(1)
لقد بددت ثورات الربيع العربي حقباً من الظلم والاستبداد و الفساد في بلداننا العربية على غير رجعة .. فعلى الأمة اليوم أن ترتقي إلى مستوى الحدث وتوجه طاقتها للبناء لتحقيق الاستقرار ونبذ العنف والفرقة والعصبيات ، ولتمتين المحبة والإخاء وترسيخ القيم حتى يسود الأمن والأمان لينعم أبنائنا بغدٍ مشرق بإذن الله تعالى .
البداية السليمة دائماً ما تؤدي إلى نهايات سليمة والعكس صحيح ، لذلك أجد من الضرورة بمكان ونحن نخطو خطوات نحو المستقبل المنشود وخاصة نحن المثقفون وحضارم خاصة أن نقدم لأبنائنا وإخواننا التاريخ الصحيح لأناس قدموا كل غالٍ في سبيل وطنهم وأمتهم ، وما زالوا يقدمون رغم التظليل والتلفيق للأجهزة الإعلامية الممنهجة والمؤدلجة ، ولعل البعض سيتهمني بمخالفة الهوى العام الذي استطاع ( الرفاق ) ومعهم( أتباع صالح) أن يوهموا العامة بأن ( الإصلاح ) هو عدو الجنوب والجنوبيين ولعل هذا النجاح النسبي ذكرني بما استطاع فعله (الرفاق )من قبل من أن يجعلوا عدد ليس بالبسيط من أبناء حضرموت خاصة عام 1994م أن يقفوا في صفوفهم ضد الدين ورجالاته
ولكنها تبددت سريعاً بعد انتصار الشرعية ، ليجد الرفاق أنفسهم في زاوية ضيقة مطرودين ، راضون بأن يكونوا أوراقاً وكروتاً في أيادي قوى إقليمية وداخلية .
ظل حلم الرفاق بأن يعيدوا مجدهم التليد الذي استطاعوا ومنذ فجر 30 نوفمبر 1967م أن ينتهجوه ويصححوه في خطواتهم المتعثرة ، من نهب أموال المواطنين وممتلكاتهم من بيوت ومزارع وآليات وحتى قوارب الصيد وجعلها ملكاً للحزب الواحد . واستطاعوا تصفية كل من يقف في طريقهم الشوعي من مفكرين ومثقفين ومصلحين فسحلوا من سحلوا وقتلوا من قتلوا ، واستطاع القليل أن يهرب من قبضة هذا الحزب وعصاباته ليلجئ عدد منهم لدول الجوار ليعيش حياة الغربة والفقر .
(2)
ولعل عام 1995م كان نقطة تحول في إرجاع منهوبات الرفاق لأصحابها ، واعتبرها الحب المنتصر( المؤتمر )ضربة موجعة لحزب الرفاق الذي حكم الجنوب بالحديد والنار ، ولكن وللأسف الشديد وقع الحزب المنتصر (المؤتمر) أيضاً في أخطاء كبيرة في تعويض المنتفعين وترك الملاك دون تعويض يذكر ، كما أنه وبمساعدة من خرج من حزب الرفاق لحزب المخلوع أن ينهبوا الأراضي والثروات وكانوا سبباً مباشراً في تسلط إبن الشمال على إبن الجنوب ، وأن يكون أي اختلاف بين شمالي وجنوبي فالأخير هو الظالم وهو المتهم وموصوم بالانفصالية ، كل ذلك مهد لأن تقوم ثائرة الجنوبيين ، وخاصة بعد نجاح الإصلاح والمشترك في كسر حاجز الهالة على شخص المخلوع في الانتخابات عام 2006م الرئاسية .
(3)
لنعود سريعاً لعام الوحدة 1990م والتي وقعها الحزبين الحاكمين في الشطرين ( المؤتمر و الاشتراكي ) اللذان يمنعان التعددية الحزبية في الشطرين ( فلا صوت يعلوا فوق صوت الحزب ) والكلمة العليا للحزب ) ليجدوا أنفسهم داخل دولة بحزبين ، أصر البيض أن تكون وحدة اندماجية ، وبالتالي تم فتح المجال للتعددية السياسية لتظهر أحزاباً وليدة ومنها ( الإصلاح عام 1991م ) ويجد نفسه محاطاً بشعبية كبيرة في صفوف اليمنيين شمالاً وجنوباً مما جعل الحزبين الكبيرين ( حزبي الدولة ) أن يدخلوا في حلف لإسقاط شعبية الإصلاح واتهامه بالرجعية والقبلية و غيرها مما كانت تكيل به الصحف الصفراء للرفاق وصحف الميثاق وغيرها ، ولكن ثقة الإصلاحيين بنهجهم وثقة الناس بهم جعلتهم يحتلون المرتبة الثانية بعد المؤتمر ليحل الاشتراكي ثالثاً ويتشكل مجلس للرئاسة مكون من خمسة أشخاص ، وحتى لا تدخل الدولة الوليدة في صراع بين الحزبين الكبيرين تنازل الإصلاح عن نصيبه من مجلس الرئاسة للحزب الاشتراكي ليحصل المؤتمر والاشتراكي على مقعدين والإصلاح مقعد واحد مقدما مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات ومضحضاً دعاوي من يقول أن الإصلاحيين يطمعون في المناصب والكراسي .
(4)
ظل الإصلاح يلعب دوراً هاماً في تقريب وجهات النظر بين الرفاق والمؤتمر وخاصة في زمن الأزمة السياسة التي أطلت برأسها عقب الانتخابات 1993م ليحتجب البيض في عدن وظل الإصلاح يتابع الوضع ويحاول التقريب حتى وصل الأمر لإعلان البيض الإنفصال ، لتدخل البلاد في معارك ليست ميدانية فحسب ولكن إعلامية أيضاً ففتح الرفاق إعلامهم لتشويه الملتزمين للنيل من الإصلاح ولتجنيد الناس في صفه ضد التخلف والرجعية ( الشماليين والإصلاحيين )، بعدها دارت رحى الحرب بعد إعلان المخلوع علي صالح لها لاستعادة الوحدة .
(5)
انتهت الحرب على ما أسلفنا ليتخذ المؤتمر من الجنوب أرضا مستباحة وبمساعدة رفاق الأمس الذين التحقوا به استطاع السيطرة الكاملة على مقدرات الأمة وثرواتها .
سارع الإصلاح لإعلان موقفه من نتائج هذه الحرب في مؤتمره الأول وبأن ما يعمل اليوم في الجنوب هي عمليات فيد لا تخدم السلم الاجتماعي ولا تعمق الوحدة .
(6)
سار المؤتمر بعد عام 1997م بمفردة بعد رفض الإصلاح الدخول معه في عملية سياسية ، ليتربع المخلوع على حكم الشمال والجنوب ، وتبنى الإصلاح المعارضة في اليمن وظل يناضل لينال الشعب حقوقه وحرياته من هذا الظالم ، في حين استخدم المخلوع وإعلامه الإسطوانة المشروخة في إن الاصلاح شريكه في كل شيء وإن وجود رئيسه الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر رحمه الله في رئاسة النواب دليل على ذلك وانطلت الخدعة على العامة وكذا على بعض المثقفين للأسف .
(7)
بعد تبني الإصلاح للنضال السلمي لانتزاع الحقوق والحريات منذ عام 1997م استطاع وخلال أقل من عشر سنوات أن يدخل في مواجهة ومنافسة مع المخلوع لانتزاع سلطانه ، وذلك في الانتخابات الرئاسية عام 2006م التي قدم خلالها الإصلاح والمشترك الشخصية الفذة المناضل فيصل عثمان بن شملان رحمه الله كرئيساً لليمن واستطاع أن يهز كيان المخلوع ويقوض مضاجعه ويفضح فساده وإفساده واستطاع العامي البسيط أن ينتقد الرئيس في عز الظهر بعد أن كان يتخوف بذكره في نفسه بالسوء .
وحتى لا تنجر البلاد لمنحدر من الانفلات والحروب تنازل المناضل فيصل بن شملان عن منصبه بعد تأكيد فوزه المحقق على المخلوع ليظهر للجميع أن الشعب قد استيقظ من غفلته وأنه بدأ يتحرك نحو التغيير الحقيقي .
(8)
ظل الإصلاح يقف مواقف قوية وشجاع ضد نظام المخلوع فتبنى القضية الجنوبية وأخذ يضغط على الحزب الحاكم ( المؤتمر) بالإعتراف بها كقضية سياسية وحقوقية ، وشجع الإصلاح المتقاعدين العسكريين الجنوبيين الذين سرحهم المخلوع ، كما كانت للتشكيلات التي كونها الإصلاح من المشترك والتنسيقيات الجنوبية دور مهم في ظهور ما يسمى بـ( الحراك) ، والذي ظل الإصلاح يدافع عنه وعن معتقليه ويرعاهم ويدعم الفعاليات التي يقيمها بل ويحضّر الإصلاح أعضائه وأنصاره في فعاليات حراكية ليعطي لها الزخم الشعبي .
(9)
بعد ظهور البيض وقناته ، أرادوا إقصاء الإصلاح من الشارع برفع سقف المطالب إلى فك الارتباط والإنفصال والدعوة لاستعادة الدولة التي يحكمها الحزب الواحد الذي لا صوت يعلوا فوق صوته ، عندها حصل التباين واستغل المخلوع ذلك ليقف مع الانفصاليين من خلال أجهزته الأمنية والإدارية ورجاله ( الرفاق في الأصل ) من دعم الانفصاليين ضد الإصلاح وتصويره بأنه عدوا للجنوب .
(10)
وظهر ذلك التعاون والانسجام بين الرفاق والمخلوع عقب الثورة الشبابية السلمية والتي انضم رجالات الإصلاح فيها مع الشباب التواقين للتغيير إلا أن شراسة الحملة على الإصلاح ازدادت ضراوة والاعتداءات زادت حدة لتفتح جميع الاحتمالات ، وتتطور لتصبح صدامات دامية بالحجارة والمفرقعات والرصاص الحي ، مما اضطر الإصلاح لأن يسجل موقفاً مشرفاً كعادته ليقطع طريق الفتنة برفع الساحات في حضرموت ، وظل الإصلاح يتلقى التهم من الرفاق و أتباع المخلوع وبث الإشاعات ضده فحين لا نجد من يذكر المخلوع وحزبه ولا الرفاق ومجرميه بأي كلمة من انتقاد بل ينالون كل الدعم من الحراك الإنفصالي ،حيث شهدت المنطقة أحداث وقف الإنفصاليين وأتباع المخلوع الذين يحكمون حضرموت صفاً واحداً وتحت علم الإنفصال في بعض الأحيان .
(11)
لم تنتهي الحكاية بعد .. فبعد تشكيل حكومة الوفاق التي يرأسها (باسندوة ) والتي للمؤتمر فيها نصيب الأسد حيث حصل على النصف كما أعطي عدد من المؤتمريين المنشقين عن المخلوع وزارات وأعطي لكل حزب نصيبه ولم يحصل الإصلاح إلا على وزارتين ( التربية والتخطيط) ورغم هذا ظلت التهم تكال على الإصلاح وبأن الحكومة حكومة الإصلاح في مغالطة واضحة انطلت على من لا يريد تفعيل ما أودعه الله فيه من عقل وتفكير ، بل أستمع الجميع ورأى ذالك التناغم بين إعلام المخلوع والرفاق من تحميل الإصلاح بها كل تعثر لأي
خدمة في البلاد .
(12)
لعلي أسهبت ، ولكني أترك الفرصة سانحة للمنصفين أن يكملوا ما بدأته في إنصاف الإصلاح ، وليت شعري كم تحمل هذا الكيان الضخم ما إن أصيب به أي حزب بعشر معشار ما أصابه لانتهاء ... والله من وراء القصد .
د. عبدالله الحضرمي