يعاني كثير من الناس حتى المتعلمين منهم من الأمية غير المباشرة ، أي نقصاً في جانب هام لا ينبغي النقص فيه ، وهي بخلاف أمية القراءة والكتابة أو أمية الحاسوب ، ذلك أن أغلب الناس ونخص العرب والمسلمين منهم يعانون منها مع معرفتهم بفنون القراءة والكتابة الجيدة ، بل وربما يكونون قد أنهوا مراحلهم الجامعية ، والطامة الكبرى حينما يكون من بين أولئك المثقفين من يحملون درجة الدكتوراه في أي علم من العلوم ، بمعنى أوضح من يكتبون أمام أسمائهم حرف الدال أبو نقطة ( د. ) .
عن أمثال هؤلاء يقول الدكتور راغب السرجاني في محاضرة له بعنوان ( القراءة منهج حياة ) : " ربما تجد أستاذاً في الجامعة أو طبيباً كبيراً أو محامياً على درجة عالية من التميز في تخصصه ، ومع هذا فلا علم له بالأساسيات في دينه " .
ثم ساق أمثلة من حوادث غريبة وعجيبة للغاية عاينها وعايشها بنفسه وربما سمع بها ممن يثق به توضح مقدار الجهل الذي يتسع في هذه النخبة إذ يقول : " هذا أستاذ في الجامعة بعد ما عاد من أداء العمرة يسأل أحد زملائه : ماذا نقول في التشهد ؟! هل نقرأ الفاتحة ؟!! ـ هذا أستاذ في الجامعة ـ .
وهذه أستاذة في الجامعة أيضاً تقول إنها تصلي مع زوجها في المنزل صلاة الجماعة ، فمرة يؤمها في الصلاة ، ومرة تؤمه هي !!! . يحدث هذا في الصلاة التي هي عماد الدين ، فما بالنا بغير ذلك من الأمور ؟! حقاً إنها أمية فاضحة " .
ولعلي لا أنسى تلك القصة التي رواها أحد المشايخ عن دكتور في الجامعة حينما بدأ عهده في حلقة قرآنية فابتدأ القراءة في سورة البقرة ، فتلا الأحرف الأولى من الآية الأولى من السورة بقوله : " ألم . ذلك الكتاب لا ريب فيه ... " بدلاً عن " ألف لام ميم " حيث ظنها كبداية سورة الانشراح : " ألم نشرح لك صدرك " !!، أيضاً لا تغيب عني صورة الأستاذ الجامعي الذي يُدرج أمام اسمه ( د. ) ، وكيف كان ذلك الدكتور الفاضل يقرأ أمام الطلاب في القاعة آيات القرآن خلال المحاضرة ويكسرها تكسيراً ، ناهيك عن أن نؤاخذه في أحكام التجويد والمخارج !! .
ليس معيباً أن يهتم الإنسان بتخصصه ، ويُعنى بالفن الذي يجيده ويبرع فيه ، فالاطلاع المتواصل في مجال التخصص أمر في غاية الأهمية ، وقد قيل تأكيداً لأهمية التخصص : " اعرف شيء عن كل شيء ، واعرف كل شيء عن شيء " لكن ذلك لا يعني إطلاقاً أن يهمل المرء المهم من أمور دينه ، فينبغي أن يقطف لنفسه من كل بستان زهرة ، وأن يعرف من أمر دينه ما يسقط عنه الحرج ، وأن يقرأ على الأقل كتاباً مختصراً وميسراً في كل فرع من العلوم الشرعية ، وسيعطيه ذلك خلفية رائعة ويبنى له قاعدة متينة تمكنه من الانطلاق إن رام الاستزادة .
بالتأكيد لا يعني ذلك أنها دعوة إلى أن يترك أولي التخصصات تخصصاتهم ويتجهوا إلى علوم الشريعة ، أو ( يتمشيخ ) الجميع ، ليس القصد كذلك بقدر ما هي دعوة للجميع أن يبقوا متوازنين ؛ لأن المسلم في الأخير إنسان متوازن .
بقلم / أحمد عمر باحمادي