من خلال الأحزاب التي في غالبها مرتزقة و خائنة للوطن وعميلة لمنظمات إرهابية أو حكومات شيطانية لا تتفق بأي حال مصالحها مع مصالح أبناء حضرموت لا من قريب ولا من بعيد إلاّ إذا التقى المشرق بالمغرب , فمنذ أن بسطت نفوذها وكرست حكمها بعض تلك الأحزاب بدعم واضح و كبير من الاستعمار البريطاني في ستينيات القرن الماضي وحضرموت والجنوب يتقهقر عن كل فضيلة إنسانية وفكرية ويقترب إلى الحياة الحيوانية و الآلية في بعض الصور .
واليوم هو وليد الأمس وإن استبدلت النجمة بالشمس ، أو الخيل و السفاري الزرقاء بالشماغ الأحمر أو الجنبية ، وإن تنقلت أكثر من مرة بعض رموزها ودهمائها من خندق إلى مضاد ومن حزب إلى عدوه , فهذا بعض الشواهد على خفة العقل والضمير و العقيدة الحزبية وتأكيدا لرسوخ الذات والأنانية المفرطة التي هي في نظرهم هي الغاية و فوق كل اعتبار , لكن غالبية تلك العناصر كانت عبارة عن دمى وزعت عليهم الأدوار تدون أية مناقشة أو اعتراض على سيدهم ذلك المصدر الذي يدير عقولهم وأنشطتهم وأبسط تصرفاتهم وحتى مظاهرهم وفق ( أجندة ) سياسية استعبادية لا تحترم حتى أخدامها و لا تمت للإنسانية أو الديموقراطية ( الوهمية ) أو حتى الآدمية بأية صلة على الإطلاق.
وهذا شاهد آخر جلي على ضحالة عقول وضمائر أكثر من ينتمون إلى هذه الأحزاب التي عرفت وتجاهرت بانتمائها إلى مرجعيات خارجية أقل ما يقال عنها أنها مشبوهة وليس في خططها إلاّ شيء واحد هو اغتنام غنائم حضرموت ظاهرها وباطنها.. و من أجل هذه الغاية يبررون لأنفسهم كل الوسائل حتى لو وصل الأمر إلى التدمير الكامل للإنسان و لكل فضيلة و قيم و مقومات وموروث البلاد بلا رحمة أو ذرة من ضمير .
هؤلاء هم في الغالب و للأسف من أبناء بلادنا ومن جميع فئات مجتمعنا , ولكنهم مرقوا منا كما يمرق السهم من الرمية و باعوا أنفسهم للشيطان و أعوانه بثمن بخس ، فمهما كبر ذلك الثمن لا يساوي لحظة من مصير معروف أخبرنا به الذي لا ينطق عن الهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال: ( لعن الله من بات غاش لرعيته ) ، والملعون مصيره كما يعلم الجميع هو جهنم فهل يقوون على ذلك ولو للحظات ، فما بالك بالخلود السرمدي فيها كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلود غيرها .
هذا مدخل لموضوعنا فما يحدث اليوم على أرض حضرموت و الجنوب و عموم اليمن وما ذلك إلاّ حصاد لما بذرته تلك العناصر الأنانية الخائنة و المتطرفة فكريا وإيديولوجيا وغريزيا المطيعة طاعة عمياء والموالية بكل تفاني لمن يثير مكامن الشر في أنفسهم ويحرضهم و يدير عقولهم من خارج حضرموت في اتجاهات متعددة ومتضادة في ظاهرها فقط ولكنها إجمالا مسخرة لتخدم من بيده الريموت الذي يديرهم جميعا من غرفة واحدة , كل ذلك بهدف ذاتي بعيد كل البعد عن الضمير و الحس والمسؤولية الوطنية والدينية و الأخلاقية و الإنسانية , و من هذا الباب تبدلت أحوال العديد من المنتفعين من هذه الصفقات الشيطانية التي أصابتهم بالتخمة و الثمالة .
هذه النماذج و للأسف تتكرر و تستنسخ من جيل إلى جيل وتتراكم خصومتهم مع أنفسهم و مع مجتمعهم كما تتراكم الكرة الجليدية , وتتفاعل مع معطيات وأدوات العصر وأيضا تتوسع المكامن والنزعات الشريرة وتنمو , ولولا هذه الأنفس لما صار حال حضرموت اليوم بهذه الصورة المخيفة جدا , التي لم تعهدها إلاّ بعد الولادة المشئومة لهذه الأحزاب التي لا تدرك خطورة ما تصنع و لا تجيد إلاّ التبعية وتنفيذ أوامر و سيناريوهات موحدة لا تتناسب مع طبيعة و خصوصيات حضرموت , وهذا مما يؤكد أن التوجيهات والمرجعية مصدرها واحد و لا تنتمي لحضرموت لأن العقلية ليس حضرمية بأي حال ولا تقيم فيها و لكنها تعرفها أكثر من بعض أهلها وتعرف ثغراتها و مكامن الضعف فيها من خلال التقارير السرية التي ترفعها فروع بعض تلك الأحزاب و المنظمات من هنا وهناك في كل كبيرة وصغيرة , فهي لا تحب من حضرموت إلاّ ثرواتها وليس لها سبيل إلى ذلك غير استعباد أهلها بإبعادهم عن جادة العقل والمنطق والحكمة و الأعراف و القيم التليدة وذلك بالتشكيك تارة والتفريق تارة والتجويع لأجل التركيع ( هذا ما وقفت عليه جلياً من لسان أحد رموزهم ) .
الواقع خطير والأمل في توحيد الكلمة ضرب من الصعوبة لكنه ممكنة , فالبنية الأساسية للحكمة والفكر والغيرة لرجالات البلاد انهارت و مؤامرات الأزلام أتت أكلها فأصبحنا ( كالهشيم ) الواقع خطير والقادم أمر من الواقع والمستفيد هو من بيده الريموت وقد تكون أعراضنا وجماجمنا حطب لغاياتهم وأبنائنا هم من يذكون النار و يحرقوننا بأيديهم , هل هو العقوق أم الجهل أم غسيل العقول الذي يتم بأموال مشبوهة أم كل ذلك ؟.
أما آن الأوان أن ننفض أيادينا عن تلك الأحزاب المتآمرة علينا وعلى بلادنا والتي تتلون بما يوافق محيطها وكذا الكيانات المشبوهة وعملائها وتاريخها الأسود الماثل أمامنا الذي لا تمحوا أثاره ولا تغسل عاره عشرات السنين , أما آن أن ننتفض عليها أنى كانت ، ونلتفت و نلتف حول أمنا حضرموت التي ستدوم لنا إن عرفنا حقوقها أما السمسار و النخاس فسرعان ما تخلى عن رقيقه.
إن لم ندرك ما نحن فيه اليوم من مكايد و خطر حقيقي و نكون منكرين للذات و صادقين مع أنفسنا بالوفاء لأمنا حضرموت , لنتدارك ما أمكن استدراكه , فلن نستطيع العودة إلى شاطئ الأمان , إنها بداية ( لرحلة إلى التهلكة بلا عودة ) فمن هو الذي أطلق إشارة انطلاق السفينة الحضرمية إلى موج لا عاصم منه اليوم أو حتى غداً .
حضرموت أمكم جميعا و أمانة في أعناقكم جميعاً حتى من غرر بهم من أبنائها فأين البر وحقوق الأم في قلوبكم وضمائركم وصنيعكم ...؟ أيها العقلاء أيها الأبناء ( أدركوها قبل فوات الأوان ) .
بقلم : محمد بن حسن السقاف