يعتقد الكثير من المسلمين , إن الدولة المدنية تقابل في معناها الدولة العلمانية أو اللادينية , وهذا الاعتقاد خاطئ , لان مفهوم الدولة العلمانية عند الغرب , يعني فصل الدين عن السياسة , ولكن الدولة المدنية تعني الدولة الديمقراطية , التي تحقق مبادئ وقيم الحرية والمساواة والعدل , والمواطنة المتساوية , ويستطيع الشعب فيها أن يختار حكامه ونظام الحكم الذي يحقق مصالحه وطموحاته وتطلعاته , وهي تقتضي عندنا كمسلمين بالضرورة أن تكون " دولة إسلامية " , بمعنى أن تستمد شرائعها وقوانينها من شريعة الإسلام ..
إذاً يفهم من هذا , أن الدولة المدنية الحديثة التي تنشدها ثورات الربيع العربي , ومنها الثورة السلمية في اليمن , تعني تحقيق "الدولة الديمقراطية " , التي يحصل الشعب فيها على كافة حقوقه الدستورية , ومن ذلك حقه في اختيار حكامه ونظام حكمه السياسي , عبر أساليب ديمقراطية وسلمية , حرة ونزيهة كالانتخابات مثلاً .. لان البديل عن النظام الديمقراطي , هو استمرار دكتاتورية أنظمة الحكم الشمولية , والأنظمة الاستبدادية الفردية والعائلية , وبالتالي بقاء الشعوب خاضعة للحكام الطغاة والمستبدين ..
واعتقد إن "مؤتمر الحوار الوطني" المزمع انعقاده قريباً – إن شاء الله تعالى- فرصة لتحقيق الدولة المدنية أو الديمقراطية المنشودة , و فرصة أيضا لترسيخ مبدأ الشورى والنهج الديمقراطي في تبادل الآراء والأفكار المتباينة , والقبول برأي الأغلبية , وفرصة كذلك لإعمال العقل والرأي والحكمة , بدلاً من استخدام بعض الأطراف للغة التهديد والوعيد و فرض قناعاته الفكرية بالقوة والعنف , بهدف تحقيق مكاسب عجز عن تحقيقها بالطرق السلمية , فنصبح بذلك في مجتمع غابي , يأكل فيه القوي الضعيف , مخالفين بذلك تعاليمنا الإسلامية , التي تدعو إلى الوحدة والاعتصام ونبذ الفرقة والاختصام ..
وأخيرا .. فإن العدل هو الشرط الأساسي لقيام الدولة المدنية الحديثة وهو سر بقائها ونجاحها و استمرارها ونهضتها , وبالعدل تتلاشى دعوات الاقتتال والاحتراب والفتن , وبدون العدل و بقية القيم الحقوقية والأخلاقية الأخرى , كالمساواة والحرية وتكافؤ الفرص والمواطنة المتساوية , فان الدولة المدنية تحكم على نفسها بالفشل الذريع والسقوط المريع , وتكون عرضة للعودة إلى أحضان الاستبداد والطغيان من جديد !! ..