لو فتح باب النقاش في جلسة عامة عن اسباب تخلف الأمة الإسلامية أو ما خطورة دور اليهود علينا أو الأمراض الاجتماعية على مجتمعنا ستستمع من الحاضرين بلا شك كلاما رائعا، وحلولا جيدة .. وهذا الفهم الجيد لقضايا الامة لا يتفق في الغالب مع سلوك هؤلا ء المتحدثين والذين شخصوا مكامن الداء لهذه الامة.. فقولهم في وادي والعمل في وادي آخر..
والفجوة واضحة بين العلم والعمل ، والفكر والسلوك ، والفهم والتطبيق ، والسبب يعود لعدم وجود قوة دفع داخلية روحية لإيجاد التوافق بين الاثنين الفهم والتطبيق ، لذا فأن الواحد منا يستمع للمواعظ والتوجيهات ويتمنى تنفيذها لكنه لا يجد قوة تدفعه لتطبيقها ..
معنى ذلك أن المشكلة في هذا العصر ليست في العلم والفهم بقدر ما هي في العمل والتطبيق .. ولان الدافع لأعمال الخير في الغالب لا ينبع من داخلنا فقد أصبحت الأعمال تؤدى شكلا بلا روح مما أدى إلى تحسن الشكل على حساب المضمون.
قال الشاعر:
لا تنتهي الأنفس عن غيها ما لم يكن لها من نفسها دافع
لا شك أن امة الإسلام أصبحت اضعف الأمم وباتت مطمع للجميع.. هذا الوضع المرير حدا بالكثير من أبناء الامة الإسلامية بالمناداة بضرورة التركيز على الأسباب المادية والسعي في نفس الاتجاه الذي سلكه الغرب كي نصل إلى ما وصلوا إليه.. فهل هذا التصور يصلح لكي يكون سبيلا لنهضة الامة الاسلامية؟ الجواب لا و للأسباب التالية :
1- إن الله اختص امة الإسلام برسالة الأمم التي هي هداية للبشرية جمعا وهي التي جعلتنا خير أمه أخرجت للناس إذا صاغت الامة حياتها وفق هذه الرسالة وبلغتها لسائر الناس فان لم تفعل عاقبها الله كي تفيق من سباتها وتقوم بواجبها ، فنحن في مرحلة غضب الله علينا ولابد من العودة للدين ليرفع الله عنا العقاب والذل.
2- إن عزة امتنا مرتبط بمدى دخولها في معية وكفاية الله لها ويتمثل ذلك في قول سيدنا عمر نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فان ابتغينا العزة في غيرة أذلنا الله ، بينما رفعة الأمم الأخرى يكون بقدر امتلاكها للأسباب المادية لأنها لم تكلف بما كلفنا به ، لذا من الخطاء تقليدهم.
3- إن سر تفوقنا يتمثل في الأسباب المعنوية الروحية دون غيرنا فلماذا نتركه .
4- لو أغلق أمامنا باب الأسباب المعنوية الروحية وتساوينا مع الكفار في البحث عن الأسباب المادية فستكون الغلبة لصالحهم لامحا له ، وجاء في قول سيدنا عمر إنما تنصرون على عدوكم بطاعتكم لله ومعصيتهم له ، فإذا عصيتموه تساويتم.
5- نحن مطالبون بالأسباب المادية المتاحة وبالأسباب المعنوية الروحية كلها من توبة وتذلل وانكسار لله والاستعانة به وتوكل مطلق علية ،لأنها هي سبب النصر ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴿١٥٩﴾ آل عمران
6- لو أن الأسباب المادية تحسم الصراع فالوضع القائم ، لا يمكن أن يسمح لنا أعدائنا بامتلاكها بالقدر الذي يجعلنا نتكافأ معهم أو حتى نقترب منهم .
7- تاريخ امتنا يؤكد أن انتقالنا إلى مقدمة الأمم لم يكن بفضل امتلاكها للأسباب المادية بل لأنها دخلت في دائرة رضاء الله ومعيته .. وفي معركة ذات العقاب في الأندلس بين النصارى والمسلمين في عهد دولة الموحدين بلغ عدد جيش المسلمين 500 ألف ، وهزموا وذبح منهم عشرات الألف بسبب اتكالهم على قوتهم 0
العودة إلى الله هي نقطة البداية ، مع الارتقاء بقيمة الفرد من خلال صلاحه على منهاج ربه ، والمقصود بصلاح الفرد ليس التركيز على أدائه العبادات بشكلها الظاهري بل أن يكون في القالب الذي يريده الله منه.. فيكون باطنه أفضل من ظاهرة وان يكون الله عنده اعز وأحب من كل شي ، ويظهر زهده في الدنيا ورغبته في الآخرة ، أن تكون معاملته مع الله هي الأساس الذي يحرص علية فيخشاه ويتقه ويطيعه ويرجوه ويتوكل عليه ويستعين به في كل أموره وينعكس ذلك على تصرفاته ومعاملاته مع غيره ويحب ويبغض في الله ، يسارع دائما في الخيرات ويجتنب المنكرات ويسارع للتوبة في حال الزلل ، وصلاح الفرد على هذا النحو سيؤدي إلى صلاح الأسرة ثم المجتمع ثم ننال رضاء الله ، ويولي علينا خيارنا ، فعن قتادة قال: قال موسى عليه السلام لربه : يأرب أنت في السماء ونحن في الأرض فما علامة رضاك من غضبك ؟ قال إذا استعملت عليكم خياركم فهو علامة رضاي وإذا استعملت عليكم شراركم فهو علامة غضبي عليكم .
إن عزنا وتقدمنا ورفعتنا مرتبطة برضاء الله عنا فان رضي عنا تضاعفت النتائج المترتبة على الأخذ بالأسباب المادية وظهرت البركة في القليل المتاح ( إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) آل عمران 160
ولان الذي يبدأ بالصلح مع الله والتربية على إيثار ما يحب الله ويرضاه على ما تحبه نفسه وتهواه ، لن يألو جهدا في ارتياد كل الصعاب التي ترفع من شان الإسلام .. بينما من يبدأ بالتركيز على التفوق المادي يصبح هذا التفوق خادما لنفسه محققا لمجده الشخصي ورفعته على من حوله ولا يحصل على الرضا الرباني .
لقد كان حال امة العرب قبل الإسلام أسوا بكثير من حالنا ألان ومع ذلك فقد نفع معهم القرآن واثر فيهم وغيرهم وأصلح حالهم .. وهذا مما يؤهل القران ليكون بداية صحيحة لنهضة الامة لأنه قد جرب من قبل ، استعمله الجيل الأول على حقيقته فصاروا من خلاله بأذن الله خير امة أخرجت وتبدل ترتيبهم بين الأمم من الذيل للمقدمة ..
يقول لشيخ محمد الغزالي رحمة الله :إن العرب عندما قرءوا القرآن تحولوا إلى أمه تعرف الشورى وتكره الاستبداد وسادها العدل الاجتماعي ، ولا تعرف نظام الطبقات وتكره ألتفرقه والعنصرية وتكره أخلاق الكبر يا والترفع على الشعوب الأخرى .
واخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه ستكون هناك فترات انكسار وهزيمة وفتن ستمر بها امتنا وان الأمم الأخرى ستتكالب عليها وتهزمها وان السبب وراء ذلك ، حب الدنيا وكراهية الموت , وارشدنا للمخرج منها بكتاب الله الذي فيه نبأ من كان قبلنا ، وخير ما بعدنا ، وحكم ما بيننا ،، كما في حديث الحارث بن الأعور.
هذا ملخص مختصر للفصلين الأول والثاني من كتاب الدكتور مجدي الهلالي ( انه القران سر نهضتنا ) وهذا الكتاب مكون من أربعة فصول في 136 صفحة موجود في مكتبات بلادنا بسعر 600 ريال وانصح أن يكون في مكتبات بيوتنا للاستفادة مما فيه .
بقلم المهندس : عبدالحافظ خباه