رمضان مدرسة نتعلم فيها كثير من الدروس ، مدرسة تربي في المسلم خصال عظيمة ، ومن أهم هذه الخصال بل من أخطرها ؛ هي خصلة مراقبة الله في السر والعلن .
فالصائم ما منعه عن المفطرات من طلوع الفجر الى أذان المغرب إلاّ مراقبته لله ، ولو لم يستشعر هذه المراقبة لأفطر في رمضان وأدعى الصيام أمام الناس ، ومراقبة الله ليست خاصة في رمضان فقط ، وإنما المسلم بحاجة إليها في كل أحواله وأقواله وأفعاله ، وبالمراقبة تصلح أحوال الفرد والمجتمع .
المراقبة : هي استشعار المعرفة واليقين أن الله مطلع على أقوالك وأعمالك وخواطرك الظاهرة والباطنة .والآيات في مراقبة الله كثيرة منها قال تعالى : ( ألم يعلم بأن الله يرى ) ، وقوله سبحانه : ( يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ) .
ولقد ضرب الأنبياء والسلف الصالح أروع الأمثلة في مراقبة الله ، نستشهد ببعض القصص من السلف الصالح لعلنا نستلهم منها الدروس والعبر وأن نطبقها في حياتنا اليومية ، ولنتعرف مدى مراقبتهم لله ، وكما قيل بالمثال يتضح المقال .
كان ابن عمر رضي الله عنه يمشي في الطريق فانحدر من الجبل فوجد عبداً يرعى الغنم ، فقال له مختبراً : بعني شاة منها ؟ فقال الراعي : إني مملوك ، فقال ابن عمر : قل لسيدك إن الذئب أكلها ، قال الراعي : فأين الله ؟ ، فاشتراه ابن عمر وأعتقه ، وقال : لقد أعتقتك هذه الكلمة في الدنيا ، وأرجو من الله أن يعتقك بها في لآخرة .
أين الله ؟ كلمة هزت كيان ابن عمر ، ولو استشعر المسلم هذه الكلمة لم يعصِِ الله عز وجل ، ولو استشعر المذنب أين مراقبة الله ، لم يتجرئ على الذنب ، ولو استشعر وقال صاحب الغيبة والنميمة أين الله ؟ لما أغتاب أو تحركت لسانه بالنميمة ، ولو قال قاطع الصلاة والقاطع لأقاربه أين الله ؟ لما قطع صلاته أو أقاربه ، ولو قال الزاني أو المبتلى باللواط أين الله لما فعل هذه الفواحش ، ولو قال المخرب أو السارق أين الله لما اقترب من التخريب أو السرقة ، ولو قال من يؤذي جيرانه أو المسلمين أين الله لما استطاع أن يؤذي المسلمين ولو بشطر كلمة أو بتحريض أو فعل أو تأييد . ولكن عندما تغيب المراقبة - وهي نابعة عن الخوف من الله – فيفعل الإنسان مايخدش إسلامه أو إيمانه أو أخلاقه .
وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته من عادته يخرج يتعسس ويتفقد رعيته وشعبه ، فسمع أماً تقول لابنتها : قومي الى اللبن فاخلطيه بالماء ، فقالت البنت : إن أمير المؤمنين عمر نهى عن ذلك ، فقالت الأم : أن أمير المؤمنين لا يرانا ، قالت البنت : لكن الله يرانا ، فأعجب بها أمير المؤمنين ، وزوجها لأحد أبنائه ، وكان من نسلها الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز .
وهذا ابو هريرة رضي الله عنه كان ذاهبا الى السوق فوجد بائعاً يخلط اللبن بالماء ، فقال له : ماذا تقول لربك يوم القيامة إذا قال لك افصل اللبن من الماء ؟ فبكى الرجل وقال لن أعود إليها مرة ثانية .
لقد أحيا ابو هريرة في الرجل استشعار مراقبة الله ، فتأثر بسرعة وبدون خطبة أو محاضرة كلمات يسيرات حركت عنده روح مراقبة الله .
وهذه يوسف عليه السلام اشتهر بمراقبته لله ، عندما أرادت امرأة العزيز أن تفعل معه الفاحشة ، وتهيأت له وهيأت له الأجواء لفعل الفاحشة ، وتزينت وغلقت الأبواب ، وطلبت منه الوقوع بها ، وهي ذات منصب وجمال ، وهو غريب عن الدار ، وشاب لديه من الشهوة ماليس في غيره ، ومع ذلك كله عندما قالت له ( هيت لك ، قال معاذ الله انه ربي أحسن مثواي ) قمة المراقبة لله رغم المغيرات الغفيرة ولكنه استشعر مراقبة الله ، فحري بنا أن نستشعر مراقبته سبحانه في كل أحوالنا وأمورنا ، لنسعد بمجتمع أفراده يخافون الله ، ولا يرتكبون ما يفسد حياتهم
بقلم : محمد سعيد باوزير