الخطبة الأولى:
أيها الأخوة المؤمنون :
موضوع خطبتنا لهذا اليوم يتناول قضية
اجتماعية هامة ، يقوم عليها أساس المجتمع المسلم ، إنها قضية المرأة في المجتمع الإسلامي
وكيف ينظر الإسلام إلى المرأة ،وما دفعنا لذلك هو أن المرأة هي أساس المجتمع إذا
صلحت صلح المجتمع وإذا فسدت فسد المجتمع ، ثم إن نظرة الناس الى المرأة في الكثير
من المجتمعات الإسلامية تتفاوت بين إفراط وتفريط ، فبينما ينظر فريق إلى المرأة
كأنها متاع في البيت لا رأي ولا قيمة لها ينبغي عليها أن تظل حبيسة الجدران يرى الفريق الآخر أن على المرأة أن
تعيش كما تشاء وأن تفعل ما تشاء بعيداً عن كل القيم والأخلاق والضوابط الإسلامية ..
وكلا الفريقين جانبوا الصواب ، لذا فإننا سنتطرق إلى رؤية الإسلام الوسطية للمرأة
دون إفراط ولا تفريط .
لقد كانت المرأة قبل الإسلام شبه رقيقة إن
لم تكن رقيقة بالفعل ، لم يكن لها حق يعترف به ، لا حق التملك ، ولا حق مزاولة أي
عمل باسمها ، ولا حق اختيار زوجها بل كانت تُملك ولا تَملك .. تورث ولا ترث ،
وتكره على الزواج ممن تكره ، فجاء الإسلام ورفع من شأن المرأة ورد إليها كرامتها
وأقر بحقوقها وأنزلها المنزلة اللائقة بها كانسان له وظيفة كبرى في الحياة .. ،
فكان من فضل الإسلام أنه أكرم المرأة ، وأكد إنسانيتها وأهليتها للتكليف
والمسئولية والجزاء ودخول الجنة واعتبرها إنساناً كريماً لها كل ما للرجل من
الحقوق الإنسانية ، فهما متساويان في أصل النشأة ، متساويان في التكليف والمسؤولية
متساويان في الجزاء والمصير . وفي ذلك يقول القرآن الكريم ( يا أيها الناس اتقوا
ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء ،
واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) .. فالرجل – بهذا
النص – أخ للمرأة ، والمرأة شقيقة الرجل وفي هنا قال الرسول فما رواه أحمد وأبو داود
والترمذي عن عائشة رضي الله عنها ( إنما النساء شقائق الرجال ).
وفي مساواة المرأة للرجل في التكليف والتدين
والعبادة يقول الله تعالى ( إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ،
والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات
والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين
الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً ) ولكن يبقى بعد ذلك أن
لكل منهما خصوصية لاختلاف التركيب الجسماني والنفسي.
و إذا كنا تطرقنا في جمعة سابقة عن حقوق
الزوجة فإننا اليوم نتحدث عن نظرة الإسلام للمرأة ، المرأة بوصفها الزوجة ،
والمرأة بوصفها أماً والمرأة بوصفها بنتاً والمرأة بوصفها أختاً .
أيها الأخوة الأحباب :
المرأة باعتبارها أماً فإنه لا يعرف التاريخ
ديناً ولا نظاماً كرم المرأة باعتبارها أماً ، وأعلى من مكانتها مثل الإسلام ،
فلقد أكد الوصية بها وجعلها تالية للوصية بتوحيد الله تعالى وعبادته وجعل برها من
أصول الفضائل ، كما جعل حقها اوكد من حق الأب وهذا ما يقرره القرآن الكريم ويكرره
في أكثر من سورة ليثبته في أذهان الأبناء ونفوسهم قال تعالى: ( ووصينا الإنسان
بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك إلى المصير)
.. وجاء رجل الى النبي
يسأله من أحق الناس بصحابتي ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من
؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال أبوك .. ويروي البزار أن رجلاً كان في الطواف
حاملاً أمه يطوف بها ، فسال النبي : هل
أديت حقها ؟ قال : لا ، ولا بزفرة واحدة ..
بل ذهب الإسلام إلى أبعد من ذلك فأوصى بالأخوال
والخالات كما أوصى بالأعمام والعمات جاء رجل إلى النبي فقال : إني أذنبت ، فهل لي من توبة ؟ فقال هل لك من أم ؟ قال : لا
، قال ( فهل لك من خالة ) ؟ قال : نعم ، قال : فبرها .
ومن توجيهات القرآن الكريم أنه وضع أمام
المؤمنين والمؤمنات أمثلة رائعة لأمهات صالحات كان لهن أثر ومكانة في تاريخ
الإيمان فأم موسى تستجيب إلى وحي الله والهامه ، وتلقي بولدها وفلذة كبدها في اليم
مطمئنة إلى وعد ربها ( فأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه ، فإذا خفت عليه فألقيه في
اليم ، ولا تخافي ولا تحزني إنا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين ) .
وأم مريم التي نذرت ما في بطنها محرراً لله
، وداعية الله أن يتقبل منها نذرها ( فتقبل مني إنك أنت السميع العليم ) . وأم
عيسى مريم ابنة عمران جعلها القرآن آية في الطهر فقال ) : ومريم ابنة عمران التي
أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين ) أيها
الأخوة المسلمون :
المرأة باعتبارها بنتاً ، فلقد كان العرب في
الجاهلية يتشائمون بميلاد البنات ويضيقون به وكان الكثير منهم يئدون بناتهم أي
يدفنونها حية خشية من فقر قد يقع أو من عار قد تجلبه على قومها حين تكبر ، وفي ذلك
يقول القرآن الكريم منكراً عليهم ومقرعاً لهم ( وإذا الموءدة سئلت بأي ذنب قتلت ) ويصف
حال الآباء عند ولادة البنات ( وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم ،
يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسك على هون أم يدسه في التراب ، ألا ساء ما
يحكمون ) : بل لا زالت بعضاً من هذه الرواسب إلى زماننا حيث يعتبرون المرأة ( عاراً
) بل تجد البعض يخجل من ذكر أسم أمه أو زوجته أو حتى ابنته فجاء الإسلام معتبراً
البنت
كالابن هبة من الله ونعمة ، يهبها لمن يشاء
من عباده ( يهب لم يشاء إناثاً ويهب لم يشاء الذكور) وجعل الرسول الإسلام الجنة
جزاء كل أب يحسن صحبة بناته ، ويصبر على تربيتهن وحسن تأديبهن حتى يبلغن ، روى
مسلم عن أنس عن النبي أنه
قال : ( من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو .. وضم أصابعه )
وروى ابن عباس عنه أنه قال ( ما من مسلم له
أبنتان فيحسن إليها ما صحبتاه – أو صحبها – إلا أدخلتاه الجنة ) ، وبهذه النصوص
الصحيحة الصريحة والبشارات المكررة المؤكدة ، لم تعد ولادة البنات عبئاً يخاف منه
، بل نعمة تشكر ورحمة ترجي وتطلب لما وراءها من فضل الله وجزيل مثوبته ، لهذا أصبح
للبنت في قلب أبيها مكان عميق ، يتمثل في قول النبي ( فاطمة بضعة مني ، يريبني مارابها ) .. كما نلمس ذلك في الأدب
الإسلامي في مثل قول الشاعر :
لولا بنيات كزغب القطا رددن من بعض إلى بعض
لكان لي مضطرب واسع في الأرض ذات الطول والعرض
إن هبت الريح على بعضهم أمتنعت عيني عن الغمض
أيها الأخوة الأفاضل :
المرأة باعتبارها زوجة ، لقد جاء الإسلام
يحث على الزواج ويعتبر الحياة الزوجية آية من آيات الله في الكون ( ومن آياته أن
خلق لكم من أنفسكم أزوجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) ..
كما جعل الإسلام الزوجة الصالحة للرجل أفضل
ثروة يكتنزها من دنياه بعد الإيمان بالله وتقواه وجعلها أحد أسباب السعادة وفي
الحديث ( ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عز وجل خيراُ من زوجة صالحة ، إن أمرها
أطاعته ، وإن نظر إليها سرته ، وإن أقسم عليها أبرته ، وإن غاب عنها حفظته في
نفسها وماله ) وقال ( الدنيا
متاع وخير متاعها المرأة الصالحة ) بل اعتبر النبي الخيرية مرتبطة بمدى معاملة الزوجة فقال : ( خيركم خيركم لأهله
وأنا خيركم لأهلي )
كما حافظ الإسلام على شخصية المرأة بعد
زواجها ، ولم يذبها في شخصية الزوج كما هو الحال في التقاليد الغربية ، التي تجعل
المرأة تابعة لزوجها ، فلا تعرف باسمها ولقبها العائلي ، بل تنسب إلى زوجها ، أما
الإسلام فقد حفظ للمرأة شخصيتها المستقلة المتميزة ولهذا عرفنا زوجات الرسول
بأسمائهن وأنسابهن ، كما بأن شخصيتها المدنية لا تنقص بالزواج ، أن تبيع وتشترى
وتؤجر وتستأجر وتهب من مالها وتتصدق وتوكل ، وهذا أمر لم تصل إليه المرأة الغربية
إلا حديثاُ ... أقول ما تسمعون
الخطبة الثانية :
الحمد لله :
أيها المؤمنون : وهكذا إذا كانت هذه نظرة
الإسلام الوسطية للمرأة ، فينبغي على الأمة أن تنزل المرأة المنزلة التي أنزلها
الله ، وتضعها في المكانة التي وضعها الله من غير تحريف ولا تزوير وينبغي على
الأمة أن تنصف المرأة في حقها في الحياة الكريمة وتنصفها في حقها في الميراث ، فإن
بعضاً من المسلمين يغمطون المرأة في ميراثها ، فيستأثر الأخوة الرجال بالميراث ولا
يعطون أخواتهم شيئاً أو ينقصونه وهذا يتعارض مع كتاب الله عز وجل .
ينبغي للأمة أن تنصف المرأة في تعليمها
وتنصف المرأة في عملها وفي كافة حقوقها الاجتماعية والسياسية .
ولعل لنا وقفات أخرى في هذا الموضوع إن شاء
الله في فترات قادمة ..
وصلوا وسلموا .....