بالعقل والمنطق نناقش الانفصال

لن أناقش الانفصال كخيار مفضل ، كما لن أدافع عن الوحدة كخطوط حمراء ولا سوداء ولا صفراء ولا حتى خطوط بيضاء ، ولا تحت شعار "الوحدة أو الموت" بل على العكس من ذلك ، فأنا أريد الوحدة من أجل الحياة ، أريد الوحدة من أجل التقدم والازدهار ، أريد الوحدة من أجل القوة والمتانة لمواجهة نوائب الدهر ، أريد الوحدة الحاملة للحرية والعدالة والمساواة ، وفي ذات الوقت فإن المطالبة بالانفصال لا بد أن ترافقها شيء من العقلانية والمنطق المقبول ، حتى يكون الوصول إليه ذو قيمة تعوض عن الوحدة في حالة ثبوت المصلحة المحققة من عملية الانفصال ، ولكي نصل إلى نتيجة يحكمها التصرف الواعي المؤدي إلى مصالح عامة تخدم السواد الأعظم من الناس.

ومن هذا المنطلق لا بد من مناقشة بعض المترتبات التي ستصبح من العقبات الفاصلة بين طموحاتنا وآمالنا الحالية والمستقبلية وفق منطقنا المبني على قواعد التبرير لعملية الانفصال التي يحاول البعض الانطلاق منها لتكوين القناعات والتوجهات الانفصالية ، ومن هذه القواعد أو المسميات على سبيل المثال ، من يعتبرون وجود سلطات الدولة القائمة كسلطات احتلال واستعمار ، ومنها تعميق الروح العدوانية ضد الأفراد الذين يعيشون في المحافظات الجنوبية وهم من أبناء المحافظات الشمالية ، ومنها إنكار يمنية المحافظات الجنوبية ...الخ.

وعلى افتراض تحقيق الانفصال ــــ لا سمح الله ـــــ فإن هذا يعني أن نضع أنفسنا بين فكي كماشة ، وسنعود إلى سابق عهدنا المأساوي وسنحاصر أنفسنا داخل حدود ضيقة جداً ، لأنه من غير المعقول أن تفتح لنا حدود دولة نتهمها باستعمارنا ومن الصعب جداً أن تتسع لنا بلاد نرمي سكانها بأسواء التهم ونمارس ضدهم أبشع أساليب التعامل اللا أخلاقي ، ومن المستحيل أن نسمح لأنفسنا بالدخول في بلاد هي في نظرنا من قام بمصادرة حقوقنا وسلبت أموالنا ونهبت ثرواتنا.

هذا على اعتبار حسن التعامل والجوار ، في ظل ظروف اعتيادية خالية من التوتر العسكري على أطراف الحدود ، أما في حالة توتر الأجواء ومحاولات الاعتداء فإن الأمر أسوء من ذلك بكثير ، ومن التاريخ الماضي نأخذ العبر.

كما أنه من غير المعقول أن تفتح لنا تلك البلد أسواقها لكي نتاجر فيها وننمي أموالنا داخل حدودها من خلال عمليات التصدير والاستيراد منها وإليها أو عبر حدودها ، لأن طبيعة علاقتنا معها لا تسمح لنا بمثل هذه التجارة كون مصلحة ذلك البلد تقتضي تطويقنا وعدم السماح لنا بتطوير أنفسنا من خلالها على الإطلاق لكي نظل ضعفاء ومحتاجين إلى مساعدة الغير باستمرار ، هذا إلى جانب خلق كثير من عوامل الفرقة والتمزق وتفتيت النسيج الاجتماعي الذي نكون سبباً في إعادة ظهوره بعد أن تمتع الكل بحالات وافرة من التواصل والاندماج وتوطيد أواصر الأخوة القائمة على الود والمحبة وحسن العشرة.

وفي جانب آخر سنجد أنفسنا محصورين بين جدران ضيقة الحدود عند ما تغلق الدول المجاورة حدودها لعدم رغبتها في استقبالنا بعد ما ذكّرناها بماضي عهدنا معها وكيف كنا ننعتها بأسواء النعوت والألقاب ، ونتعامل معها كدول معادية لأن التاريخ لا يُنسى ، هذا من ناحية ومن ناحية ثانية فإنها لن تكون بحاجة إلينا وكما كان استغناؤها عنا بالأمس فسيكون غداً وهذا يعني الموت البطيء.

أيها العقلاء أفيقوا من سباتكم وانتبهوا من غفلتكم وعودوا إلى رشدكم وكونوا عوامل مساعدة على تخيف اندفاع المتسرعين نحو الهاوية ، فقد اتضح الأمر  وبانت الصورة التي يراد الظهور بها والنتيجة المطلوب الوصول إليها عن طريق أولئك الغافلين عن ماضينا الشمولي .

وعلى هذا الأساس فإنه من غير المعقول أن نسلم زمامنا لمن يريد إحكام السيطرة علينا وتضييق الخناق على حريتنا والسير بنا نحو مصير مجهول لا يستفيد منه سوى قلة قليلة اعتادت التسلط والاستحواذ وباعت نفسها للشيطان.

بقلم: أحمد طلاّن الحارثي

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص