطوط النار مرابطون، وفي الثغور صامدون، فمنهم من قضى نحبه كمحافظ شبوة الشهيد أحمد علي باحاج، ومنهم من ينتظر، وما أكثر المنتظرين، فلتسألوا مأرب وتعز وعدن والجوف وغيرها: من هم الفرسان الذين يقودون المعارك والجبهات ؟!، ولتسألوا السجون والمعتقلات من أغلب من يقبع فيها ؟!، ولتسألوا الخرائب المدمرة والبيوت والمنازل المفجرة والمقرات المهدمة ودور التحفيظ والمساجد من أغلب أصحابها وروادها ؟!. بل اسألوا من يقبعون في الرخاء والنعيم: هل منكم من ماتت زوجته حزناً وكمداً وقهراً على فراقه، وانشقت مهجتها هماً ولوعة على غيابه وهو الحبيب الغالي ورفيق العمر والطريق ؟!، واسألوهم هل منكم من ماتت أمه الغالية وهي عنده أغلى ما يوجد في هذا الكون ، ولم يكُ جالساً بين يديها يلقنها الشهادتين، ويواسيها في لحظات الحياة الأخيرة ؟!، وهل منكم من زُفَّت ابنته إلى عريسها ولم يكُ حاضراً فرحها يستقبل التهاني والتبريكات، ويمد يده للمهنئين وابتسامة الفرحة تحلق بين جوانحه ؟!، وهل منكم من فقد فلذة كبده وريحانته في الحياة دون الوداع الأخير ؟!، وهل منكم من استغنى عن جاهه ومكانته وتجارته وماله وعيشه الرغد، ليستبدله بالقتال في الجبال والوهاد، والصحارى والنجاد، ويسمع أزيز الرصاص وتفجر القنابل والقذائف والصواريخ ؟!. تأملتُ فوجدت أن من يصنع الخير والمعروف، ويقاوم الشر والفساد والخوف، فالنصر لا محالة له مرهون بإذن الله، تلك هي سنة الله في الأرض، فانظروا إن شئتم لتركيا وغزة ومصر وتونس، فإن تعثرت المسيرة بعضاً من الزمن فستعود الأمور إلى نصابها سكوناً إلى ما جرت به الأقلام في ألواح المقادير. وحتى لا يطول بنا حبل الكلام أكثر فإنني أختم بكلمة لا بدّ أن أقولها : إن الظلام الذي يخفي بعضاً من مشاهد الحقيقة، لا بدّ وأن يأتي اليوم الذي ينقشع فيه نور الحقيقة ليبدد ذلك الظلام، وموت بطل مخلص فيه الكفاية لأن يُصمت صخبَ القاعدين، فما عساكم بعدئذٍ أن تقولوا أيها الحاقدون .. ؟!! #الإصلاح_مقاومة_وعطاء
إضافة تعليق