رغم مرور سنوات على الأزمة اليمنية، لا يزال المشهد يراوح مكانه، مثقلاً بصراعات سياسية واقتصادية أرهقت كاهل الدولة والمواطن على حدّ سواء. وبينما تتعالى أصوات المجتمع الدولي مطالبة بإحياء المسار السياسي، تزداد تساؤلات الداخل إلحاحًا: أين هي الشرعية؟ وهل تملك رؤية واضحة تعكس مصالح الشعب وتطلعاته؟
الواقع يشير إلى سلطة رسمية تتنازعها الشرعية وتفتقر إلى الفعالية، وسط مؤسسات تعاني من الترهل والفساد، وقرارات تتخذ بمعزل عن نبض الشارع وهمومه اليومية.
قرارات بلا أثر... وشكل يغلب المضمون
على مدى السنوات الماضية، صدرت قرارات سياسية واقتصادية عديدة من الجهات الرسمية، غير أنها لم تُحدث تغييرًا ملموسًا في حياة المواطن، ولم تسهم في انتشال البلاد من أزماتها. تغييرات حكومية شكلية، وإجراءات اقتصادية مرتجلة، وخطابات سياسية بعيدة عن الواقع، كلها تعكس خللًا واضحًا في آلية اتخاذ القرار، وغيابًا لرؤية استراتيجية تضع مصلحة الوطن فوق الحسابات الضيقة.
إن الأزمات لا تُحل بخطابات مكررة أو ترقيعات مؤقتة، بل من خلال قرارات مسؤولة تتسم بالواقعية، وتنبع من إرادة سياسية صادقة.
الإصلاح الحقيقي... خارطة طريق من ثلاث محاور
إن أي مشروع إنقاذ وطني يجب أن يقوم على ثلاث ركائز أساسية، لا يمكن لأي عملية إصلاح أن تنجح دونها:
1. إنهاء الانقلاب الحوثي: لا يمكن الحديث عن دولة أو شرعية حقيقية في ظل وجود جماعة مسلحة تفرض سلطتها بالقوة، وتصادر قرار الدولة ومؤسساتها. يجب أن يكون استعادة الدولة من الميليشيات أولوية لا تقبل المساومة.
2. استعادة تصدير الموارد الوطنية: اليمن يمتلك ثروات كفيلة بإعادة الحياة إلى اقتصاده المنهك، إذا ما أُحسن إدارتها. إعادة تصدير النفط وتوجيه عوائده نحو التنمية وليس نحو جيوب الفساد أمر جوهري في أي مسار إصلاحي.
3. مكافحة الفساد: لا يمكن بناء دولة قوية في ظل تفشي المحسوبية والفساد المالي والإداري. تطهير مؤسسات الدولة من هذه الآفات ضرورة لا تقل أهمية عن أي معركة سياسية أو عسكرية.
شرعية لا تُمنح... بل تُبنى
اليمن يقف اليوم عند مفترق طرق حاسم. إما الاستمرار في العبث السياسي الذي يوسع الفجوة بين الحاكم والمحكوم ويغذي الانقسامات، أو المضي في طريق الإصلاح الجذري، القائم على حكم رشيد وإرادة وطنية جامعة.
إن الشرعية لا تُفرض من الخارج، ولا تُصنع في أروقة المؤتمرات، بل تُبنى داخليًا، من خلال شراكة حقيقية بين مختلف المكونات السياسيةوالاجتماعية، قوامها الشفافية والمحاسبة واحترام كرامة الإنسان.
لقد آن الأوان للخروج من منطق إدارة الأزمة إلى منطق إنهائها، فاليمن لم يعد يحتمل مزيدًا من التشتت وغياب القرار.