يدهشني بعض الشباب بموقفه النهائي من استحالة مقدرته على كتابة المقالات، ومن الوهلة الأولى تجده مستسلماً واضعاً بينه وبين الكتابة جداراً سميكاً من التهيؤات والأفكار السلبية، وإن جئت تقنعه وجدته مصراً على مواقفه تلك ويأبى الرضوخ لتشجيعك وإن حفزته على البدء من باب التجربة حتى.
ذلك الموقف أشعرني بخيبة أمل كبيرة خاصة ممن يُعهد إليهم مستقبلاً أن يكونوا حملة أقلام تنافح عن الحق وتصارع الباطل لتصرعه بقوة الحجة والبيان، وارتأيت أن أهون من الأمر وهو هين حقاً، إذ أن الكتابة شيء يسير لا يستلزم منا إلا الرغبة والمحبة والإرادة ابتداءً ثم ما بعدها يصير أهون ما يكون.
ربما يظن البعض أنني أستعرض قدراتي أو أنني أتحدث من مكانٍ عالٍ، وربما حسبني هؤلاء أنني أحسب نفسي كاتباً، لا؛ فالعكس من ذلك هو الصحيح، فلا زلتُ إلى اللحظة أتلمس خطواتي الضعيفة وأبحث من المعارف ما يصقل مهاراتي الوليدة وأسترشد بقراءة العديد من الكتب والمؤلفات التي تتحدث عن ذالكم الموضوع، وما طرقي له إلا كمن يريد أن يستفيد ويفيد غيره بعدئذٍ.
لا يستطيع أحد أن يصف للمرء وصفة تجعله كاتباً بين عشية وضحاها، فلكل شخص طريقته في الكتابة ما يعني أنه ليس هناك طريق واحد لها، فمن المهم أن يعلم الشخص أن الكتابة تحتاج أول ما تحتاج إلى المهارة اللغوية، لأن المهارة اللغوية تؤدي إلى التعبير الصحيح، وتمكن من نقل الأفكار بشكل سليم إلى الآخرين، إضافة إلى أهمية معرفة الموضوع الذي سنكتب عنه وكيفية تقديم الحجج والبراهين المقنعة والمنطقية واستمالة القارئ وجدانياً بأسلوب بسيط خالٍ من التعقيد والرتابة والتكرار.
باعتقادي أن القراءة المتواصلة والمستمرة هي أساس القدرة على الكتابة فبعض الشباب يكره الاطلاع ويعرض عن القراءة ثم يريد أن يكون كاتباً!، فكما يقال" إذا أردت أن تكون كاتباً ممتازاً، عليك أن تكون قارئاً ممتازاً أولاً"، فلو سألنا أكثر الكتاب شهرة أو حتى المبتدئين أو الهواة عن بداياتهم لأجابوا أنهم كانوا يقرأون بكثرة ويطلعون على المطبوعات بشغف وبنهم كبيرين، فإن قيل إن الكتب غالية الثمن، قلنا إن وسائل النشر الحديثة وشبكة الإنترنت لم تجعل لأحد في ترك القراءة عذراً.
بعدها يأتي التخصص أي أن يكتب الشخص في فن أو جنس أدبي معين ولا يطرق كل شيء فلا يكتب مثلاً في القصة والمسرحية والشعر والمقال أو الكتابة في جميع الموضوعات، بل لا بدّ له من الرغبة الصادقة والمعلومات الكافية عن شيء محدد وهما جناحا التخصص، أي أن تحب تخصصك وتنمّيه بالمعلومات الجديدة أولاً بأول.
أيضاً يجب معرفة المقومات الفنية للكتابة من حيث صحة الإملاء ورسم الحروف والكلمات بشكل صحيح، وعلامات الترقيم وهنا نجد بعض الكتاب والأكاديميين يخبطون خبط عشواء في هذه الأمور لقلة العناية بها، إضافة للقواعد النحوية بأخطائها البسيطة والمتوسطة والفادحة والفاضحة، ومعرفة الأخطاء الشائعة، ومن المقومات معرفة البلاغة من حيث الإيجاز وصياغة التعبير بشكل مختصر وجميل وجذاب.
كما أن على الشخص أن يتعلم التقنيات الحديثة في الكتابة والمراسلة عبر الوسائل الإليكترونية فوسائل النشر ترغب في المواضيع المطبوعة والجاهزة وتعمل على نشرها بسرعة، على عكس المكتوبة باليد التي تحتاج لوقت كبير لتجهيزها وتهيئتها للنشر، وفي حالة ظهور مقالتك الأولى على صفحات الجرائد إياك أن تكفّ أو تقف عن السعي الحثيث لتطوير نفسك وتنمية معارفك ومهاراتك، لأن نشر مقالتك الأولى لا يعني بأي حال من الأحوال أنك قد أصبحت كاتباً محترفاً، فالبداية شيء والاحتراف شيء آخر، وفي الأخير ينبغي ألا ننسى قول تولستوي:" لا تبخل على كلماتك بالحذف، ولا على أسطرك بالشطب، ولا على أوراقك بالتمزيق".
بقلم : أحمد عمر باحمادي