التقرير للأمانة لا يخلو من إيجابيات ولاسيما في جانب التوصيات ، ولكنه للأسف تعامل مع القضية وكأنها حالة شغب بين أنصار فريقين في ملعب لكرة القدم وليست قضية سياسية ، نشأت بعد فشل مشروع سياسي سلمي ، وهي الوحدة الإندماجية بين نظامين سياسيين مختلفي التوجه ، وهما جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ، والجمهورية العربية اليمنية عام 1990م أعقبها أزمة سياسية ، ثم حرب ، تم فيها اجتياح أراضي الجنوب ، واتخذ بعدها المنتصر إجراءات تعسفية بحق شريكه في الوحدة مع أبناء الجنوب من تسريح من أعمالهم بحق الآلاف من المدنيين والعسكريين ، الاستيلاء على مؤسسات الدولة الجنوبية من قبل متنفذين مدعومين من قبل النظام المخلوع، تهميش أبناء الجنوب .. وقد اعترف التقرير ببعض منها ، وهنا تكمن جذور المشكلة وليست بأحداث 21 فبراير 2013م التي جاءت كردة فعل عن المجزرة التي ارتكبتها الأجهزة الأمنية بحق أبناء عدن .
كما تعامل التقرير مع ما جرى من أحداث في محافظة حضرموت بمعزل عما يجري في الجنوب من حراك سلمي وكأن حضرموت كيان منفصل قائم بذاته وليس جزءاً من أرض الجنوب الذي يشهد حراكاً سلمياً واسعاً منذ عام 2007م ، وهذا تجاهل واضح لقضية أبناء الجنوب التي لم تعد قضية محلية بقدر ما هي صارت ذات اهتمام إقليمي ودولي .
عند سرده للأحداث صور التقرير بأن هناك طرفاً ضحية مُعتدَى عليه وطرفاً آخر مُعتدِي، وهذا شيء ينافي الحقيقة؛ كلا الطرفين مارس العنف بدرجات مختلفة ، عنف بالرصاص الحي ، وعنف بالحجارة والإطارات الحارقة ، كما لم يشر التقرير لا من قريب ولا من بعيد إلى سقوط العشرات من الضحايا بين قتيل وجريح من أبناء حضرموت ، وكان من نصيب مدينة سيئون الشابان رامي بن حمدون وعاطف بن عبيدالله اللذين قتلا بالرصاص الحي.. العنف والفوضى من أي طرف كان مرفوضاً ، كما إن الاعتداء على ممتلكات الآخرين بالحرق أو التكسير هو الآخر مرفوض أيضاً ، كما أن قتل النفس البشرية بشكل متعمد جريمة واجب معاقبة القتلة المجرمين وتقديمهم للعدالة لينالوا جزاءهم العادل .
وعلى صعيد الأسباب خلص التقرير إلى تحديد ثلاثة أسباب وراء اندلاع الأحداث في المحافظة وهي على النحو التالي كما أوردها التقرير :
1) ردود أفعال أحجبتها وسائل الإعلام تجاه ما حدث في محافظة عدن يوم 21 فبراير إلى جانب التراكمات والتحريض المباشر وغير المباشر من قوى ليس لها مصلحة في الحفاظ على الوحدة الوطنية .
2) الاحتقانات والتراكمات التي تكونت لدى أبناء المحافظة، وولدت لديهم الإحباط نتيجة غياب الدولة والمساواة في الحقوق والإحساس بالظلم والتهميش الذي يعانونه وتعانيه المحافظة، وأورد التقرير عدداً من الأمثلة لذلك مثل :
• استيلاء المتنفذين على الأراضي.
• البطالة وحرمان أبناء المحافظة من التوظيف، ومنح الوظائف لعاملين من خارج المحافظة.
• حرمان أبناء المحافظة من التوظيف في الشركات النفطية .
• تردي الأوضاع الأمنية، ومعظم رجال الأمن من خارج المحافظة .
3) التحريض القادم من خارج الحدود الذي تقوم به قنوات فضائية تبث الكراهية والعنف والفوضى .
الأسباب التي أوردها التقرير هي نتاج وخلاصة لسياسة منظمة وممنهجة سار عليها النظام المخلوع منذ اليوم الأول لاجتياح الجنوب عام 1994م، حيث عمل هذا النظام عمداً على تدمير مؤسسات الدولة الجنوبية الأمنية والعسكرية، وتسريح كوادرها والإتيان بدلاً عنهم بآخرين من محافظات أخرى وخاصة من المحافظات الشمالية، وكان من الطبيعي جداً أن تكون النتيجة هي غياب الدولة وانتشار الفوضى، وكذلك المؤسسات المدنية هي الأخرى سُرِّح كوادرها، وتم استيلاء المتنفذين على العديد من مؤسسات القطاع العام ورُمي بعمالها إلى سوق البطالة في حضرموت وفي غيرها من محافظات الجنوب .
التقرير تجنب عمداً تحميل النظام السابق هذه المسئولية بقدر ما حملها الإعلام من الداخل والخارج والمعادين للوحدة الوطنية، وهذا ينافي للحقيقة التي يدركها الجميع.
وعلى صعيد التوصيات التي اقترحها أعضاء اللجنة كانت الكثير منها إيجابية، ولكنها تفقد فاعليتها وأهميتها في ظل وضع إداري فاسد ومشلول، وفي ظل عدم وجود تغيير ثوري حقيقي، فمعظم مدراء العموم في المحافظة قد تجاوزوا السن القانوني للعمل، إما ببلوغ سن الستين عاماً، أو لفترة العمل المحددة بخمسة وثلاثين سنة، فالسلطة المحلية في المحافظة عاجزة عن حل مشكلات المحافظة، ففاقد الشيء لا يعطيه .
في التوصيات وردت بعض الفقرات لابد من التعليق عليها :
1) في الفقرة الأولى طالب التقرير بسرعة تعويض أهالي القتلى من المدنيين والعسكريين ومعاملتهم معاملة الشهداء أسوة بغيرهم.. شيء جميل وشعور طيب، لكن لم يشر التقرير، هل المقصود قتلى أحداث 21 فبراير 2013م، أو كل القتلى الذين سقطوا منذ اندلاع الاحتجاجات السلمية في المحافظة.
2) ففي الفقرة الثالثة (3) طالب التقرير بسرعة التعويض المالي لمن تضررت ممتلكاتهم في الأحداث .
نعم من حق هؤلاء أن يحصلوا على تعويضات، لكن طالما وأن القضية ذات طابع جنائي لابد أن تكون جهة قانونية محكمة أو غيرها هي التي تحدد حجم الأضرار وحجم التعويضات لأنه يشاع بأن بعضاً من هؤلاء الذي تعرضت محلاتهم للحرق قاموا بإخلاء محلاتهم من البضائع ثم قاموا بحرقها حتى يتحصلوا على التعويضات .
3) في الفقرة (13) طالب التقرير بأن تمنح نسبة (50%) في التوظيف لأبناء المحافظة في حقول النفط وفي الشركات العاملة في مجال النفط .
كنا نتوقع أن يوصي التقرير بأن تكون النسبة أعلى من ذلك ، وتكون الأولوية لأبناء المحافظة في التوظيف وفي الأعمال والمقاولات الخاصة بشركات النفط.. كما يلاحظ تجاهل التقرير للآثار البيئية الخطيرة التي يحدثها التنقيب عن النفط وخطورة ذلك على حياة الإنسان والحيوان وعلى المياه الجوفية وعلى الغطاء النباتي حيث يلاحظ انتشار العديد من الأمراض وأخطرها السرطان بين المواطنين في المناطق القريبة من مواقع التنقيب.. كما كنا نتوقع أيضاً أن يوصي التقرير بإلزام شركات النفط بالحفاظ على البيئة وإلزامها بعلاج المواطنين وتعويضهم عما لحق بهم من أضرار وإرسال لجنة حكومية للتحقيق في هذه الآثار .
بشكل عام التقرير تغلب عليه اللغة التوافقية والتصالحية فهو بعيد كل البعد عن ملامسته المشكلات الحقيقية في المحافظة وتطلعات أبنائها في إحداث تغيير ثوري حقيقي ينهي حالة الفوضى والفساد، والفلتان الأمني، ونهب الأراضي والثروات، وتسلط المتنفذين، ويفرض سلطة النظام والقانون كما يريدها المواطنون .
بقلم / أ. فرج طاحس