في مشهد يعكس واقع الاضطراب السياسي والخلل في بنية الإدارة المحلية بمحافظة حضرموت، تفاجئ الكثير منّا خروج العشرات من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي في وقفة احتجاجية "مفاجئة" بمدينة المكلا، وذلك لرفض وصول اللجنة البرلمانية المكلفة من مجلس النواب اليمني للنزول الميداني إلى المحافظات الخاضعة للحكومة الشرعية، بهدف مراجعة أداء السلطات المحلية، وفحص التصرفات المالية والإدارية، وتقييم الموارد العامة للدولة في كل محافظة.
الاحتجاجات جاءت بعد تحركات رسمية لترتيب زيارة اللجنة إلى مدينة المكلا ضمن جدول زيارات شبيهة لها تشمل المحافظات المحررة، لكن ما ميّز محطة المكلا هو هذا الحشد المفتعل الذي بدا أنه تحرك بتوجيه مباشر من المجلس الانتقالي، لفرض واقع جديد يعيق العمل الرقابي ويحول دون كشف المستور في دهاليز الفساد والعبث بالإيرادات.
واللافت في الأمر يبدوا أن السلطة المحلية بساحل حضرموت، وهي التي تُدار فعليا من المجلس الانتقالي، لم تحرك ساكناً تجاه هذه الاحتجاجات، بل بدا أنها متواطئة، إن لم تكن هي من سهلت تنظيمها ضمنياً، حيث لم تتخذ أية إجراءات لحماية اللجنة أو تأمين إقامتها وتحركاتها كما جرى في محافظات أخرى.
هذا التراخي يضع علامات استفهام كبيرة:
لماذا تُمنع لجنة رقابية من أداء مهامها القانونية؟
وما الذي تخشاه السلطة المحلية بساحل حضرموت من عمل لجنة برلمانية يفترض أنها تمثل أحد أهم أدوات الرقابة الشعبية والدستورية؟
هل هناك فساد لا يريدون كشفه؟
فاللجنة البرلمانية لا تحمل سلاحا ولا مشروعا سياسيا حتى تعرقل، بل ملفات رقابية وتساؤلات مشروعة تتعلق بتقارير الإنفاق العام، وعقود النفط، وتحويلات الإيرادات، وحجم العبث في المؤسسات السيادية والإيرادية كميناء المكلا ومصفاة النفط والكهرباء والضرائب والجمارك وغيرها.
في حضرموت، كثير من هذه الملفات تحيط بها الشبهات منذ سنوات، وسبق أن تحدثت تقارير إعلامية وتقنية عن وجود ثغرات مالية وتوظيف سياسي للسلطة والموارد، إضافة إلى إقصاء متعمد لاحزاب ومكونات حضرمية فاعلة من المشهد الإداري والسياسي في الساحل.
وبالتالي، فإن منع اللجنة من أداء عملها في المكلا، على عكس ما تم في مأرب مثلًا، يشير إلى نية مبيتة لإخفاء ملفات خطيرة، أو على الأقل التستر على فشل إداري ومالي صارخ لا تريد السلطة المحلية ولا المجلس الانتقالي أن يخرج للعلن.
كما انه من الواضح أن المجلس الانتقالي يحاول تثبيت سطوته كسلطة أمر واقع في ساحل حضرموت، ويعمل على تحييد كل ما من شأنه كسر هذه السيطرة، ولو كان ذلك على حساب مبدأ الشفافية والمساءلة.
وهو بذلك لا يقف فقط في وجه لجنة رقابية، بل في وجه المواطن الحضرمي نفسه الذي يطالب بمعرفة كيف تُدار موارده، وأين تذهب ثرواته، ولماذا يعيش في عتمة الفقر والفساد وسط ثروات تملأ أرضه وبحره.
الوقوف في وجه الرقابة ليس من شيم من يؤمن بالعدل والنزاهة، ونقول للانتقالي والسلطة بساحل حضرموت "من ثوبه طاهر صلى"، ومن كانت يداه نظيفتين لا يخشى التفتيش، بل يرحب بالمحاسبة ويقف بثقة أمام أي لجنة، برلمانية كانت أو شعبية.
فلماذا ترتعد مفاصل السلطة في حضرموت من لجنة دستورية؟
وهل فعلاً هناك من يخشى انكشاف ملفات فساد كبرى؟
أم أن من اعتاد إدارة السلطة في الظل لا يستطيع الحياة تحت ضوء الشفافية والمساءلة؟