حضرموت اليوم / بقلم : احمد علي بايمين
حديثٌ تحدَّث به مفكر مصري في لقاء له مع د/ فيصل على قناة الجزيرة (( الأوطان و الأوثان - ضريبة فك الارتباط بينهما - )) فهمت منه أن الشعوب تصنع الثورات لكنها لا تنتقيها أو تأخذها من الصيدلانية جاهزة ، بل الثورات سلسلة من الأحداث كوَّنتها السنوات الطوال من الإهمال و الإقصاء و التعذيب و انتقاص الشعوب في حقِّها في مواطنةٍ يسودها العدل و المساواة ، و الحق إنه جاء على الشعوب العربية زمانُ رأت فيه أن الصبر على الظلم و القهر و الاستعباد أمر لا يطاق و لابد من التحرر من حكم الأوثان التي التصقت مصالحها بحكم الأوطان ، فتداخلا كروحٍ في جسد صعب أن تنفكَّ عنه إلا بالقيام بأمرٍ هام فيه من القوة التي تؤدي حتماً إلى سفك الدماء و إزهاق الأرواح ، وكلنا يريد سلمية مرور الأحداث بدون فقدِ حبيب أو صديق و لكن هذا التمني صعب تحقيقه على أرض الواقع ، إذ الواقع لا يخضع للأمنيات ، فتحدث هنا و هناك أحداث الغرض منها ميلان خط سير التغيير التاريخي الحتمي تخلف ضحايا ، هؤلاء الشهداء كانوا ( ضريبة فك الارتباط ).
فثورات الخمسينيات و ما بعدها من القرن الماضي قدمت الآلاف من الشهداء بل وصل الأمر ببلد عربي أن قدم مليون شهيد - ليس لرغبة عنده و لا بإرادةٍ منه ولكن - ضريبة لأجل الحرية و رغد العيش .
و لو لم تُقدَّم تلك التضحيات لظل الجَور و الظلم و الاحتلال بكل ما يحمل من معاني كالأمية و الأمراض و غيرها
إن ما تنعم به الشعوب العربية من مزايا حضارية لم يأت من فراغ برداً و سلاماً لكن الإنسان نسي خُلِقَ نسيَّا .
إن الذين قادوا الشعوب نحو التحرر من العبودية بالفكر و التمرُّد و السِّلاح هم الذين نصَّبتهم الشعوب حكاماً عليها برضى منهم ، ثم خانتهم بمرور السنين ذواكرُهم و نسوا أن الشعوب هي التي أوصلتهم إلى ما هم فيه من المكانة لا من اجل أن يكونوا أدوات بأيدي الغرب يحركها كيف شاء ضد شعوبها ، بل لتكون أدوات بيد الشعوب تحركها كيفما شاءت بما لا يتعارض مع الدين و احترام الآخرين .
إن ما فجَّر الثورات اليوم إحساسُ الشعوب أن إرادتها سُلبت منها و صارت تُسيَّس من غير بني جلدتها على غير ما تريد ، فتراكمت المظالم و زادت الفوارق و فسدت التعاملات فعاد السواد الأعظم من الشعوب يعاني الأزمات في كل نواحي الحياة المأكل و المشرب و المسكن و الوظيفة و نظروا إلى حكَّامهم فوجدوهم مسلوبين القرار ، فصبر الناس و صبروا و إن تكلَّموا اعتقلوا و هكذا العقود الأربعة السابقة لم تعد لنا نحن العرب من هُويّة و لا قيمة و أوشكنا أن نكون ولايات مقهورة متعوسة لحكومات قوية و مسيطرة ، فكان لابد من دفع ضريبة فك الارتباط
فدفعت دول الضريبة و أخرى لا زالت نحو أمل و حياة أسعد و عيش أرغد يتمناه الجميع و يخاف أن لا يُدركه الجميع ، و كلنا يعلم أن مسلسل الأحداث قد بدأ من زمان و ليس بيد احد من الناس اليوم أن يوقفه أو ينتقي ضحاياه . و الشهد الذي افتقدناه عقوداً من الزمن أوشكنا أن نحط الرحال عند جبوحه ، لا بإرادةٍ منّا و لكن بإرادةٍ من الله و سنة التغيير و التبديل مع احتفاظنا بما قامت به الشعوب في إطار القدر و كونية ما شاء الله كان .