لا يندم الإنسان على إحسانه مثلما يتحسر على إساءته, فإذا أحسن إلى من لا يستحق، فبإمكانه أن لا يكرر ذلك الإحسان, لكن ليس بيده دائماً استرضاء من أساء إليهم أو أخطأ في حقهم, والقاعدة الفقهية تقول: (لئن يخطئ القاضي في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة).
تلك قيم توضح لنا الرؤية في تعاملاتنا مع مختلف الناس والقضايا, ويجب أن لا يفقد الأسوياء بوصلة الاتجاه الصحيح نتيجة إساءة فهم الجهلة والمعتوهين للتسامح والتعامل الحسن معهم, لكن الحكمة تقضي أن لا يتحول ذلك الخلق الراقي إلى سذاجة وضعف يُطمع الأغرار ويدفعهم لارتكاب الحماقات والاستهانة بالدماء والحقوق المادية والمعنوية للآخرين!!
وحتى لا نُغرق في المفاهيم البعيدة فإن الثورة اليمنية حاولت أن تأخذ منهج التغيير بعيدا عن الانتقام, وتسعى لوضع اليمن في الطريق الصحيح الذي يحفظ لليمني حريته ويستعيد كرامته ويحقق للجميع العدالة والمساواة ويبني دولة المؤسسات, وجاءت المبادرة الخليجية بضمانات غير منطقية للنظام السابق, ومع ذلك قبلتها القوى السياسية على أمل طي صفحة الماضي, والانطلاق إلى المستقبل بروح التسامح والتعاون وعدم تكرار الأخطاء، ومن باب « عفى الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه» ...
لكن سلسلة من الأعمال والتصرفات والإساءات والتخريب والتدمير المتعمد - من بعد التوقيع على المبادرة وآليتها التنفيذية - تجعل استمرار غض الطرف وتجاهل الواقع ليس سوى تفريط بالتضحيات وعجز عن القيام بالواجب, وتشجيع للفوضى والانفلات, وتدمير للمصالح العامة والخاصة !
كثرت الأحداث التي ظلت تسجل ضد مجهول, فلم يتم القبض على مجرم ولم يُحاكم قاتل أو قاطع طريق أو معتد على أبراج الكهرباء , ولم يتم الكشف عن مصير شباب الثورة المخفيين قسرياً حتى الآن, وبعض قرارات رئيس الجمهورية لا تزال معلقة, وما تمّ منها نفّذ بشق الأنفس, وأحياناً بتدخل المبعوث الأممي جمال بن عمر, وحتى الآن لم تتم الإشارة بوضوح للجهة التي تقف وراء كل هذا التعطيل والتخريب, مع أنه من البداهة معرفة أن قيادات النظام السابق هم المستفيدون من إفشال التسوية السياسية, وهم الذين يغيظهم نجاح الثورة الشبابية الشعبية السلمية وتحقيق أهدافها , وهم من يصرّ على إيقاف عجلة التغيير..
وهاهي الممارسات تصل إلى الاعتداء على وزارة الداخلية ونهب الكثير من محتوياتها وقتل عدد من منتسبيها ومسؤوليها, ثم تكرار الجريمة بمحاولة الاستيلاء على وزارة الدفاع , ولا تزال السلطة تبحث عن الجاني وتشكل لجاناً للتحقيق وتطالب رعاة المبادرة الخليجية بالتدخل!!!
رب ضارة نافعة, وقد تكون هذه الجرائم المشهودة كافية لاستعادة زمام المبادرة, والإعلان بوضوح لا لبس فيه لتبني أهداف ثورة الشباب السلمية, ومباشرة تصحيح الأخطاء والأخذ على يد العابثين, ولدى رئيس الجمهورية وحكومة الوفاق الوطني المشروعية الكاملة لتطبيق النظام والقانون, والحفاظ على الأرواح والممتلكات والمرافق العامة والخاصة, وإلا فإن التاريخ لا يرحم ولله سنن ستمضي على اللاحقين كما أجراها العزيز الجبار على من سبقهم!!